كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

قريتا شين وجبلايا في جبل الحلو وصراعهما ضدّ الاقطاعيّة العثملّية

د. عبد الله حنا- فينكس

  أولا
يوسف الحكيم أحد مصادرنا عن الحركة الفلاحية
يوسف الحكيم اللاذقاني المولد والليبرالي الثقافة، كان قاضيا للتحقيق في طرابلس قبل الحرب العالمية الأولى. وشارك في أعقاب الحرب، في الحكومة العربية الأولى (الفيصلية) (1918-1920) وفي عام 1980 نشر ليوسف الحكيم كتاب "سورية والعهد العثماني" تطرق فيه إلى الصدام، الذي جرى قبل الحرب العالمية الأولى بين فلاحي شين واقطاعيي تلكلخ. حول أسباب الخلاف، كتب يوسف الحكيم:
"ولما ضاق أهل القرية ذرعا من جور سادتهم ومن جباة ضرائب الحكومة، الذين يفدون إلى القرية مستصحبين نفرا من الدرك، خرجوا عن صبرهم وكثرة الضغط تولد الانفجار واصطدموا في يوم من أيام الشتاء القاسية (1912) مع الدركيين والزعماء، فسقط في المعركة عدة قتلى وجرحى من الفريقين".
وقبل أن ندخل في تفاصيل الصراع بين الاقطاعية والفلاحين، ننقل ما كتبه الحكيم، فهو يلقي بعض الصور على الأجواء السائدة آنذاك.
كتب الحكيم:
"سافر في اليوم التالي لوقوع الصداع في شين، والي بيروت حازم بك، بالقطار الحديدي إلى رياق ومنها بالقطار العريض إلى حمص فمحطة "قزلاخر" القريبة من قرية شين. وبلغني برقيا أن أسرع إليه للتحقيق فيه هذه القضية الهامة وأعلمني انه أبرق إلى وزارة العدل لموافقتها على تدبيره. فأسرعت إليه بالقطار المسافر من طرابلس، فنشطني على العمل وأولاني كامل ثقته، ثم عاد كما أتى إلى مقره في بيروت. وذهبت بدوري إلى قرية شين، يرافقني المساعد النشيط محمود أفندي نشابه وضابط دركي لا علاقة له بالجرم، وشاهدنا آثار التخريب الذي حل بالقرية، وعلمنا أن سكانها قد هجروها على أثره، وسيق معظم شبانها إلى السجن في تلكلخ، مركز القضاء.
عدنا بعد ضبط مشاهداتنا إلى تلكلخ، لإكمال التحقيق مع الأظناء الذين أودعوا السجن ولما صعدنا إلى دار الحكومة، وجدنا أنفسنا أمام شبه بحيرة ملأت ساحة الدار، من كثرة هطول الأمطار الليلة الفائتة بكاملها، وشاهدنا غرف الدوائر يستولي عليها الدلف من سقوفها، بينما كان الموظفون ينتظرون انفراج الجو لتساعد أشعة الشمس العمال القائمين بدحالة السطوح. وكان مأمور النفوس (ضابط الأحوال المدنية) ينشر سجلاته، فسألته: "أين تذهب هذه المياه التي ملأت ساحة الدار؟".
فأجابني كغيره قائلا: "انها تذهب دلفا إلى السجن الكائن تحتها في الطابق الأرضي". ولما نزلنا ودخلنا الطابق الأسفل المتخذ سجنا، شعرت بأن شعر رأسي قد وقف من هول ما نظرت: سجناء، محكوم على بعضهم بعقوبة السجن البسيط وبعضهم موقوف بانتظار نتيجة التحقيق والبعض الآخر قيد نظارة الضابطة، ريثما ينظر في أمر توقيفهم أو إطلاق سراحهم، وجدت جميع هؤلاء في أرض السجن، العارية من كل أثاث سوى المياه المتراكمة من استمرار الدلف عليهم وهم يرتجفون من شدة البرد.
أسرعت على الأثر إلى قائم المقام وسألته عن هذه المعاملة القاسية التي يرزح السجناء تحت نيرها، وقد فاقت بفظاعتها همجية القرون الأولى، فأجابني بهدوء خال من كل حرارة واهتمام قائلا: "ان الحكومة تقوم ببناء دار جديدة تنتهي بعد ستة أشهر وسيهيأ تحتها سجن جديد تتوفر فيه التدابير الصحية". ولم تكن هذه التدابير في نظره الثاقب سوى التخلص من الدلف.
