كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

فولتير رائد عصر التنوير- 2 من2

مروان حبش- فينكس

ركز فولتير في كتاباته على عدة موضوعات رئيسية كانت في صلب فكر التنوير الأوروبي، ومن أبرز هذه الأفكار:
-النقد الديني
كان فولتير ناقدًا شديدًا للكنيسة الكاثوليكية وللدين المؤسسي بشكل عام. رأى أن الدين كان يستخدم كأداة للقمع والاستبداد، وأنه مصدر للخرافة والجهل. في العديد من كتاباته، وخاصة كتابه الشهير "رسالة في التسامح" (1763)، دعا فولتير إلى التسامح الديني، مشددًا على أهمية احترام حرية العقيدة. رغم انتقاداته للدين المؤسسي، لم يكن فولتير ملحدًا؛ بل كان مؤمنًا بوجود خالق، لكنه دعا إلى دين عقلاني يرتكز على الأخلاق الطبيعية وليس على الشعائر والخرافات.
-الدعوة للعقل والتجريبية
تأثر فولتير بالفلسفة التجريبية التي تبناها الفيلسوف الإنجليزي جون لوك. ودعا إلى استخدام العقل والتفكير النقدي كوسائل لفهم العالم وتحسين المجتمع. كان يؤمن بأن العقل هو الأداة الرئيسية لتقدم البشرية، وأنه يجب التخلص من الأفكار التقليدية التي كانت تسيطر على عقول الناس، خاصة تلك التي فرضتها الكنيسة.
-النقد السياسي والدعوة للإصلاح
من خلال نقده اللاذع للملكية المطلقة وللأرستقراطية، دعم فولتير الملكية المستنيرة، أي النظام الذي يعتمد على حكم مستبد لكن عقلاني ومستنير، مثل ما رآه في حكم بعض الملوك الأوروبيين الذين كانوا يتأثرون بأفكار التنوير. ودعا إلى إقامة نظام قانوني عادل، وتقييد سلطات الحكومة، وضمان حقوق الأفراد في حرية التعبير والاعتقاد.
-فلسفة التاريخ والتقدم
رأى فولتير أن التاريخ ليس مجرد سرد للأحداث، بل هو وسيلة لفهم التطور الإنساني. وفي أعماله التاريخية مثل "مقال في تاريخ العادات" (1756)، حاول تفسير الأحداث من منظور عقلاني يبتعد عن التأويلات الدينية، مؤكدًا أن التقدم الإنساني هو نتيجة لاستخدام العقل والعلم.
يُعد فولتير من أعظم مفكري عصر التنوير، حيث ترك إرثًا غنيًا من الأفكار التي ساهمت في تشكيل المجتمعات الأوروبية الحديثة من خلال دعوته إلى العقل والتسامح والنقد الاجتماعي والسياسي، وكان رمزًا للفكر التحرري الذي يسعى إلى بناء عالم أكثر عدالة وإنسانية لا يزال تأثيره ملموسًا حتى اليوم، حيث تستمر أفكاره في إلهام المناقشات حول الحرية، الدين، والعدالة في العصر الحديث.
-أعمال فولتير الأدبية والفكرية
كتب فولتير العديد من الأعمال التي تركت بصمة قوية في الفكر الأوروبي. من بين أشهر أعماله:
1-رواية كانديد، 1759، وتعتبر واحدة من أشهر أعماله، حيث قدم نقدًا ساخرًا للتفاؤل الفلسفي الذي تبناه الفيلسوف الألماني ليبنتز. تدور القصة حول شاب يدعى كانديد يمر بمختلف المصائب والويلات، لكن بالرغم من ذلك يظل يتمسك بالتفاؤل حتى النهاية. من خلال هذه الرواية، نقد فولتير فكرة أن "كل شيء يحدث للأفضل"، معربًا عن قناعته بأن العالم مليء بالشرور التي لا يمكن تجاهلها.
2-رسائل فلسفية، نُشرت هذه الرسائل عام 1734، وهي من بين الأعمال التي جلبت له شهرة واسعة. كتبها بعد رحلته إلى إنجلترا، حيث تأثر بحرية التعبير والتسامح الديني التي وجدها هناك. كانت هذه الرسائل تحوي مقارنة بين النظام السياسي والثقافي الفرنسي والإنجليزي، واحتوت على دعوة للإصلاح في فرنسا.
