كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

هل يتوجب على البابا الاعتذار؟

أُبي حسن- جريدة السفير - 28 أيلول 2006

لم تكن مستغربة حالة الهيجان التي قابل بها الشارع الإسلامي (أو بعضه) ما جاء في خطاب البابا بندكت السادس عشر في ما يخص الإسلام كدين لا يقبل الحوار ولا ينتشر إلا بالعنف، كما لم يكن غريباً ما أقدم عليه بعض <الغيارى> على إسلامهم من قتل للراهبات (راهبة ايطالية في مقديشو مع حارسها الشخصي) وحرق الكنائس في قطاع غزة والضفة الغربية والبصرة، أو المطالبة بصلب الحبر الأعظم كما فعلت مظاهرات اندونيسيا (و<الخير> آت والعلم عند الله).
وإذا ما وضعنا، جانباً، مسألة تزامن خطاب البابا مع تصريحات جورج بوش حول الفاشية الإسلامية أو مع ما تشيعه دول كإيران، على ألسن آياتها وصحافتها، عن الصليبية الجديدة، ودول أخرى باتت تتحدث عن احتقار الغرب للإسلام. سنجد أن حالة العصاب الإسلامي هذه تذكرنا بقضية الرسوم المسيئة للنبي الكريم التي جرت في أيلول 2005 وأثيرت بعد ثلاثة أشهر(؟!)، وما نجم عنها من ردّات فعل كان أقلها حرق سفارات بعض دول الغرب <الكافر>، وتهييج الشارع الذي نسوا (أو تناسوا) أن يثيروه عندما كان بعض الجنود الأميركيين يسيئون إلى القرآن الكريم في معتقل غوانتانامو قبل قرابة العامين إساءات أين منها قضية الرسوم؟ تماماً كما تناسوا تصوير النبي العربي (ص) قبيل ذلك التاريخ في إسرائيل (صديقة بعض العالم الإسلامي!) في هيئات مشينة. حقاً: لماذا لم يتحركوا في ما يخص الحالتين الأخريين اللتين تمتا تحت أنظار الحكومتين الأميركية والإسرائيلية؟ حتى دول كإيران أو السعودية (مع رجال دينهما) لم يحركا ساكناً سنتذاك ولو من باب المزايدة كما جرت العادة!
وبما أن الشيء بالشيء يذكر، من المفيد التذكير أن الشارع ذاته لم يتحرك عندما ضربت الكعبة (المفترض أنها مقدسة لديه) من قبل القوات السعودية وبعض قوات الأمن العربي والأميركي أثناء احتماء المتمرد السعودي جهيمان العتيبي فيها عام .1979 طبعاً نحن في غنى عن التذكير بأنها سبق وأن ضربت بالمنجنيق في عهد الصحابة رضوان الله عليهم (أثناء صراع بعضهم على كرسي الخلافة) دون أن يستاء أحد المسلمين من ذلك!
لا شك بأن التوفيق لم يحالف البابا بندكت السادس عشر في خطابه الذي تطرق فيه إلى الإسلام من خلال استشهاده بحادثة تعود إلى القرون الوسطى (ستمئة عام منصرمة)، كما انه لم يكن موفقاً في كيفية مصه لموجة الغضب العارم التي اجتاحت هذا الشارع الذي دبت فيه الغيرة على دينه ومعتقده فلن يرضى (على ألسن <علمائه>) دون الاعتذار الشخصي لقداسته. ومهما كانت مطالب هذا الشارع إلا أنه من الوهم الاعتقاد أن هذا الشارع يثور (وان كان صادقا في غضبه) لمجرد رد الاعتبار الديني لأجل الدين كدين فحسب، فمن حفل تاريخه (وهذا تاريخ كل البشرية، بما فيها الكنيسة التي فاقت تاريخنا بالحرق) بالجرائم وبقر البطون وقصف الكعبة وشتم بعض الصحابة (رضي الله عنهم) لبعضهم بعضاً، وما هو أكبر وأكثر من الشتائم، لا يمكن أن يكون غاضباً رداً لاعتبار مفقود أو كرامة مهدورة أو حتى لأجل دين يهان!
العالم الإسلامي يثور راهناً، وببساطة، بسبب جملة من العوامل المتداخلة، خارجية وداخلية، فالفارق الحضاري بين الغرب والشرق (كعامل خارجي) هائل وغير قابل للردم على المدى المنظور، وهو فارق يقدره بعض المؤرخين انه كان إبان عصر النهضة بحوالى الخمسين سنة، ربما هذا ما جعل العقل الإسلامي في ذاك العصر يتقبل الاختلاف والانفتاح والنقد في كل شيء، مثال ذلك ما جرى بين فرح انطون العلماني والإمام محمد عبده أوائل القرن المنصرم. ولان الهوة الكائنة بين الغرب والشرق غير قابلة للردم على المدى المنظور فقد قوبلت بنكوص (إسلامي)، والنكوص آلية من آليات الدفاع النفسي. وثمة عامل خارجي آخر يكمن في هيمنة الغرب على الشرق، وهي نتاج طبيعي للفارق الحضاري بينهما، هذه الهيمنة التي تجلت في أبهى حللها في غزو الغرب المتمثل ببريطانيا وأميركا للعراق وما تبعه من ردّات فعل سلبية ساهمت في نشوء حالة العصاب التي تعيشها المجتمعات الإسلامية راهناً. أما في ما يخص العامل الداخلي فنجد أن الاستبداد ومشتقاته من فساد الحكام والأنظمة وإفسادهم للبلاد التي يحكمونها، وما نجم عن ذلك من فقر وإفقار طال غالبية الشعوب الإسلامية والعربية ساهم مساهمة فعالة في حالة العصاب الإسلامي، كما كان له الأثر الكبير في نشوء حركات التطرف الإسلامي، ونكوص طال عدداً لا بأس به من المسلمين. ولعلها مفارقة أن الاستبداد ليس بغريب عن أدبياتنا وتراثنا الإسلامي (وهذا ما يفجع حقاً!)!
غني عن البيان أن ما صرح أو استشهد به قداسة البابا ليس عارياً عن الصحة تماماً مع الأسف، وإن كان يفتقد النظرة الموضوعية إلى الإسلام سواء أكان من جهة سياقها التاريخي من حيث النشأة الأولى للإسلام من غير أن نغفل البيئة البدوية التي ظهر فيها، أم من جهة تقييمه للإسلام من خلال تطرف بعض الحركات الإسلامية الأصولية، والمفترض أن قداسة البابا يدرك أن ليس كل المسلمين ابن لادن والظواهري! فضلاً عن ذلك لا يليق بمقامه الروحي والأخلاقي أن يثير مسائل كهذه مفترض أن ينشغل بها أهل البحث ورجال الفكر لا أناس ألقيت على عاتقهم مهمة التآلف والتقارب بين الناس والأديان.
من وجهة نظر ثانية، كان حرياً من يطالبون قداسة البابا بالاعتذار أن ينظروا إلى تاريخنا الذي أنتج ابن لادن والظواهري وأبو مصعب الزرقاوي الخ... ومن المؤكد أن هؤلاء لم يأتوا من فراغ! لا بل أكاد أجزم، ولا أدري إن كان شيخاً جليلاً ومنفتحاً كالدكتور أحمد حسون مفتي سوريا يوافقني الرأي لا سيما بعد أن شهدنا موقفه الحضاري والأخلاقي من الأزمة القائمة، أنه في حال تمت مناظرة بين ابن لادن أو الشيخ أيمن الظواهري من جهة والشيخ يوسف القرضاوي أو الشيخ محمد سعيد رمضان البوطي من جهة أخرى (على سبيل المثال لا الحصر، بافتراض أنهما يمثلان الاعتدال والوسطية في الإسلام) لأقام ابن لادن والظواهري الحجة على خصميهما.. أفلم يرد في الحديث النبوي الشريف: <من مات ولم يغز أو يحدث نفسه بغزوة فقد مات ميتة جاهلية>، أليس هذا الحديث، ومثله الكثير، تستند اليه الجماعات المتطرفة ك<عصائب الجهاد العراقية> التي هددت البابا بقولها: <اعلم أن جند محمد قادمون إليك ليزلزلوا دولتك>؟ وهل تهديد ووعيد <جيش المجاهدين> باستهدافهم روما والفاتيكان أتى من خارج أدبياتنا وتاريخنا؟ لا بل أليس في مثل هذا التهديد والوعيد ما يثبت صحة استشهاد البابا عن ديننا؟ وهل ينقصنا كمسلمين المزيد من تشويه التاريخ والصورة؟
أقر مجلس كنسي عام 1870 باقتصار صفة عدم الخطأ على البابا، وسيان كان القرار صحيحاً أم باطلاً، يبقى قداسة البابا بشراً يصيب ويخطئ ويسهو كذلك، فجلّ من لا يخطئ. وخطأ قداسة البابا في استشهاده بالنص البيزنطي ليس تاريخياً ومعرفياً قدر ما هو إنساني، ولا يعيبه أو يقلل من قداسته أن يعتذر ممن أساء الظن به، حتى ولو كان محقاً في كلامه.
يبقى القول، ان على المسلمين أن ينظروا في دينهم، وفي منظومتهم المعرفية التي استعصت حقاً على الإصلاح، ومن حاول أن يصلح منهم إما كفّروه أو نبذوه وحاربوه، وخير دليل على صحة كلامي ما تعرض له الإمام محمد عبده في زمانه (مع أن بعض <علماء> عصرنا يكفرونه ولو همساً)، وكذلك ما لقيه الدكتور محمد شحرور وجمال البنا ونصر حامد أبو زيد الخ....حاضراً. خلاصة القول: إن الحملة التي تشن على البابا الآن ومن قبله الأزمة التي حدثت مع الدنمارك إبان قضية الرسوم الكاريكاتورية، تنم عن الضعف في المناعة العقلية لدى المسلمين، وأخشى القول الضعف في المناعة الإيمانية.

