كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

حراسة السرديات أم نقدها؟

عقيل محفوض

يبدو أن أفكار المؤرخ والمفكر فاضل الربيعي في نقد السرديات التوراتية والتاريخية صادمة وموجعة لكثيرين. هذا أمر مفهوم ومطلوب في عالم الفكر. وأثار الربيعي جدلاً قبل أن يقول كلمة واحدة هنا، وقبل أن يقدم نقده لـ"السرديات التوراتية" في جامعة دمشق الثلاثاء (16 تموز 2024). الجامعة الأم في هذا البلد المشرقي الجميل. الجامعة التي خرَّجَت عدداً من كبار المفكرين. واستقبلت وأتاحت منابرها لعدد كبير من المفكرين العرب وغير العرب. والربيعي قدم إلى بلده سورية، بكل الحب والتقدير.
المهم في الأفكار هو نقد وزحزحة السرديات واليقينيات "الكسولة" و"الأنوية" و"الواهمة" وأحياناً "الفاسدة" معرفياً وتاريخياً الخ وحتى اختبار السرديات التي يظن كثيرون أنها من المسلمات والبديهيات. والمهم هو تحريك وتحرير وحتى خض ورض العقول المتخندقة في يقينياتها. وليس المطلوب من الأفكار أن تقدم إجابات على كل الأسئلة، ولا أن تفكك كل عُقَد وألغاز العالم والتاريخ. وما من فكرة احتوت كل شيء ولا أصابت في كل شيء.
وإذا كان ثمة اختلاف في الرؤية والمنهج والاستخلاصات والتعميمات والتأويلات الخ فهذا أمر طبيعي وصحي وصحيح. ويجب مقابلة الأفكار بالأفكار. الحجة بالحجة. ان من غير الطبيعي وغير الصحي وغير الصحيح الانفعال والسلبية والشطط في التقديرات والأحكام وفي التعابير، وإطلاق الأحكام انطلاقاً من تخندقات يبدو انها تُقَيِّد وتُعيق وتُهدِّد أصحابها أكثر مما تحميهم. وتخنق الأفكار أكثر مما ترعاها وتنميها. وإن الانفعال والسلبية والتعصب والشطط... هي مؤشرات ضعف وعدم ثقة، فضلاً عن كونها مؤشرات على استبداد وعصبية وسوء تقدير، وبالطبع سوء فهم أو سوء تلق وتدبير وأحيانا سوء طوية.
تحية للأفكار التي تنير، وتضع اليقينيات والسرديات موضع النقد والمراجعة والتفكيك. وبعض الأفكار مُوجع، وقريب من استخدام مبضع الجراح، إلا أن فيه "إشفاء" و"إبراء"، كما هو مؤمل. وما لا يتم واجب أو فعل التفكير والتنوير إلا به فهو واجب.