بعد هذه المشاهدات المريعة، لم أشعر براحة ضمير إلا حين أمرت قائد الدرك بنقل جميع السجناء إلى سجن طرابلس ريثما ينتهي التحقيق معهم، وشاهدت بعيني تنفيذ هذا الأمر، بعد أن أطلقت سراح الكثيرين الذين لم يدنهم التحقيق، ورفعت تقريرا بواقع الحال لدولة والي الولاية الحازم. فأصدر أمره بأن يقبل في سجن طرابلس كل موقوف ومحكوم من قضاء تلكلخ، إلى أن ينتهي فصل الشتاء أو يتم بناء سجن جديد في مركز القضاء.
أما التحقيق في أساس جريمة القتال في قرية شين، فقد أخذ مجراه القانوني.
لفهم ما رواه يوسف الحكيم حول أحداث شين عام /1912/ لا بد من الرجوع إلى تاريخ الصراع على ملكية الأرض مصدر الثروة الرئيسي في ذلك الحين. وربط ذلك الصراع بالأوضاع السياسية القائمة في الدولة العثمانية في الفترة الواقعة بين سقوط السلطان عبد الحميد عام /1909/ واندلاع الحرب العالمية الأولى /1914/ وقد امتزج الصراع على ملكية الأرض بين فلاحي شين الأحرار من الاقطاعية والمعادين للاحتلال العثماني واقطاعيي تلكلخ الدنادشة السائرين مع السلطة العثمانية والساعين لابتلاع أراضي شين، كما ابتلعوا عشرات القرى بين سهل عكار ووعرة حمص. تشابك هذا الصراع مع الكفاح القومي للتحرر من نير الحكم العثماني الاقطاعي. حيث وقفت وجها لوجه جبهتان متصارعتان هما:
- جبهة القوى الظلامية المؤلفة من السلطات العثمانية والأغوات العثملية، أي القوى الاقطاعية الظالمة الموالية للعثمانيين.
- جبهة القوى القومية العربية المؤلفة من متنوري المدن ووطنييها وحاملي لواء التطور البورجوازي فيها، ومن الفلاحين ذوي الباع الطويل في مقاومة السلطات العثمانية وبخاصة فلاحي الجبال، الذين دخلوا، كما ذكرنا، في معارك متتالية ضد الاحتلال العثماني.
ومن أجل إلقاء الضوء على هذه الأطروحة، التي يعتبرها دهاقنة التاريخ الاستبدادي الثيوقراطي ضربا من ضروب الخيال، قمنا في 16/10/1984 بزيارة قرية شين حيث ساعدنا عضو المكتب التنفيذي لاتحاد الفلاحين في حمص "محي الدين عيسى" للوصول إلى الأشخاص التالية أسماؤهم والاستماع إلى ما سمعوه من آبائهم وأجدادهم حول تاريخ الصراع الأنف الذكر.
الأشخاص، الذين استقينا المعلومات منهم هم:
- عبد الكريم سعد الدين من مواليد /1912/ ومن قرية جبلايا القريبة من شين والتي لعبت دورا هاما في الوقوف أمام الزحف الاقطاعي "العثملي" واشتهر آل سعد الدين فيها بأنهم "قطاع طرق"... وهذا ما سنعالجه بعد قليل.
- هاشم بن محمد سعد الدين من جبلايا مواليد /1939/.
- عيسى بن سليمان بن غانم ابراهيم قاسم من مواليد /1929/ في شين. ويحتفظ في خزانته بعدد هام من الوثائق والمستندات التي تعود إلى العهدين العثماني والفرنسي، المتعلقة بملكية الأرض والعلاقات الاقتصادية بين جبل الحلو وطرابلس. وقد أفادتنا هذه المستندات في توثيق المعلومات المتناقلة عن طريق الذاكرة. يضاف إلى ذلك أن أبا محمد (عيسى بن سليمان بن غانم) يكتنز في ذاكرته معلومات قيمة ولديه قدرة على التحليل والشرح وسرد الأحداث بصورة منطقية. وكان بالنسبة لدراستنا مصدرا هاما وموثوقا.
- محمود الشمالي من مواليد /1934/ وهو مدرس مادة التاريخ في ثانوية شين ومن المولعين بتسقط أخبار القدامى...
