كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

العبودية في العالم العربي

عبد الله حنا- فينكس:

  شهد تاريخ العصور القديمة والوسطى قيام مجتمعات الرق، وبالتالي دول مالكي الرقيق، لدى معظم الشعوب وفي ظلّ معظم الديانات وفي مقدمتها الديانات السماوية الثلاث: اليهودية، المسيحية والإسلام. ومعروف أن نظام الرق بدأ ينهار في أوروبا ليحلّ محلّه النظام الإقطاعي. والكنيسة التي ماشت نظام الرق أولا وقفت إلى جانب النظام الإقطاعي ودَعت الفلاحين إلى الخضوع لأسيادهم النبلاء. وعندما بدأت طلائع الرأسمالية الأوربية بالظهور وقفت الكنيسة الكاثولكية ضدها ثمّ اضطرت إلى مجاراة الرأسمالية بعد أن أصبح نصرها محتما. وقاومت الكنيسة بضراوة الاشتراكية , ولو انتصرت الاشتراكية فماذا سيكون موقفها؟..
أما في عالمنا العربي فقد استمر مجتمع الرق أو بالأصح بقاياه متعايشة مع الأنظمة الأخرى حتى القرن التاسع عشر، واستمرت بقايا العبوودية في بعض الأماكن المنعزلة ومنها بوادي بلاد الشام وشبه الجزيرة العربية حتى منتصف القرن العشرين.
وتذكر كتب التاريخ أنه كان في بغداد شارع يدعى "دار الرقيق"، كما كان يشرف على تجّار الرقيق تاجر الرقيق ويعرف باسم "النخّاس" وتجارته بالنخاسة . والنساء من الرقيق تعرف بالسراري. وكان كثير من النخّاسين يشترون السراري ويعلموهنّ الضرب على العود أو الرقص والغناء مع الشعر والأدب ليغلى ثمنهم ويبيعونهنّ بأثمان مرتفعة إلى الخلفاء والأمراء والأغنياء. وقد ملأت أخبار الجواري كتب الأدب العربي.
والمماليك، الذين حكموا مصر والشام هم أيضا من الرقيق الذين خدموا الحكام الأيوبيين جنودا وحراسا ثمّ اعتلوا منصة الحكم . وكذلك جنود الإنكشارية في الدولة العثمانية هم في الأصل أطفال أبرياء صادرتهم الدولة العثمانية من البلقان وأنشأتهم تنشئة عسكرية وأمسوا الحكام الحقيقيين حتى نهاية الثلث الأخير من القرن التاسع عشر.
وتغص دعاوى المحاكم الشرعية في دمشق وحلب بأخبار العبيد، مما يدل على رسوخ قدم الرق المنزلي في القرنين السابع عشر والثامن عشر في حواضر البلاد العربية.
وشيوخ العشائر في بوادي الشام وشبه الجزيرة العربية ملكوا العبيد حتى صدور قوانين الإصلاح الزراعي في كل من العراق وسورية في منتصف القرن العشرين. ومعروف أن تحرر العبيد بأعدادهم الكبيرة جرى في السعودية عام 1964 حيث قامت الدولة بشرائهم من أسيادهم وإعتاقهم.
***
وتجارة العبيد هي شكل من أشكال التجارة بالإنسان، الذي اعتبر كبضاعة معدة للبيع والاستعمال مثل غيرها من البضائع. ولكن انهيار نظام الرق عالميا أو بالأصح أوروبيا، لم يؤد إلى زوال العبودية وتجارة العبيد. وكانت أفريقيا – عمليا قلب أفريقيا – ضحية الغزوات اللصوصية لصيد البشر وتحويلهم إلى عبيد بين القرنين الرابع عشر والتاسع عشر. وكانت تجارة العبيد وسيلة من وسائل تراكم رأس المال في عصر تكوّن الرأسمالية.
القسم الأكبر من الصيد البشري كان يرسل من موانئ خاصة في غرب أفريقيا إلى أمريكا الشمالية والوسطى والجنوبية للعمل في حقولها الواسعة عبيدا لدى الأسياد البيض. وأصبح الرق في عصر الاستكشاف الجغرافي والاستعمار السياسي والاقتصادي مصدرا من مصادر الثروة لبعض الشركات والمغامرين. فكان الزنوج يخطفون، كما أشرنا، من سواحل أفريقيا وينقلون إلى أمريكا ويباعون كما تباع السوائم.
***
مع انتشار الرأسمالية بدأت عملية الحدّ من هذا النوع من العبودية، الذي لم يعد ضروريا بعد تطور الآلات الصناعية، التي حلّت محل عضلات الإنسان. وانعكس ذلك في سلسلة من المعاهدات التي وقعتها الدول الأوربية المسيطرة وأهمها بيان مؤتمر فينا في 8 - 2 -1815، وأخيرا اتفاقية جنيف في يعام 1926. والواقع أن المستعمرين حرّموا رق الأفراد واستعبادهم وأباحوا رق الأمم واستعمارها.. ألم يكن سكان المستعمرات في آسيا وأفريقيا، إلا عبارة عن رقيق بالجملة يتصرف بهم المستعمر كيف شاء ويستثمرهم بل يتصرف بخيرات بلادهم وما في داخلها من كنوز؟...
***
ظهرت اعتبارا من القرن السادس عشر تجارة الرقيق في الموانئ الغربية للبحر الأحمر (السودان أرتيريا. ومصدر هذه التجارة كان جنوب السودان وجنوب تشاد . وقد استمرت تجارة الرقيق هذه بصورة شبه سرية عبر هذه الموانئ حتى مستهل القرن العشرين... ومن هنا كان مصدر العبيد الذين اشتراهم شيوخ العشائر في بوادي الشام.
ويلاحظ أن كلمة العبيد أطلقها بدو شبه الجزيرة وبلاد الشام حصرا على السود، الذين عادوا بأصولهم إلى أفريقيا السوداء وتزاوجوا من بعضهم في ظل عبوديتهم. ولا تزال توجد منهم في شبه الجزيرة قرى بأكملها تعيش منعزلة عن البيض، على الرغم من اعتاقهم عام 1964. ومعلوم أن الأرستقراطية البدوية استخدمت هؤلاء العبيد، الذين اشترط فيهم اللون الأسود، في الأعمال المنزلية والرعوية والحراسة. ومن ثمّ تحوّل قسم منهم إلى أداة في يد الأرستقراطية البدوية لإرهاب أفراد القبيلة والفلاحين على حدّ سواء.
الحلقة القادم: العبودية في عصر البترودولار العربي