فولتير "فرانسوا- ماري أرويه".. رائد عصر التنوير 1من2
2024.10.30
مروان حبش- فينكس
ولد فولتير في باريس في 24 تشرين الثاني من عام 1694 لعائلة ميسورة، من أب يمارس المحاماة بنجاح، وأم حيوية وموهوبة، واستوعب الابن موهبتي والديه فيما ورثه. وكان معتلاً في عامه الأول، حتى أن أحداً لم يصدق أنْ ستُكتب له الحياة.
كان أول معلم له abbe الـ "أبيه دي شاتو نوف" الذي أشرب تلميذه الوثنية والارتيابية، وقدم له الملحمة الموسوية"1". وعلى الرغم من تعليمه الديني، سرعان ما تطور لديه موقف نقدي تجاه الكنيسة والدين التقليدي متأثراً برأي معلمه، بأن (الدين، إذا استثنينا الإيمان بكائن أعظم، ليس إلا ذريعة يتذرع بها الحكام لإخضاع المحكومين وإرهابهم).
أُلحق فولتير وهو في العاشرة من عمره طالباً مقيماً بكلية لوي- لجران اليسوعية، التي كانت أفضل مدرسة في فرنسا، وقضى فيها سبع سنوات. وكان متقدماً في دراسته، وظفر بجوائز كثيرة، وأبهج معلميه وأفزعهم. فلقد أعرب عن عدم إيمانه بالجحيم، وسمَّى السماء "عنبر نوم الدنيا الكبير"، وتنبأ أحد معلميه بحزن بأن هذا المفكر الصغير سيحمل لواء الربوبية"2" الفرنسية.
بعد أن تخرج "فرنسوا - فولتير" أراد أن يجعل الأدب مهنته، ولكن أباه أصرَّ على أن يدرس القانون، محذراً إياه من احتراف الأدب الذي هو كلمة المرور السحرية إلى الفقر والعوز. وقضى سنوات ثلاث في دراسة قوانين تيودسيوس وجوستنيان سبيلاً لمعرفة مهنة المحاماة الباريسية، وقد كره "كثرة الأشياء عديمة الجدوى التي أرادوا أن يشحنوا بها ذهني، إن شعاري هو: التركيز على صميم الموضوع". وسعى لصحبة جماعة من الأبيقوريين.
عُيِّن فولتير عام 1713، ملحقاً للسفير الفرنسي بـ "لاهاي"، ولكن السفير أبلغ الأب بأن: "فرنسوا لم يُخلق للدبلوماسية". وصفح عنه أبوه- الذي كان قد استدعاه للعودة إلى الوطن، وحرمه من الميراث وهدد بنفيه إلى جزر الهند الغربية- بعد أن وافق على أن يدخل مكتب محام ويقيم معه.
كان فولتير الذي فاضت طاقته من خلال قلمه، مرهف الشعور، ومعروفًا بإتقانه للكتابة في مختلف الأجناس الأدبية، بما في ذلك الشعر والمسرح والرواية والمقال. استخدم هذه الأشكال للتعبير عن أفكاره الفلسفية والسياسية بأسلوب ساخر وذكي، مما جعله شخصية مؤثرة وشهيرة في عصره، وأصبح خلاصة باريس المصفاة حتى عام 1778.
قضى فولتير جزءًا من شبابه في السجن والمنفى بسبب انتقاداته للسلطة الحاكمة، لكنه استفاد من هذه التجارب في تشكيل رؤيته الفلسفية.
أفكار فولتير الفلسفية
من المعروف أن فولتير هو من أبرز مفكري حركة عصر التنوير التي ترمي إلى تحرير العقل الإنساني من الخرافة واستعمال العقل من أجل الإصلاح السياسي والاجتماعي وكان اهم ما حمله إلى الفكر السياسي في زمانه هو تعبيره عن التسامح وحقوق الإنسان، وكان أكثر الكتاب قراءة في عصره، وقبل وفاته بقليل تُوِّجَ امبراطوراً على امبراطورية الآداب من جانب المعجبين به في أوبرا باريس.
لم يكن فولتير مؤمناً بالمساواة وبراها بأنها الأكثر بداهة وبذات الوقت الأكثر وهماً. وفلسفته الاجتماعية هي فلسفة ملاّك بورجوازي، ولقد عرَفت البرجوازبة الأوربية نفسها في (الملك فولتير).
