كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

مسرحيّون عرب كُلّفوا بكتابة كلمة “يوم المسرح” وونوس أوّلهم

أمينة عباس
يحتفل، اليوم 27 آذار، المسرحيون في جميع أنحاء العالم بيوم المسرح العالمي، كمناسبة لإعادة التذكير بواقع أبي الفنون وتاريخه ودوره والترويج له وتسليط الضوء على قيمته، وقد تم تبنّي هذا اليوم من قِبل المعهد الدولي للمسرح، وهو أكبر منظمة للفنون المسرحية في العالم، واحتُفل بيوم المسرح العالمي أول مرة في 27 آذار 1962 وهو تاريخ افتتاح موسم مسرح الأمم في باريس، وما يميّز هذا اليوم هو نشر كلمة يوم المسرح العالمي، إذ جرت العادة أن يختار المجلس التنفيذي للهيئة الدولية للمسرح كل عام شخصية مسرحية بارزة لكتابتها، وكان صاحب أول كلمة تُلقى بهذه المناسبة الكاتب المسرحي الفرنسي جان كوكتو، وتُترجم الكلمة حالياً إلى أكثر من 50 لغة وتتمّ قراءتها في كل المسارح في العالم.
أول عربي
تعاقب على كتابة كلمة يوم المسرح العالمي أهم الشخصيات المسرحية في العالم، وظلّ العرب بعيدين عنها إلى أن وقع اختيار المعهد عليهم عام 1996 من خلال الكاتب المسرحي السوري سعد الله ونوس ليكون أول عربي يُكلّف بكتابتها ليتبعه بعد سنوات عدة كلّ اللبنانية مايا زبيب 2018 و فتحية العسال- مصر 2004 وسلطان بن محمد القاسمي-الإمارات 2007 وسميحة أيوب- مصر 2023.
محكومون بالأمل
في 27 آذار 1996 وقف سعد الله ونوس على مسرح الحمراء بدمشق ليحيي الأمل بالمسرح كواحد من الفنون التي لا غنى عنها للعالم من أجل التعبير عن القضايا الكبرى والمؤرقة، وختم كلمته بالقول: “إننا محكومون بالأمل” والتي أصبحت شعاراً لكل المسرحيين منذ ذلك الحين، وفيها تحدث عن الحوار إلحاحه وضرورته بين الأفراد والجماعات والذي يبدأ من المسرح الذي على الرغم من كل الثورات التكنولوجية سيظل المكان النموذجي الذي يتأمل فيه الإنسان شرطه التاريخي والوجودي، وميزته التي تجعله مكاناً لا يُضاهى هي أن المتفرج يكسر فيه محارته كي يتأمل الشرط الإنساني في سياق جماعي يوقظ انتماءه إلى الجماعة ويعلّمه غنى الحوار الذي يجعلنا ننعتق من كآبة وحدتنا ونزداد إحساساً ووعياً بجماعيتنا، ومن هنا فإن المسرح ليس تجلياً من تجليات المجتمع الأهلي فحسب بل هو شرط من شروط قيامه وضرورة من ضرورات نموه وازدهاره، وهو على الرغم من ذلك يتقهقر بينما تتوالد وتتكاثر في فضاءات المدن الأضواء والشاشات الملونة والتفاهات المعلبة، مؤكداً أن المسرح في عالمنا الراهن بعيد عن أن يكون ذلك الاحتفال المدني الذي يهبنا فسحة للتأمل والحوار، وأن أزمته هي جزء من أزمة تشمل الثقافة بعامة في زمن العولمة التي دمرت كل أشكال التلاحم داخل الجماعات، مشيراً إلى أن مغزى تهميش الثقافة يعود لأنها تشكل الجبهة الرئيسية لمواجهة العولمة الخالية من أي بعدٍ إنساني، فهي تعرّي ما يحدث وتكشف آلياته وتعين الإنسان على استعادة إنسانيته وتقترح له الأفكار والمثل التي تجعله أكثر حرية ووعياً وجمالاً، وأن للمسرح دوراً جوهرياً في إنجاز هذه المهام النقدية والإبداعية التي تتصدى لها الثقافة لأنه هو الذي يدرّبنا عبر المشاركة والأمثولة على رأب الصدوع والتمزقات التي أصابت جسد الجماعة، وهو الذي سيحيي الحوار الذي نفتقده جميعاً والبداية لمواجهة الوضع المحبط الذي يحاصر عالمنا، مبيناً “أننا محكومون بالأمل وما يحدث لا يمكن أن يكون نهاية التاريخ”، ومنوهاً بأن الكتابة للمسرح جعلته يقاوم مرض السرطان، فكتب أثناء مرضه أعمالاً مسرحية عديدة في الوقت الذي ينحسر فيه المسرح عالمياً لإيمانه أن التخلي عن الكتابة له جحود وخيانة لا تحتملها روحه، ولأنه يريد أن يدافع عنه كي يستمر لأنه ظاهرة حضارية مركّبة سيزداد العالم وحشة وقبحاً وفقراً لو أضاعها وافتقر إليها.