*****
ثانيا
فلاحو جبلايا المتهمون ب "قطاع الطرق"
مع صدور قانون الأراضي عام /1858/ وظله قانون الطابو /1861/ شرع أغوات الدنادشة في تلكلخ في الاستيلاء على الأراضي وتسجيلها بأسمائهم، شأنهم شأن جميع المتنفذين "وأرباب الوجاهة"، الذين تمكنوا بمساعدة الحكم العثماني وبمالهم من عصبية من تسجيل أكثر من خمسين قرية بأسمائهم امتدت من شرقي سهل عكار حتى سهل حمص، مرورا بقرى الوعر.
ظهر أغوات الدنادشة في منطقة تلكلخ في أواخر القرن الثامن عشر عندما استعانت بهم الدولة العثمانية لحماية طريق طرابلس – حمص مثلما استعانت بأغوات آل سويدان لحماية طريق حمص دمشق.
جاء في الجزء الأول من كتاب "ولاية بيروت" الصادر /1336/ هـ حوالي /1916/ الصفحة /278/ أن أغوات الدنادشة كانوا "يغصبون أموال القرويين وأملاكهم ويشددون الظلم عليهم ويضربونهم ويهينونهم ويسخرونهم بأشغالهم قسرا وبلا رحمة. وتميزت منازلهم بالفخامة والأثاث الثمين. وكانت نفقاتهم مثل اقطاعيي قضاء عكار كثيرة. لهذا فإنهم أرهقوا الفلاحين بالأتاوات وأمعنوا في استثمارهم..
هذا ما جاء في كتاب "ولاية بيروت" لمؤلفيه رفيق بك محمد وبهجت بك محمد، اللذين زارا مناطق الساحل السوري في عام /1912/ وكتبا مشاهداتهما، التي لم تكن تطبل وتزمر للإقطاعيين شأن غيرهم من المتسكعين على موائد "الأثرياء".
ما جاء في كتاب "ولاية بيروت" حول استثمار اقطاعيي تلكلخ لفلاحي القرى هو مفتاح فهم الصراع الناشب بين فلاحي شين المالكين لأراضيهم والمكافحين للدفاع عنها والبقاء بعيدا عن جحيم الاستبداد الاقطاعي العثملي، واقطاعيي تلكلخ الراغبين في توسيع ملكيتهم باتجاه الشمال والاستيلاء على شين كرأس جسر للوصول إلى قرى جبل الحلو. ومن الطبيعي أن تقف السلطات العثمانية في مركز القضاء تلكلخ إلى جانب الاقطاعيين وتجرد الحملات ضدهم باسم "الأمن" وحفظ الملكية المقدسة "ومقاومة قطاع الطرق"، الذين تمركزوا بالقرب من شين في القرية الجبلية المنيعة جبلايا. وقبل الحديث عن شين لا بد من الكلام عن جبلايا رأس الحرية الموجهة ضد الاقطاع العثملي.
تقع جبلايا على تلة مرتفعة في الجبهة الجنوبية لجبل الحلو يحيط بها واديان عميقان يمكنان أهل القرية من الدفاع عن أنفسهم ضد الغزوات الخارجية وأسلحة ذلك العصر المعروفة.
كان فلاحو جبلايا – شأنهم شأن سائر فلاحي جبل الحلو – يزرعون الحنطة والشعير والذرة البيضاء والصفراء والعدس والكرسنة والجلبانة. وبين الحقول كانت تتناثر بكثافة أشجار الزيتون والرمان والتين والعنب.
وحسب رواية عبد الكريم سعد الدين لم تكن قديما تنشأ خلافات بين الناس في جبل الحلو ولم يكن أحد يتحدث عن اراقة الدماء، وليس هناك اعتداء على الأعراض. والوفاء كان موجودا ومن يأكل او يشرب من بيت لا يعتدي عليه، بل على العكس يدافع عنه ولو بعد زمن طويل.
ويقول عبد الكريم: في أيام جديد سعد الدين (أي أواخر القرن التاسع عشر) أخذت الدولة ترغم الفلاحين على بيع أملاكهم أو التنازل عنها للأغوات. وبعض الفلاحين خافوا واستسلموا وبعضهم لم يسلم أرضه ومنهم جدي سعد الدين ومخول طلاقي في وادي تلكلخ... أهالي شين رفضوا التنازل عن ملكيتهم. كثير من أهالي قرى الوادي رفضت التنازل عن ملكيتها.. قرية الصويري رفضت أيضا. وهذه القرى عصيت على الدولة، وزعماء القرى، وخاصة في جبلايا وشين حملوا السلاح ضد أغاوات الدنادشة. أما في الوعر فاستسلموا لأن قوة الدنادشة تسلطت عليهم أكثر من غيرهم.
