كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

أُُبي حسن في ((سورية المبتدأ والخبر)).. جرأة الطرح وخلخلة المسلمات

مفيد عيسى أحمد

النور- العدد 433- تاريخ 28 نيسان 2010

آراء تخرج عن صراط المألوف يجهر بها (أُبي حسن) في مقالات تخصّ قضايا حساسة وهامة، تعتمد الكشف والتفنيد لتصل درجة الصدمة والاستفزاز.

هل يمكن لمجموعة مقالات أن تشكل كتاباً!؟ في هذا نوع من المغامرة ، لكنها مغامرة مسبوقة نجحت أحياناَ وفي أحيان أخرى لم تقدم شيئاَ.

تختلف الذريعة والدافع لهذه المغامرة بين كاتب وآخر، قد تكون ضرباً من تأكيد الذات عبر استعادة ما كتب، في هذه الحالة تكون الذريعة واهية، أو تأكيداً لموضوع المقالات كونه هاجساَ مستمراً وملحاً للكاتب، يساهم جمعها في إغناء معالجته، لكن ليس كل موضوع أهلاً لذلك، فهناك مواضيع  تندرج في  إطار الآني اليومي، وهناك مواضيع إشكالية ولها صفة الديمومة كالمواضيع الفكرية بتفرعاتها السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وهو ما اشتغلت عليه مقالات هذا الكاتب التي تمحورت حول قضايا تعتمل باستمرار في الواقع وفي التفكير.

ثمة منهج يربط هذه المقالات على اختلاف مواضيعها، يقوم على الجرأة وكسر المألوف، وهي سمة أساسية في كل ما أنجزه الكاتب، تكسبها دينامية وتأثيراً كبيراً ويميزها عن المقالات النمطية التي لا تعدو اجتراراً لمقولات سابقة ولمسلمات راكدة، يغني هذه المقالات بإضفاء خلفية معرفية لمواضيعها، تاريخية أو علمية، فكرية، وذلك حسب موضوع المقالة، وهو ما تتضح ملامحه من المقالة الأولى التي تدور حول التعليم في سورية، وهو موضوع هام اعتدنا معالجته بشكل أكاديمي ومدرسي، بما يخص المناهج والأداء والكفاءات. تناوله الكاتب هنا من زاوية أخرى هي انعكاس المستجدات الاجتماعية على العملية التعليمية، مورداً أمثلة حية بعضها موثق عن العقلية الارتدادية الناكصة إلى سلفية بليدة ومحبطة نفذت إلى العملية التعليمية، وهو أخطر ما يمكن أن تنفذ إليه، إذ يصبح تأثيرها أشبه بمتوالية رياضية.

هذا التقهقر هل هو نتاج تراخي المعنيين، وحاصل ردة أصولية اكتسبت زخمها من الفشل في تأصيل مجتمع مدني حقيقي عماده المؤسسات وإصلاح الفكر الديني؟

تطرق الكاتب إلى هذا الأ مر مستصعباً ذلك ومفرقاً بين الدين المسيحي الذي خضع للإصلاح وبين الإسلامي البعيد عنه إلى الآن رغم المحاولات المتكررة، ورأى أن السبب هو غياب الفقه في الدين المسيحي وطغيانه في الإسلامي.

لكنه أغفل حقيقة أن الدين المسيحي لم يقترن بالسلطة إلا متأخراً، نحو 300م، تلك السلطة كانت سابقة له وليست ناشئة معه، وهو في بداياته بلا تاريخ سياسي، حتى عندما طغت سلطة الإكليروس الكنسي لم تنتف السلطة الزمنية الممثلة بالملوك والأمراء والدوقات، يخالفه الدين الإسلامي كونه دين سلطة منذ بزوغه، فقد ترافق مع تأتسيس دولة، وهذا ما أهل الدين المسيحي أكثر للإصلاح، كونه بدون مرجعية سلطوية مقترنة بمرجعية غيبية.

ذكر الكاتب محاولات سابقة للإصلاح كمحاولة محمد عبده ومحاولات معاصرة كمحاولة محمد شحرور.