المسرح هو الضوء
في يوم المسرح العالمي عام 2004 كانت الكاتبة فتحية العسال أوّل مصريّ يطلب منها المعهد الدولي للمسرح كتابة كلمة يوم المسرح العالمي، وفيها تحدثت عن أهم ما يميّز الكاتب المسرحي ورسالته الإنسانية السامية التي ينشرها بين الناس من أجل الارتقاء بحياتهم وتحريرهم من كل عوامل القهر والاستغلال وانتهاك الكرامات من خلال إتقان صنعته والسيطرة على أساليب التعبير الفني لتحقيق الأثر والهدف منها، مؤكدة اعتماد المسرح على البناء المحكم والحوار المركز المكثف البعيد عن الثرثرة، مبينة أنها رفضت أن تخطّ على الورق ما لم يكن نابعاً من أعماقها ومعبّراً عن حقيقة المرأة وقدرتها على العطاء، لذلك استحلفت قلمها أن يتوقف ولا يسطر حرفاً واحداً مستضعفاً أو مقهوراً إن شعرت أنها قد جبنت عن قول الحقيقة، مشيرة إلى أنها تؤمن أن المسرح هو الضوء الذي ينير للإنسان الطريق ويؤمّن التواصل الذي يولّد الدفء بيننا، سواء كنا أمام نص مسرحي أو أمام خشبة مسرح.
يبقى ما بقيت الحياة
وكتب الكاتب الإماراتي سلطان بن محمد القاسمي ـ حاكم إمارة الشارقة ـ كلمة يوم المسرح العالمي عام 2007 وفيها تحدث عن المسرح، هذا العالم الساحر الذي تعرّف عليه عشقاً وحباً منذ نعومة أظافره وانجذب إليه تأليفاً وتمثيلاً وإخراجاً وكيف اكتشف قوة المسرح وجبروته، وخاصة في مواجهة من لا يتحمّل الرأي الآخر، وقد تيقّن من الدور الخطير الذي من الممكن أن يلعبه المسرح أو يقوم به في حياة الشعوب، وأنه ومن خلال قراءاته للمسرح منذ عهد الإغريق حتى يومنا هذا أدرك السحر الكامن في عوالمه في سبر أغوار النفس البشرية ومكنوناتها وفتح المغاليق التي تحتويها مما رسخ لديه قناعة واسعة أن المسرح يشكل عامل توحّد إنساني يستطيع من خلاله الإنسان أن يغلّف العالم بالمحبة والسلام، ويفتح آفاق حوارات بين مختلف الأجناس والأعراق والألوان على اختلاف معتقداته الإيمانية، فهو الوعاء الجامع لكل فنون الجمال، ومن لا يتذوق الجمال لا يدرك قيمة الحياة، مبيناً أن المسرح حياة، وما أحوجنا إليه لنبذ كل أنواع الحروب العبثية والاختلافات العقائدية لأننا كبشر زائلون، ويبقى المسرح ما بقيت الحياة.