في جبلايا تمكن الدنادشة من الاستيلاء على نصف أراضي القرية في أواخر القرن التاسع عشر. وعندما حاولوا استدراج الفلاح سعد الدين للتنازل لهم عن بقية الأرض، سألهم "أنا وين بروح"؟... فأجابوه "نضعك شوباصي" أي وكيلا عنا، فرفض.. والواقع أن فلاحي جبلايا لم يستسلموا للأغوات وكثيرا ما طردوا الفلاحين المرسلين من الأغوات، ولم يعترفوا بملكية الأغوات على نصف القرية. وهذا ما دفع أغوات تلكلخ لتحريض السلطة ودفعها لإخضاع القرية المتمردة "على أنظمة الملكية الإقطاعية". وقام الدنادشة باتهام فلاحي جبلايا بتخريب طاحونة العريضة الشرقية ولهذا فإن قوة من الدرك أتت إلى جبلايا وطلبت من المختار تسليم عدد من الشباب المتهمين بتخريب الطاحون لوضعهم في السجن. وعندما رفض الفلاحون الشباب الاستسلام جرت معركة بالرصاص أدت إلى تجريد الدرك من سلاحهم وأخذ خيولهم. هذه الحادثة جرت، كما قدرنا من سياق الأحاديث بين عامي /1908/ و/1910/.
بعد وصول أنباء هزيمة الدرك أرسلت السلطات التركية سرية عسكرية طوقت القرية، ولكن الفلاحين الذين انسحبوا من القرية هاجموا الحملة من خلفها. مما أجبرها على الانسحاب.
وبعد شهر أتت حملة عسكرية أكبر وحاصرت القرية وسدت جميع منافذها. ثم طلب قائد الحملة من الفلاحين الاستسلام. ولكن الفلاحين رفضوا الاستسلام لعلمهم الأكيد بأن الاستسلام يعني تسليم القرية للدنادشة والخضوع للنير الاقطاعي. ومع بزوغ فجر أحد أيام /1910/ هاجمت الحملة العسكرية العثمانية قرية جبلايا الحصينة واستمرت المعركة، التي شاركت فيها الفلاحات بشجاعة حتى عصر ذلك اليوم. ولكن قوة الأسلحة العثمانية أجبرت الفلاحين على الانسحاب والإفلات من الطوق المضروب حول القرية.. وعندها دخل العساكر إلى القرية وقاموا بتخريبها. هذا النصر العسكري لم يؤد إلى نتيجة لصالح القوى الاقطاعية إذ أن الفلاحين سرعان ما عادوا إلى القرية بعد مغادرة الحملة لها.
ان محاولات الأغوات المتكررة للاستيلاء على قرية جبلايا وتأييد السلطة العثمانية للأغوات في تملكهم للأرض واعتدائهم على الفلاحين، دفعت بعضا من فلاحي جبلايا، الذين احتفظوا بأرضهم للتمرد على الواقع الاقطاعي العثماني بالأساليب المتوفرة في ذلك الزمن، وفي مقدمتها "التشليح" أي تحول الانسان المضطهد، الذي لا يجد بابا للخلاص إلى "قاطع طريق".. فمن المسؤول عن سلوكه هذا؟...
القوانين والأعراف الاقطاعية وحتى البورجوازية تعتبر "قاطع الطريق" هو المسؤول عن سلوكه. ونحن لا نبرئ "قاطع الطريق".. ولكننا نسأل: من الذي دفع الفلاح العادي مثلا إلى امتهان "التشليح"؟... أليس النظام الاقطاعي الذي جرد الفلاح من أرضه ودفعه إلى حافة الهاوية، هو المسؤول عن جريمة "التشليح".
وفي حالتنا هذه، لو أن الاقطاعية لم تقم في تلكلخ وبقي الفلاحون أسياد أراضيهم ومصيرهم، فهل كانت أعمال "الشقاوة" ستظهر؟... في رأينا لا. لن تظهر أعمال "الشقاوة" التي هي بصورة عامة احدى ثمار النظام الاقطاعي واستغلال الانسان للانسان. وأعمال "الشقاوة" هذه المتمثلة بقطاع الطرق أو "المشلحين" حسب تعبير ذلك الزمن، هي شكل من أشكال الاحتجاج على النظام الاجتماعي القائم على عدم المساواة وعلى تكديس الثروة في جانب وحرمان الأكثرية من ثمرة اتعابها.