ويقول فيلسوف وسياسي فرنسي من القرن التاسع عشر: إن الملك الحقيقي للقرن الثامن عشر هو فولتير، كما يقول الفيلسوف والمؤرخ الأدبي الدانماركي جورج براندس 1842- 1927: إن فولتير خلاصة قرن من الزمان.
في مذكرات الكونت سان- سيمون"3" فقرة مميزة تصف شاباً محدثاً أثار ضجيجاً في فترة الوصاية اسمه فرانسوا ماري آروويه، وعُرف فيما بعد باسم "فولتير" ومنهم من ردَّ هذا الاسم إلى تلاعب في حروف اسمه، وآخرون إلى أنه ورث عن عمه مزرعة اسمها "فولتير" وأضاف هو إلى الاسم لقب "دو".
كان "فولتبر" ينظم أبياتاً من الشعر، فيها هجوٌ شديد ووقاحة بالغة، ويقول سان- سيمون: (ماكنت لألهو بتدوين هذا الحدث التافه لولا أن "آروويه" هذا، الذي أصبح شاعراً وأكاديمياً كبيراً باسم "فولتير"، وأصبح كذلك شخصية في دولة الأدب، لا بل بلغ شيئاً من الأهمية بين بعض الناس، كان شعره متألقاً، وذكاؤه حاضراً، بتشرب الهرطقة وينشرها).
هجا "فولتير" الوصيَّ على عرش فرنسا، "فيليب دوق أورليان"4" الذي كان قد اختزل إلى النصف خيول المرابط الملكية، فعلق "فولتير" على هذا: (بأنه كان خيراً للوصي أن يطرد نصف الحمير الذين يزحمون بلاط سموه)، كما أنه نشر أبياتاً من الشعر عن أخلاق ابنة الوصي (أنكر أنه كاتبها حتى أواخر أيام حياته، ولكنها نشرت في أعماله الكاملة)، ولم يغفر الوصي الهجائيات الموجهة إلى ابنته، وعليه ففي 5 أيار 1716 أصدر أمراً بنفيه إلى مدينة (تل) الواقعة على بعد 300 ميلاً جنوب غربي باريس، وتوسط له والده عند الوصي الذي وافق على تغيير المنفى إلى مدينة (صلى- سير- لوار) على بعد مائة ميلاً من العاصمة، واستضافه "الدوق صلى" في بيته، وقد استمتع " فولتير" بكل شيء إلاَّ الحرية، وبعد ما يقارب العام، وجه شعراً برسالة للوصي يؤكد فيه براءته، ويلتمسه العفو عنه ليعود إلى باريس، واستجاب الوصي لذلك.
استمر "فولتير" الذي اعترف به الناس بأنه أعظم شاعر حي في فرنسا، بنظم الشعر (في بذاءة أحياناً وفي سطحية في كثير من الأحيان وفي ذكاء دائماً)، حتى أصبح يُنسب إليه كل هجو لاذع يتم تداوله في المقاهي والأماكن العامة، دون معرفة كافية بناظمه، وفي مطلع عام 1717 انتشر هجاءٌ لاذعٌ جداً، بدأت كل جملة فيه بكلمة "رأيت": (رأيت الباستيل وألف سجن آخر مملوءاً بمواطنين شجعان ورعايا أوفياء. رأيت الناس يرسفون في عبودية قاسية. رأيت الجند يهلكون جوعاً وعطشاً وسخطاً. رأيت شيطاناً في زي أمير يحكم المملكة. رأيت "دير بورت - رويال" وقد هُدِم. رأيت يسوعياً يُعبد. ورأيت كل هذه الشرور وأنا لم أجاوز العشرين بعد). وكانت هذه الأبيات تهجو "الملك لويس الرابع عشر وزوجته مدام دمانتنون".
امتدحت الألسن "فولتير" على هذه القصيدة، ولم يصدق أحد إنكاره تأليفها (إلا مؤلفها الحقيقي)"5"، واتهمته الشائعات التي نُقلت إلى الوصي بكتابة (صبيُ "لويس 15" يملك، ورجل مشهور يقوم بتسميم الخصوم، وغشيان المحارم، يحكم، وثقة الشعب تنتهك، والبلاد يُضحَّى بها طمعاً في تاج، وفرنسا على شفا الدمار). وفي 16 أيار 1717 صدر أمر ملكي مختوم بأن يقبض على السيد "فولتير" ويودع الباستيل، وفوجئ الشاعر في مسكنه، ولم يُسمح له بأن يأخذ غير الثياب التي يرتديها، وكتب في فترة سجنه ملحمة (الهنريادة)"4"، ودوَّن نصفها الأول بين سطور الكتب المطبوعة التي سُمِح له بإدخالها.