فعلٌ إنساني
وكانت الهيئة الدولية للمسرح أعلنت اختيارها الفنانة المسرحية المصرية سميحة أيوب لكتابة الكلمة في العام الماضي، وفيها أكدت أن المسرح في جوهره الأصلي فعل إنساني قائم على جوهر الإنسانية الحقيقي، لافتةً إلى أهمية ما يقوم به المسرحيون من مؤلفين ومخرجين وممثلين وسينوغرافيين وشعراء وموسيقيين وتقنيين وفنيين، فالكل يشارك في فعل لخلق حياة لم تكن موجودة من قبل، وهذه الحياة تستحق يداً حانية تتعهدها وصدراً حنوناً يحتضنها وقلباً حانياً يأتلف معها وعقلاً رزيناً يوفر لها ما تحتاجه من أسباب الاستمرار والبقاء، مشيدة فيها بالمسرحيين الذين يمنحون الحياة رونقها ويوفرون الأسباب لفهمها ويستخدمون نور الفن لمواجهة ظلمة الجهل والتطرف ويبذلون جهدهم ووقتهم ودموعهم ودماءهم وأعصابهم وكل ما يتوجّب بذله من أجل تحقيق رسالة المسرح السامية، وهم يدافعون بها عن قيم الحق والخير والجمال، فالحياة تستحق أن تعاش، داعيةً المسرحيين في العالم للوقوف صفاً واحداً ويداً بيد وكتفاً بكتف لتخرج كلماتهم التي توقظ ضمير العالم بأسره كي يبحث في داخله عن الجوهر المفقود للإنسان الحر والمحب والمتعاطف والرقيق والمتقبل للآخر والذي ينبذ الصورة القميئة للوحشية والعنصرية والصراعات الدموية والأحادية في التفكير والتطرف.
سحر المسرح
وبناء على ملاحظة الاستاذ عصام ابو القاسم بان المخرجة اللبنانية مايا زبيب قد كلفت هي الاخرى لكتابة رسالة يوم المسرح العالمي .
عام 2018 نورد "جزء منها :
يمكن أن يتكرّر ولا يمكن وجوده في أي نشاطٍ علمانيٍ آخر. إنها ببساطة بادرة من طرف مجموعةٍ من الناس اختاروا أن يجتمعوا معًا في نفس المكان والزمان للمساهمة في تجربةٍ مشتركة. إنها دعوة لأفرادٍ كي يشكّلوا مجموعة، ويتبادلوا الأفكار، ويتصوّروا سبل تقسيم عبء الأفعال الضرورية… كي يستعيدوا ارتباطهم الإنساني رويدًا رويدًا، ويجدوا أوجه التشابه بينهم. إنه المكان الذي يمكن فيه لقصةٍ معينة أن ترسم خطوط العالمية… هنا يكمن سحر المسرح حيث يستعيد التمثيل خصائصه القديمة.
في ظل ثقافة الخوف من الآخر المستشرية عالميًا، والعزلة والوحدة، يصبح تواجدنا معًا هنا والآن، فعلًا من المحبة. أن تبتعد عن الإشباع الفوري والانغماس الذاتي في مجتمعاتنا ذات النزعة الاستهلاكية العالية والتطور المتسارع وتقرر أن تأخذ الوقت للتفكير والتأمل في الآخرين، فذلك بحدّ ذاته فعلٌ سياسيّ وهو عملٌ فيه ما فيه من السخاء.

كيف يمكننا إعادة تصوّر مستقبلنا بعد سقوط الأيديولوجيات الرئيسية وبعد ثبوت فشل النظام العالمي الحالي على مرّ العقود؟ ولما كانت السلامة والراحة هما الشاغل الأساسي وذو الأولوية في الخطابات السائدة، فهل ما زال يمكننا الخوض في نقاشاتٍ غير مريحة؟ هل يمكننا أن نخطو تجاه المناطق الخطرة دون الخوف من فقدان امتيازاتنا؟"

البعث