3-رسالة في التسامح، كُتبت هذه الرسالة في عام 1763 بعد حادثة "إعدام جان كالاس، وهو بروتستانتي اتُهم ظلمًا بقتل ابنه لتحوله إلى الكاثوليكية". دافع فولتير عن كالاس ونشر رسالته التي دعا فيها إلى التسامح الديني والعدالة، معتبرًا أن المجتمع لا يمكن أن يتقدم إلا إذا تم التخلص من التعصب الديني.
العلاقة بين فولتير والامبراطورة كاترين الكبرى
تعد العلاقة بين الفيلسوف الفرنسي فولتير والامبراطورة الروسية كاترين الكبرى (1729-1796) واحدة من أبرز العلاقات الثقافية والسياسية في القرن الثامن عشر. كان فولتير شخصية بارزة في عصر التنوير، حيث عُرف بنقده للكنيسة والنظام الملكي، ودعواته للحرية الفردية وحقوق الإنسان. بينما كانت كاترين الكبرى، التي حكمت روسيا من 1762 حتى 1796، تُعتبر واحدة من أقوى النساء في التاريخ، حيث سعت إلى تحديث روسيا وتعزيز مكانتها كقوة عظمى.
بدأت العلاقة بين فولتير وكاترين عبر المراسلات، حيث تبادلا الأفكار حول الفلسفة والسياسة. كانت كاترين معجبة بفكر فولتير، وأرادت أن تُظهر روسيا كمركز للثقافة والتنوير. في رسائلها، كانت تسأله عن آرائه حول الحكم والإصلاحات، مما يدل على اهتمامها بتطبيق أفكاره في سياستها.
على الرغم من أن فولتير لم يزر روسيا بشكل رسمي، إلا أنه كان لديه تأثير كبير على كاترين من خلال كتاباته. وقد أبدت كاترين رغبتها في دعوته للقدوم إلى روسيا، ولكن فولتير كان لديه مخاوف بشأن المناخ السياسي هناك. ورغم ذلك، استمرت مراسلاتهم لفترة طويلة، حيث كانت كاترين تستفيد من نصائحه في العديد من القضايا.
تجسد العلاقة بين فولتير وكاترين الكبرى نموذجًا للتفاعل الثقافي بين الفلاسفة والحكام. فقد ساهمت أفكار فولتير في تشكيل رؤية كاترين للإصلاح والحكم.
حياة فولتير في فيورني
بعد فترة من الاضطرابات السياسية في فرنسا، انتقل فولتير إلى قرية "فيورني" (Ferney) بالقرب من الحدود الفرنسية السويسرية. أصبحت هذه القرية مركزًا ثقافيًا واجتماعيًا مهمًا، حيث استضاف فولتير العديد من الأدباء والمفكرين والحكام.
تحولت فيورني إلى ملاذ للعديد من الشخصيات البارزة، بما في ذلك الفلاسفة والأدباء مثل روسو وديدرو. كان فولتير يستضيفهم في منزله، حيث كانت النقاشات تدور حول مواضيع متنوعة تتعلق بالفلسفة والسياسة والأدب. كانت هذه اللقاءات تمثل نقطة التقاء للأفكار الجديدة والمبتكرة، مما ساعد على تعزيز روح التنوير.
في فيورني التي قضى فيها السنوات العشرين الأخيرة من حياته، عمل فولتير على نشر أفكاره من خلال كتاباته ومراسلاته، كما قام بتأسيس مدرسة صغيرة لتعليم الأطفال. كان يسعى دائمًا إلى تعزيز قيم العقل والحرية، مما جعله شخصية محورية في حركة التنوير.
أصبحت فيورني مركزًا للتفكير النقدي والنقاش الفكري. تظل هذه العلاقة مثالًا على كيف يمكن للفكر والفلسفة أن يؤثرا في السياسات والحكومات، ويشكلوا تاريخ الأمم.
توفي فولتير في باريس في 30 أيار عام 1778، ونظراً لآرائه الفلسفية المناهضة للكنيسة الكاثوليكية، رفضت الكنيسة دفنه وفق الطقس الدينية في باريس، ومع ذلك، تم دفنه بشكل سريع في دير في مدينة سلس- لو- بن القريبة من جنيف، حيث كان قريباً من سويسرا التي كان قد عاش فيها لبعض الوقت خلال فترة منفاه.