أفرج عنه في 11 أيلول 1718 ونفي إلى شانتييه شمالي فرنسا، ومنها كتب إلى الوصي رسائل يلتمس فيها الصفح، ولانت قناة الوصي ثانية، وأصدر في 12 تشرين الأول إذناً للسيد "آرويه دي فولتير" بالقدوم إلى باريس وقت يشاء.
على إثر مطالبة فولتير المبارزة مع خصمٍ له، وكان القانون يعدها جريمة كبرى، وجد نفسه نزيل الباستيل ثانية، وكتب للسلطات يدافع عن مسلكه، وعرض أن يُنْفي نفسَه إلى إنجلترة مختاراً إذا أُفرج عنه، وقُبل اقتراحه، ووافقت السلطات بعد خمسة عشر يوماً من اعتقاله، على اقتراحه، وفي نيسان 1726 غادر باريس إلى مدينة كاليه، وفي 10 أيار ركب البحر منها إلى إنجلترة مسلحاً بالكتب لدراسة اللغة الإنكليزية، وراغباً في رؤية البلد الذي سمع أن الناس والعقول فيه أحرار.
قبل التعمق في أفكار فولتير، من الضروري فهم السياق الذي نشأت فيه حركة التنوير. إذْ كانت أوروبا في القرنين السابع عشر والثامن عشر تعاني من أنظمة حكم استبدادية تسيطر فيها الكنيسة والدولة بشكل كامل على حياة الأفراد. انتشر الجهل والخرافة في المجتمع، وكانت السلطة الدينية تُستخدم لتبرير استغلال الطبقات الدنيا. كانت هذه العوامل تهيئ الأرضية لظهور حركة التنوير التي دعت إلى العقلانية والحرية الفردية وتحرير الإنسان من القيود التي فرضتها الكنيسة والدولة.
-تأثير فولتير على فكر التنوير الأوروبي
يُعدُّ فولتير من أعظم مفكري عصر التنوير، حيث ترك إرثًا غنيًا من الأفكار التي ساهمت في تشكيل المجتمعات الأوروبية الحديثة، من خلال دعوته إلى العقل والتسامح والنقد الاجتماعي والسياسي، كان فولتير رمزًا للفكر التحرري الذي يسعى إلى بناء عالم أكثر عدالة وإنسانية لا يزال تأثيره ملموسًا حتى اليوم، حيث تستمر أفكاره في إلهام المناقشات حول الحرية، الدين، والعدالة في العصر الحديث.
هو واحد من أبرز الفلاسفة والمفكرين الذين ساهموا في تشكيل حركة التنوير الأوروبية، وقد اشتهر بأعماله الأدبية والفكرية التي حاربت الاستبداد والظلم، وساهمت في نشر قيم الحرية والعقل والتسامح، وكان ناقدًا شديدًا للسلطة السياسية والدينية، وداعيًا إلى الإصلاح الاجتماعي والعقلاني.
كان لفولتير تأثير هائل على حركة التنوير التي شكلت معالم الفكر الأوروبي في القرن الثامن عشر. من خلال أعماله الأدبية والفكرية، ساهم في نشر قيم العقل والتسامح والحرية. تأثر العديد من المفكرين والفلاسفة في أوروبا بفكر فولتير، كما أن أفكاره ألهمت الحركات الإصلاحية والثورية في فرنسا وأوروبا.
التأثير على الحركات الليبرالية
كما ألهمت أفكار فولتير الحركات الليبرالية في أوروبا وأمريكا، حيث ساهمت في تشكيل أفكار حول حقوق الإنسان والديمقراطية وحرية الصحافة. كانت دعوته إلى التسامح وحرية التعبير حجر الزاوية في بناء المجتمعات الحديثة التي تقدر الحرية الفردية.
-التأثير على الثورة الفرنسية
رغم أن فولتير توفي قبل اندلاع الثورة الفرنسية (1789)، إلا أن أفكاره لعبت دورًا كبيرًا في التحضير لها. كانت دعواته إلى الحرية والعدالة والمساواة مصدر إلهام للثوار الذين سعوا إلى إسقاط النظام الملكي وإنهاء التمييز الديني والاجتماعي.
يتبع