ونحن طبعا لا نؤيد أعمال "قطاع الطرق" أو "المشلحين" ولكننا نرى أن القضاء على هذه الأعمال، لا يتم عن طريق السجن فحسب، بل نرى أن من الضروري اجتثاث جذور الظلم من أساسها. أي القضاء على أسلوب استغلال الانسان للانسان أي القضاء على النظام الاقطاعي، وكل نظام مستغل.
ونحن نسأل هنا من هو اللص وقاطع الطريق في أواخر القرن التاسع عشر ومستهل القرن العشرين!!.
هل فلاحو جبلايا وبخاصة آل سعد الدين منهم، الذين سرقت أراضيهم، أوهم مهددون بفقدان أراضيهم ، هم اللصوص، قطاع الطرق؟..
أم أن اللصوص وقطاع الطرق هم الأغوات ومن على شاكلتهم من البكوات والأفندية، الذي سرقوا أراضي الفلاحين وسجلوها بأسمائهم ثم شرعوا في استغلال الفلاحين واستعبادهم!!.
فمن الملوم والمسؤول عن أعمال "قطاع الطرق" في العهد الاقطاعي العثماني؟ ونعتقد أن الأمر لم يعد بحاجة إلى توضيح.
الأكثر من ذلك أن المقربين من "قطاع الطرق" آل سعد الدين يروون أن "قطاع الطرق" هؤلاء لم يكونوا يعتدون على الفلاح، بل أن هجماتهم تركزت على الاقطاعيين والأثرياء ويقال أنهم كانوا يوزعون أحيانا بعض المنهوبات على الفقراء، على ذمة الرواة.
ولكن الثابت أن آل سعد الدين في جبلايا استقطبوا عددا من المتمردين على الدولة والملاحقين. وكانت جبلايا مركزا لهؤلاء "العصاة" الذين شكلوا في الوقت نفسه قوة في يد جبلايا.
*****
ثالثا
وطنيو حمص والقوى الثورية (الفلاحية) في جبل الحلو
الامر الهام، الذي فاجأنا عند سماع حديث عبد الكريم سعد الدين، نقلا عن رواية عميه حسن ومحمد أن أصحاب العقول الثورية في جبل الحلو انضموا إلى عبد الحميد الزهراوي ضد تركيا وان "أحد أقرباء الزهراوي واسمه حسن زهراوي ومعه عمر الأتاسي اتصلوا بالفلاحين وكان معهم محمد الملحم شيخ عشائر الحسنة" وأردف قائلا "أن فلاحي جبلايا انضموا إلى ثورة فيصل وكانت هناك اتصالات سرية مع وطنيي حمص.. من أجل القضاء على رأس حربة الحركة القومية العربية. في السنة الأخيرة من الحرب العالمية الأولى تقدمت في صيف /1918/ حملة عسكرية تركية بقيادة طيفور آغا للقضاء على تحركات جبل الحلو. وكانت خطة القائد التركي استدراج الثوار على الحكم العثماني إلى سهل حمص وابادتهم هناك. ولكن الثوار، الذين أدركوا الحيلة قاموا هم بمحاولة استدراج الجنود العثمانيين إلى الجبال، وذلك عن طريق "الطعم" أي قيام عدد من الخيالة المشهود لهم بالفروسية بمهاجمة الحملة العثمانية ثم الانسحاب فجأة وبسرعة أمامها باتجاه الجبال. وفي هذه المعركة استشهد سليم سعد الدين أثناء التراجع السريع. ولم تسفر المعركة عن نتيجة حاسمة.
ان قيام الاتصالات في السنوات الأخيرة بين وطنيي حمص المناهضين للحكم العثماني وفلاحي جبل الحلو المناهضين للإقطاعية العثملية وسعي وطنيي حمص للإتصال بالعشائر البدوية (محمد الملحم شيخ الحسنة) لخلق عمق استراتيجي لهم هي امتداد لسياسة الحركة العربية في دمشق. ففي دمشق بدأت العناصر الواعية في داخل الحركة الوطنية بالاتصال بفلاحي جبل العرب في سنوات ما قبل الحرب العالمية الأولى. ومعروف أن جبل العرب قام في أواخر القرن التاسع عشر ومستهل القرن العشرين بسلسلة من الانتفاضات ضد الحكم العثماني. ولهذا فإن الحركة القومية العربية الناشئة في دمشق كانت تتطلع بشوق إلى حلف يجمع القوى الثورية في المدينة وفلاحي جبل العرب والعشائر البدوية الناقمة على الحكم العثماني. وهذا الحلف ظهرت معالمه فيما بعد في الثورة السورية (1925-1927)
بقي أن نعرف بدء زمن الاتصال بين ثوار جبل الحلو ووطنيي حمص. هل هذا الاتصال الذي رواه عبد الكريم سعد الدين من جبلايا تم في سنوات نهوض الحركة القومية العربية (1910-1914) في وقت قيام الحملات التركية على شين وجبلايا، أم انه بدأ في السنوات الأخيرة من الحرب العالمية الأولى وأدى إلى معركة صيف /1918/؟.