تتزكر أهمية الإصلاح الديني في أنه فاتحة وأساس للتطور الفكري والحضاري، فهو انعتاق للعقل من إسار المقولات البادئة وتحرير للعلم من كونه حكراً على حزمة العلوم الدينية، إلى الآن يطلق على من تبحر في علوم الفقه واللغة (عالم.. علّامة) وهذا العالم العلّامة، لا يطاوله أينشتاين ولا نيلز بور أو باستور ولا زويل، إلى أخمص قدمه، وفق العقلية السلفية والتقليدية. لا مجال للإصلاح الديني إلا بفصل الدين عن الدولة والعلم الروحي الديني عن المادي، وبلورة مفاهيم مناسبة لعصرنا ولمجريات الحياة الحالية، جوهر هذه المفاهيم، الحرية، هذا ما بينه الكاتب في سياق مقالة له عن مفهوم الحرية في الثقافة الإسلامية.

لا يقاس التطور بالتمظهر العمراني، فالحضارة ليست بنية مادية فقط، بل هي فعالية فكرية قيمية، ولا يمكننا تحقيقها على قياس التجارب الخليجية، التي حاولت استيرادها بالكونتينر ليعودوا ويصدروا ما فهموه منها على الهواء وعلى الأقمار كافة.

وهو حال دبي، كما رأى الكاتب في مقاله بعنوان (دبي أعجوبة أم مشهد عابر؟) وهي يمكن أن تكون الاثنين، أو لا تكون، أي أن تخلق طابعها الحضاري الخاص في حال نجحت في تمثّل ما تحتك به من تجارب حضارية.

في كل مقالات الكتاب نزعة تفكيكية تهدف إلى بسط مفردات ومكونات القضية التي تتناولها، وضح ذلك في المقالات التي عنيت بالشأن الاجتماعي كما في مقالته (عن المرأة في ذكرى النكبة)، وهو عنوان ذو مغزى، تناولت قضية المرأة منطلقة من دور هام في المجال الوطني يتوجب عليها أن تؤديه، لكنها بحكم عقليتها وعقلية المجتمع تبدو قاصرة عنه، وقد عمد الكاتب إلى مقارنة دورها بدور المرأة اليهودية، التي قامت بدور كبير في المجتمع الصهيوني، فرضه وعي معين، وقد اقتصر في مقارنته على الدور الاجتماعي الصرف بأبعاده السياسية والاقتصادية.

المقالات التي اهتمت بالشأن الثقافي تناولت الدراما في اثنين منها، الأولى بعنوان (الدراما السورية من صناعة الرسالة إلى تكريس البدونة)، بيّن فيها انحراف الدراما السورية عن أهدافها التي عملت عليها سنوات، هذه الأهداف كانت فصلاً من مشروع تنويري ثقافي عام، قبل أن تخضع لأذواق الممولين ورغباتهم، وسوق المحطات الفضائية.

إن التباين الاجتماعي والثقافي بين سورية والدول التي تضخ التمويل، قسر تلك المسلسلات على الانكفاء خلفاً بدل أن تشكّل عامل تنوير لتلك المجتمعات التي تقصر عن المجتمع السوري.

هذا واقعي غير أننا نخالفه فيما يخص مسلسل الزير سالم، فتحطيم الذاكرة الجمعية على نحو متعمّد وكأن فيه شيئاَ من الانتقام أمر في منتهى الخطورة، فالنهاية التي رسمها عدوان للزير اعتمدت كما قال على الكتب التاريخية التراثية، هذاً ما ذكره في إحدى المقالات، لكن تلك الأحداث تحتمل أكثر من رواية ذكرت في تلك الكتب، فلماذا تبنى الرواية السلبية التي حاولت تفويض الذاكرة الشعبية، وما البديل الذي قدمه عدوان؟ ككاتب له ملء الحرية في ذلك كونه لم يكتب عملاً توثيقياً، لكنه اعتمد في أغلب الحلقات على مقولات السيرة التي وافقت الذوق والذاكرة الشعبية، وفي حلقات النهاية حمله مقولات لا تناسب عصره وكانت متناقصة بحدة مع ما قبلها وكأن الزير لم يكن سوى شخصية شكسبيرية؟ أو ربما بريشتية في مواقف منه.

