رسوب 400 سنة
2022.03.02
إحسان عبيد:
إذا رسب طالب بضع سنوات في مراحل الدراسة الأربع، نتوقع أنه سيخسر رواتب سنوات الرسوب فيما لو تخرج بنجاح دائم، وربما ساعد مبكرا في تعليم إخوته، أو بنى بيتاً، أو تزوج، أو ترفع في وظيفته.. وطبيعي أن يكون جميع زملائه قد سبقوه.. فإذا دخل الكلية الحربية وتخرج فيها ملازماً، فسيكون زميله السابق برتبة نقيب لأنه سبقه بالنجاح، ويجب أن يؤدي له التحية.
الأمة العربية رسبت في صفها 400 سنة رغما عنها، على يد استعمار الخلافة والسلطنة العثمانية، التي لم تبن مدرسة أو مستشفى أو تشق طريقاً.. بل بالعكس، فقد كانت الوشاية الكبيرة أن يقول الواشي للسلطات: فلان يحاول أن يتعلم القراءة والكتابة فيأخذونه إلى السجن أو (جر نظام) الجيش.. مما جعل المصلح الاجتماعي جمال الدين الأفغاني يقول: أقبح خلق الله ثلاثة – القمل – والترك – والجراد.
لقد مرت جيوش وغزوات واحتلالات على المنطقة العربية قبل الإسلام من الفرس والرومان، وبعدها جاء المغول والصليبيون، والفرنسيون والطليان والانكليز، واندحر الجميع.. والسبب أنه لم تكن بيننا وبينهم كيمياء مشتركة.. أما بقاء العثمانيون لمدة 400 سنة فقد كان بسبب كيمياء الدين، ولولا الحرب العالمية الأولى ومساعدة الإنكليز والفرنسيين للشريف حسين لما قامت الثورة العربية عام 1916 ولكان الأتراك مازلوا عندنا لغاية اليوم بسبب الدين. (نحن مسلمون وهم مسلمون.. وين المشكلة؟)..
صحيح أنه كانت هناك إرهاصات عصر النهضة والتنوير، وجاءت دعوات معظمها من المسيحيين المتنورين والمسلمين التي تقول: نحن عرب وأنتم أتراك، ولكن باقي القطعان كانت تدعو للسلطان بالمساجد.
أيها الأصدقاء: أغمضوا أعينكم وتصوروا أنكم رسبتم في صفكم 400 سنة فسوف تستفيقوا على فاجعة مريعة قضاها أجدادنا بالعبادة والدعاء للسلطان العثماني.. والناس يعملون أجراء بأرضهم ويدفعون الضرائب.. كل ذلك بسبب كيمياء الدين.
إن نسبة 85% من تخلفنا بسبب الاستعمار العثماني، والـ 10 % بسبب عقليته الموروثة التي مازالت تحكمنا بفاعلية طاغية، و 5% بسبب الفساد المتجذر منذ نصف قرن جراء الإدارة والقوانين العثمانية، وهاهوذا قد استفحل وتنامى.. جميع الدول التي حكمتها الخلافة العثمانية في آسيا الصغرى والبلقان ورثت الفساد العثماني.
عندما دخل الجيش التركي سورية منذ سنتين أو ثلاث، ارتفعت يافطات في غزة وفي غيرها تقول: قلوبنا مع الجيش التركي، والرحمة للشهداء الأتراك، ومازال بعض شيوخ الدين يقولون: تحرير سورية أوجب من تحرير فلسطين.. فلا تخافوا من فايروس كورونا يا أصدقاء لأننا محكومون من فايروس أقوى، يستقر في قاع المخيخ ويسري في الأوردة والشرايين.. هل تعرفونه؟