نحن نرجح قيام الاتصالات في فترة مبكرة، أي في حدود عام / 1912 و1913 / في فترة نهوض الحركة القومية العربية وسعيها لإيجاد حلفاء لها في الريف. وما رواه يوسف الحكيم حول اهتمام والي بيروت الشديد بأحداث شين عام /1912/ ومجيء الوالي إلى منطقة تلكلخ بمساعدة القوات العثملية تدفعنا إلى ترجيح قيام الاتصالات في فترة أحداث شين، التي ذكرنا أخبارها نقلا عن المحقق يوسف الحكيم.
******
رابعا
كفاح قرية شين للبقاء خارج طوق الاقطاعية العثملية:
أحداث شين هي امتداد لأحداث جبلايا والصراع بين الفلاحين المالكين للأرض والأغوات العثملية في تلكلخ الراغبين في السيطرة على أراضي شين والتقدم في جبل الحلو وإدخاله في دائرة ممتلكاتهم.
كتب يوسف الحكيم، الذي كان محققا آنذاك، في مذكراته حول أحداث شين ما يلي: - "ولما ضاق أهل القرية ذرعا من جور سادتهم من جباة ضرائب الحكومة، الذين يفدون إلى القرية مستصحبين معهم نفرا من الدرك، خرجوا عن صبرهم وكثرة الضغط تولد الانفجار واصطدموا في يوم من أيام الشتاء القاسية (1912) مع الدركيين والزعماء، فسقط في المعركة عدة قتلى وجرحى من الفريقين".
"السادة" و"الزعماء" الذين لم يذكرهم يوسف الحكيم المحقق في أحداث شين عام / 1912 / هم أغوات تلكلخ الاقطاعيون. ولأسباب تتعلق بموقف يوسف الحكيم الطبقي وموقعه من السلطة، على الرغم من ليبراليته، دفعته لعدم الخوض في تفاصيل أسباب الصدام الذي جرى في شين عام / 1912 / بين الفلاحين من جهة والأغوات الاقطاعيين ومعهم الدرك من جهة أخرى.
ولنبدأ من جذور المشكلة اعتمادا على ما سمعناه في شين وما رأيناه من وثائق لها علاقة بالصراع الفلاحي (شين ومن أيدها من القرى) الاقطاعي (أغوات تلكلخ وحلفاؤهم في السلطة العثمانية).
تقع قرية شين على السفوح الجنوبية الشرقية لجبل الحلو بالقرب من حدود وعرة حمص البركانية وإلى الشمال من تلكلخ. وشين كلمة سريانية تعني اله القمر. وكانت الملكية فيها في منتصف القرن التاسع عشر على المشاع مقسمة إلى /104/ صمد (سهم أو فدان). وكانت أراضي القرية الزراعية مقسمة إلى قسمين: بساتين كروم العنب التي تحيط بالقرية من معظم جهاتها وهي أرض مفروزة، وأرض سليخ لزراعة الحبوب وهي على المشاع. وكان من يملك بيتا فقط أو بيتا وكرم عنب يسمى باطوليا، أما الذي يملك أرضا في السليخ فيسمى فلاحا.
وكانت علاقات شين الاقتصادية، مثل سائر قرى جبل الجلو ومنطقة صافبتا وثيقة الصلة بطرابلس أكثر من حمص. فكانت الحبوب تنقل على الجمال إلى الخان في طرابلس حيث يستلمها تجار الحبوب وتعود الجمال محملة بما تحتاجه القرى من بضائع.
بعد أن استولى الدنادشة أغوات تلكلخ على معظم القرى المحيطة بشين وحولوها إلى قرى خاضعة للنير الاقطاعي، ولم يبق للفلاح "لا أرض ولا عرض" – كما قال محمود الشمالي – أمسى الأغوات متعطشين لتملك أراضي شين وتحويل فلاحيها الأحرار إلى أرقاء، مثل بقية الفلاحين الخاضعين لحكم الأغوات. وكنا رأينا أن جبلايا قاومت الأغوات ولكنها لم تستطع الصمود التام، وتمكن الأغوات من تملك نصف أراضيها. أما شين فإن الأغوات لم يتمكنوا من تملك أي صمد (فدان) من أراضيها. لأسباب كثيرة، أهمها:
1 – وقوع شين في منطقة جبلية تمكنها من الدفاع عن نفسها.