هيثم المالح وشيخوخة الكبار التي لم تراع
موسى أبو مرزوق: "السلطة الفلسطينية تعني «فتح» و«حماس»"
دبي: أعجوبة أم مشهد عابر؟
سورية المبتدأ والخبر
أُُبي حسن في ((سورية المبتدأ والخبر)).. جرأة الطرح وخلخلة المسلمات
جريدة فينكس الالكترونية: منبر إعلامي سوري جديد مستقل موضوعي وعادل
حفل إطلاق جريدة فينكس الإلكترونية بحلتها الجديدة بحضور رسمي واعلامي
حفل اطلاق جريدة فينكس الالكترونية بحلتها الجديدة
شعارها ”سورية وطن يسكننا” الاحتفال بإطلاق جريدة (فينكس) الألكترونية بحلتها الجديدة
انطلاق (فينكس) بحلته الجديدة..
د. خالد حدادة أمين عام الحزب الشيوعي اللبناني (في حوار قديم معه)
حركة الإصلاح الديني مجدداً ودور المثقف الوطني
صادق جلال العظم: حزب الله انتصر في حربه مع إسرائيل, لكنه نصر غير مظفر
زياد جيوسي: همسات الروح لفينكس في العيد العاشر
كتب إحسان عبيد: فينكس.. فنار بحري.. (بمناسبة دخوله عامه العاشر)