فيما بعد، وبعد الثورة الفرنسية وتقديراً لإسهاماته الفكرية والفلسفية، تم تكريمه بشكل أكبر، في 11 تموز 1791، تم نقل رفاته إلى البانثيون "مقبرة العظماء" في باريس، لتخليد ذكراه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــتـــــــ
"1" ألـ أبيه " : abbe لقب كان يُخلع على أي كنسي علماني، سواء كان قسيساً مرسوماً أو لم يكن. وقد أصبح كثير منهم رجال دنيا لا دين لمعوا في المجتمع رغم تمسكهم برداء الكهنوت. والملحمة الموسوية: كان تداولها سرياً، وملخصها، أن الدين، إذا استثنينا الإيمان بكائن أعظم، ليس إلا ذريعة لإخضاع المحكومين وإرهابهم. وكان فولتير قد تعلم شكوكيته في فرنسا/ وبعضها أخذه عن بولنبروك المبعد عن وطنه انكلترة. ويقول فولتير: (في فرنسا ينظر الناس إليَّ على أنني مقلٌّ في الدين، وفي إنكلترة على أنني مسرف فيه).
"2" الربوبية: الدين الذي يرفض كل لاهوت فيما عدا الإيمان بكائن أعطم.
"3" سان – سيمون: 1750- 1825 هو الكونت هنري دو سان سيمون، فيلسوف واقتصادي فرنسي
"4"- الوصي: هو فيليب دوق أورليان الذي أصبح وصياً على الملك لويس الخامس عشر الذي كان عمره خمس سنوات، حين وفاة جده الملك لويس الرابع عشر. ومن الشائعات عنه أنه كان يغشى المحارم مع بناته
"5" لقد كان الكاتب الحقيقي لهذا الشعر يدعى "أ. ل. لبرون"، والتمس بعد ذلك الصفح من فولتير لأنه تركه يتحمل تبعة كتابتها.
"6" الهنريادة: كتبت في الملك الإنجليزي هنري الرابع، معارضة لإلياذة هوميروس، وإنياذة فرجيل، بأسلوب نثري جيد، ولكنها افتقدت لأخيلة الشعر المثيرة.
كان هنري الرابع إنساناً مرحاً، جسوراً، بطلاً، فاسقاً، متسامحاً، كريماً، واتخذت الملحمة مذبحة القديس بارتيلميو "24 آب 1572 " نضالها، وتتبعت الجراثيم الدينية خلال العصور (الأمهات يقدمن أبناءهن محرقات على مذابح الإله ملخ، آغا ممنون يتهيأ لتقديم أبنائه قرباناً للآلهة التماساً لقليل من الريح، المسيحيون يضطهدهم الرومان، المهرطقون يضطهدهم المسيحيون، المتعصبون "يدعون الرب وهم يذبحون إخوتهم"، والأتقياء يوحى إليهم بقتل الملوك الفرنسيين. وأشادت الملحمة باليزابيث لتقديمها المعونة لهنري نافار 1553- 1610 هو "هنري الرابع ملك فرنسا 1589- 1610"، وامتدحت دخوله بالكاثوليكية، وانتقدت البابوية لأنها قوة لا ترحم المغلوبين.
- لم يتبين {فولتير} في العهد القديم شيئا سوى سجل للقتل، والفسق، والاغتيال بالجملة. وراى في سفر الأمثال (مجموعة من الحكم التافهة،
القذرة، المهلهلة، المجردة من الذوق، أو الاختيار، أو العظام. أما نشيد الإنشاد فهو في نظره (قصيدة حماسية سخيفة). أما الصدقيون من اليهود، فهم ينكرون وجود الملائكة، ولم يعانوا من أي اضطهاد بسبب هرطقتهم.
-الإنيادة : ملحة شعرية كتبها فيرجيل في القرن الأول قبل الميلاد باللغة اللاتينية، وهي تصف الحياة الأسطورية لـ "إيناس" الطروادي الذي سافر إلى أراضي إيطاليا وأصبح أباً لكل الروملن.
-كتب "سويفت"الكاتب الإسكتاندي من القرن 18 (كل حكم بغير رضى المحكومين ما هو إلا العبودية بعينها).
رابط الجزء الأول من الدراسة:
https://feneks.net/study/social/77491-1-4