كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

معن صالح يكتب عن أهم التحديات أمام السوريين: "حمار الماغوط"

لو حاولت أن أطرح هذا السؤال ببساطة، بل بسذاجة و حسن نوايا، ماهي أهم التحديات أمام السوريين اليوم؟ أظن أن الإجابات ستتراوح بين الاقتصادي و السياسي و الاجتماعي، و لعل موضوع الفقر يتصدر المشهد اقتصادياً، و الجهل و تدني مستوى الوعي يتصدره اجتماعياً، و الحريّات و طبيعة نظام الحكم تتصدره سياسياً.
في النظرة الى الواقع السوري لا يمكن الخروج عن هذا الثالوث أو المثلث القائم و المتساوي الساقين و الذي بنظري يمثل مستوى الوعي رأسه المفكّر و المتحكم في العملية برمتها.
و هنا على الجميع أن يسأل لماذا الوعي هو رأس المثلث و ليس الاقتصاد أو السياسة؟
الحمار يجوع، و عندما يجوع الحمار لا يقوم بثورة للحصول على حقه و مستحقاته.
الحمار يتم اضطهاده و تحميله مالاطاقة له، لكن عندما يتم اضطهاده لا يحتج و لا يثور في وجه من يضطهده. و من باب النكتة يذكرنا ذلك بالماغوط في احدى مسرحياته، إذا وضعنا أمام الحمار سطل ماء و سطل عرق ماذا يشرب الحمار؟ المفارقة أنه مهما كان الاختيار عرقاً أم ماءً سيأتي الجواب أنه اختار ذلك لأنه حمار، حتى أن ذلك الحمار عندما جاع أكل الدستور،
و في العودة الى مثلث (الوعي، الاقتصاد، السياسة) نلاحظ وجود من ينسف هذه المعادلة من خلال التركيز على أحد ساقي المثلث، و هذا ما يحدث عموماً على مستوى العالم في الصراع بين اليساريين و تركيزهم على النظام الاقتصادي، و بين الليبراليين و تركيزهم على النظام السياسي الحر.
لنفترض أننا اختصرنا كل المعارضات السورية بعنوان جامع او بكلمة معارضة في مواجهة السلطة يمكننا أن نلاحظ التالي:
السلطة تلعب على وتر الفقر و الجوع، و تردّه الى اسباب خارجية (اسرائيل و امريكا و الغرب عموماً) لذلك هي تدعو للصمود.
المعارضة تلعب على وتر السياسة و الاضطهاد و ترده الى أسباب داخلية (السلطة) و هي تدعو للثورة.
و ما بين الصمود و الثورة يضيع الشعب السوري، إن كان في الجوع و الفقر أو في المنفى و المخيمات و الهجرة. و يتحول الصراع الى صراع مفتوح، و يصبح المثلث بلا رأس، و تتباعد قائمتيه و تتقعر قاعدته ليصبح بهذا الشكل: U ، قائمتاه لا تلتقيان، بلا سقف جامع، و باختصار بلا وعي و في الحالتين سيهوي نحو القعر.
السلطة تستثمر الفقر و الجوع لإثبات وجهة نظرها بنوايا الغرب و لتطالب السوريين بالصمود.
و المعارضة تستثمر هذا الفقر أيضاً لتثبت أن السلطة فاشلة و يجب الثورة عليها.
و يبدو أن الطرفين مستمتعان بلعبة الشد و الجذب هذه، و يصبح الفقر و الجوع هو حبل الارجوحة التي يتمرجح عليها السوريين، يتقاذفها الطرفين بلا هوادة.
حقيقة و واقع الشعب السوري اليوم أنه جالس و مستمتع بعجزه في قعر هذه الأرجوحة (بما تمثله من طيران وهمي) و في حالة غياب كامل عن الوعي حيناً او هروب من الواقع و من البلد حيناً آخر،
و يصبح وجوده مرتبطاً باستمرار لعبة التقاذف و الاستقطاب، ظناً منه (أي الشعب) أنه يختار أو ان هذه هي كل الخيارات التي أمامه. و هنا لا بد من العودة الى حمار الماغوط، و سؤال ماذا سيشرب الحمار؟ و مهما كان الجواب سيقال لأنه حمار.
التوصيف الحقيقي لواقع السوريين اليوم هو كالتالي:
- من هم في طرف السلطة يسخرون من وجبة الصمود التي تقدمها السلطة، و في الوقت نفسه لا يريدون وجبة الثورة التي قدمتها المعارضة و جلبت لهم الويلات.
- و من هم في طرف المعارضة يسخرون من مآلات الثورة، و يرفضون وجبة الصمود (البديل الذي تقدمه السلطة).
لكن و رغم ذلك، مازال جميع السوريين في الأرجوحة و لم يترجلوا منها.
في بداية الأزمة كان السوريون في ارجوحتين منفصلتين، اليوم هم في الأرجوحة نفسها، لكن في مقعدين متقابلين، و بنظري هذا التحول عامل ايجابي يجب البناء عليه. لكن هل يسعفهم وعيهم ليقطعوا حبال الأرجوحة و ليكفوا عن الطيران الوهمي و يعودوا الى أرض الواقع؟
و جوابي نحن بحاجة المثلث الذي يقوده الوعي. عندها يعي جميع السوريين أنهم كانوا ألعوبة في أرجوحة واحدة و أن الجميع يضعهم في موقف "حمار الماغوط"،
فعلى أي جانبيك تميلُ؟