2 – تعاطف فلاحي شين مع بعضهم وعدم وجود خلافات عائلية يستطيع الاقطاعي التغلغل من خلالها إلى القرية. كما جرى في القرى الأخرى. وربما كان لتوزع الملكية العادل بين العائلات أثره في ذلك.
3 – نزوح عدد من الفلاحين المهجرين أو الهاربين من القرى، التي استولى عليها الأغوات إلى شين. مما قوى من ساعد أهل شين وأمسوا قوة بشرية قادرة على المقاومة.
4 – رؤية فلاحي شين، لمعاناة الفلاحين في القرى المجاورة واضطهاد الأغوات لجيرانهم بصورة لا تحتمل.
5 – صمود عدد من القرى في وجه الاقطاع وتمكنها من المحافظة على ملكيتها أو جزء منها. فجبلايا لم تخضع ولم يتمكن الأغوات من الاستيلاء إلا على نصف القرية، وكذلك الأمر في قرية صويري، التي كانت نموذجا نضاليا مع جبلايا لفلاحي شين.
ويلاحظ أن فلاحي (ملاكي) شين رفضوا بإصرار بيع أي قطعة أرض للدنادشة ولكنهم باعوا عددا من الصمود إلى أفندية حمص لإيفاء ما ترتب عليهم من ديون بسبب وطأة الضرائب الحكومية. فقد شاهدنا لدى عيسى بن سليمان بن غانم بن ابراهيم ابن قاسم وثيقة بيع قطعة أرض (كرم عنب) بتاريخ / 7 / ذي القعدة / 1297 / هـ - / 1880 / م، البائع ابراهيم بن قاسم ياسين من شين والشاري خالد بن رضوان الطيارة من حمص والثمن (ألف قرش مقبوضة بالقول الصريح بمجلس عقد البائع).
ويبدو أن عددا من فلاحي (ملاكي) شين باعوا أو رهنوا أرضهم لمدة من الزمن إلى أفندية حمص لسببين: الأول أن أفندية حمص تمولهم في حال حاجتهم إلى المال على عكس أغوات تلكلخ، الذين لا يدفعون مالا، وإذا دفعوا فسرعان ما يستردونه بقوة السلاح. والسبب الثاني أن فلاحي شين كانوا يعلمون بأن "أفندية حمص" ضعفاء لا يملكون القوة المتوفرة لدى أغوات تلكلخ، والتمرد عليهم أمر سهل، كما سنرى في الحادثة التالية: -
ذات مرة احتاجت قرية شين إلى المال لدفع الضرائب فاستدانت من بديع الأتاسي من حمص وباعته عشرة صمود سليخ على الشيوع من أصل / 104 / صمود مجموع القرية. ولكن الفلاحين "ضيعوا الأتاسي" الذي لم يستطع أن يعرف أين تقع أرضه بسبب الشيوع وعدم حصر الأرض. وانتقاما من أهل شين قام بديع الأتاسي ببيع "صموده العشرة في شين" إلى أحمد الحسين الدندشي المقيم في تلكلخ والمشهور بقوته وقسوته على الفلاحين في قراه. ولكن فلاحي شين تعاملوا مع الدندشي مثلما تعاملوا مع الأتاسي، أي أنهم قالوا إن الأرض على الشيوع ونحن لا نعرف أين تقع هذه الصمود العشرة. ولكي يجبر الدندشي، فلاحي شين على الرضوخ وتسليم الصمود العشرة التي اشتراها من الأتاسي، جهز قوة من زلمه (من أقربائه ومن الشوابصة والاجراء) ونهب بقرتين كوسيلة للضغط على شين حتى تفرز له الصمود العشرة. ولكن فلاحي شين الأشداء قرروا بعد اجتماع عقدوه طلب النجدة من القرى المجاورة غير التابعة للاقطاع للانتقام ونهب طرش الاقطاعيين ورد الصاع صاعين.
في عدد من القرى القريبة من شين والتابعة للأغوات، لم يكن الفلاح يملك أي شيء فالبقر والغنم وكل شيء ملك للآغا. ولهذا قام فلاحو شين ومن انضم إليهم من الفلاحين المناهضين للأغوات بنهب بقر وغنم الدنادشة ووزعوه على القرى الخارجة عن سلطة الأغوات.