المقالة الثانية تناولت الدراما أيضاَ من باب الحارة إلى المسلسلات التركية، والمفارقة أن المشاهد واحد لهذين النقيضين، هذا أمر واقع فعلاً، وبشكل آخر هذا المشاهد هو نفسه ينتقل بين مراد علمدار و يوزرسيف بحماسة وشغف.

في الشأن الثقافي أيضاً خصّ الشاعر محمد الماغوط بمقالة طريفة وهامة، فالماغوط الذي كان يفاخر في حياته بأنه ليس شاعر جوائز وهي لا تهمه في شيء، نال جائزة العويس، لكنهما أتت في وقت نال اليأس والعزلة ما بقي من أفق غارب في حياته، لم تساهم هذه الجائزة في تغيير هذا الواقع ولم ينض الماغوط عنه عزلته، لا بل كانت تأكيداً على أن الماغوط قد تنصل من الماغوط، ليعاود سيرة ما قبل الإبداع. ألا يقال أن الإنسان يعود كالطفل في شيخوخته!

المقالة التي حمل الكتاب عنوانها (سورية المبتدأ والخبر) تضمنت طرحاً خطيراً، لكنه أصبح واقعياً، و إن كان يعبر عنه على الصعيد الجماهيري بأشكال التبرم، هذا الطرح تناول موضوع الانتماء.

جهرت المقالة بما يوارى من تبدّل في مفهموم الانتماء، بين العروبة والنزعة القطرية، وقد لخص الكاتب ذلك برأي نصه: ( أليست العروبة فكرة إنسانية أدت دورها بما لذلك الدور وما عليه، وقد باتت الأن كفكرة عاجزة عن تقديم شيء، بسبب من نضوب الطاقة الخلّاقة الكامنة فيها).

بصرف النظر عن اتفاقنا مع الكاتب أو عدمه، ثمة أسئلة تطرح نفسها على كل مهتم بتاريخ المنطقة، خلاصة هذه الأسئلة: لماذا يدغم تاريخ سورية (وغيرها) ما قبل الإسلامي في الإسلامي وغير العربي بالعربي؟

وأين عروبة ما قبل الإسلام؟

الكاتب لا يضع القطرية (الوطنية) في مواجهه (القومية )، لكنه يعكس المسلمة المعروفة ليعتبر أن العروبة والإسلام هما جزء من هويته السورية التي تتجذر إلى عشرة آلاف عام، ويتساءل ليؤكد على الخصوصية الثقافية والحياتية المتأتية من موروث لا يمكن دحضه، هذه الخصوصية مع غيرها هي ما يشكل البيئة الثقافية الحضارية للمنطقة بكل تنوعاتها. لكن كيف لنا أن نغفل العراقة الحضارية لسورية، بالتعمية والتجاهل لصالح ثقافة الشفاهة والسطحية المستجدة .

كتاب(سورية المبتدأ والخبر، مقالات في السياسة والمجتمع) صدر عن دار نون4 للنشر والطباعة والتوزيع بحلب، عام 2010 

مؤلفه: أبي حسن. 

هيثم المالح وشيخوخة الكبار التي لم تراع
موسى أبو مرزوق: "السلطة الفلسطينية تعني «فتح» و«حماس»"
دبي: أعجوبة أم مشهد عابر؟
سورية المبتدأ والخبر
أُُبي حسن في ((سورية المبتدأ والخبر)).. جرأة الطرح وخلخلة المسلمات
جريدة فينكس الالكترونية: منبر إعلامي سوري جديد مستقل موضوعي وعادل
حفل إطلاق جريدة فينكس الإلكترونية بحلتها الجديدة بحضور رسمي واعلامي
حفل اطلاق جريدة فينكس الالكترونية بحلتها الجديدة
شعارها ”سورية وطن يسكننا” الاحتفال بإطلاق جريدة (فينكس) الألكترونية بحلتها الجديدة
انطلاق (فينكس) بحلته الجديدة..
د. خالد حدادة أمين عام الحزب الشيوعي اللبناني (في حوار قديم معه)
حركة الإصلاح الديني مجدداً ودور المثقف الوطني
صادق جلال العظم: حزب الله انتصر في حربه مع إسرائيل, لكنه نصر غير مظفر
زياد جيوسي: همسات الروح لفينكس في العيد العاشر
كتب إحسان عبيد: فينكس.. فنار بحري.. (بمناسبة دخوله عامه العاشر)