متى جرت هذه الأحداث؟.. نرجع من خلال تسلسل الوقائع والوثائق الموجودة لدى عيسى بن سليمان في شين أن هذه الأحداث جرت نحو سنة / 1911/..
عندما شعر أحمد الحسين الدندشي بقوة التحالف الفلاحي، الذي التف حول شين طلب النجدة من السلطات العثمانية في تلكلخ. فسارت قوة من الدرك باتجاه شين لإخضاعها، ترافقها مجموعة كبيرة من زلم الاقطاعي للمساندة. وعندما علم فلاحو شين بتقدم الحملة (من الدرك وزلم الاقطاع) استنجدوا بالقرى المعادية للأغوات، وكان فلاحو جبلايا ومن في حماهم من "الخارجين عن القانون" أول من أتى لمساعدة فلاحي شين، بعد معركة بالرصاص انهزم الدرك وزلم الاقطاع ووقع أحد الدرك الجرحى (من جبل لبنان) أسيرا في يد الفلاحين، وسقط عدد من القتلى من الطرفين. عندها قامت السلطات بإرسال قوات كبيرة اجتاحت شين بعد استسلام أهلها، وقامت بإرسال عدد كبير منهم الرجال إلى سجن تلكلخ، ومن هناك أرسلوا إلى سجن طرابلس كما ذكر يوسف الحكيم المحقق القضائي في ذكرياته. أخيرا بقي في السجن ستة فلاحين من وجهاء القرية مدة سنة ونصف. وفي أثناء فترة السجن جرت مفاوضات بين فلاحي شين وأحمد حسين الدندشي أسفرت عن شراء الفلاحين للصمود العشرة التي اشتراها الدندشي من الأتاسي..
من أجل أن يتمكن الفلاحون من دفع نفقات الدعوى ومصاريف السجن وثمن الأرض التي اشتروها، أي عشرة صمود قاموا باستقراض مبلغ من المال في طرابلس من مصطفى علم الدين واستمر فلاحو شين يدفعون عشر المحصول إلى مصطفى علم الدين، ومن ثم إلى ورثته حتى عام / 1938/....
في البدء ضمن فلاحو شين خمس محصول قريتهم إلى "عجم" وهو من تجار طرابلس لكي يدفع عنهم الديون. ثم استدانوا من مصطفى علم الدين في / 1 / محرم / 1335 / هـ / 1916 / م مبلغا من المال وكتبوا على أنفسهم المستندات التالية:
سند بقيمة / 30406 / غرش ذهب سعر العثمانية مئة غرش، وثلاثة سندات عادية بالغروش التركية قيمتها على التوالي / 1089 – 1310 – 1080 / وهذه السندات تعهد بدفعها غانم الابراهيم، كما استدان من علم الدين أيضا، إضافة إلى غانم الابراهيم، محمود المحمد وحسن الحسين.
وهنا نلاحظ أن فلاحي شين تخلصوا من حكم اقطاعية الأغوات ليقعوا تحت نير الاقطاعية التجارية. إذ أن علم الدين أمسى يضمن العشر إلى آخرين، ويضع وقافة وشوابصة لحراسة المحاصيل. ولكن فلاحي شين كانوا أكثر وعيا وأوفر حظا من فلاحي القرى الأخرى التي وقعت تحت أقدام الاقطاعية التجارية، ولم تستطع أن تفي ديونها، فتحولت ملكية القرية إلى التجار والمرابين. وهنا نجد أن شين من الحالات الفريدة، التي تمكن فيها الفلاحون من سداد الديون في مدة لم تتجاوز / 22 / سنة (1916 – 1938) وتمكنوا من النجاة والخلاص من جحيم الاقطاعية.
*******
في الحلقات الأربع السابقة تناولنا العلاقة، بل الصراع بين الإقطاعيين مُلاك الأراضي في سورية والفلاحين العاملين فيما كان يُعرف بـ"أرض الإقطاع". ومصادفة جرى في الحلقات السابقة الحديث عن الإقطاعيين من آل دندش أو ما سمّوا: الدنادشة في تلكلخ.
وقد نبّهني صديقي العزيز العلامة في التاريخ الأستاذ زهير ناجي، الذي له عليّ أياد بيضاء أثناء التحضير لكتاب تاريخ الفلاحين، إلى عدم ذكر اسم العائلات الإقطاعية وبعضها له باع طويل في مقارعة الاستعمار.
والواقع أنني في خاتمة المجلد الثالث من كتاب تاريخ الفلاحين أشرتُ إلى هذه النقطة، مبيّناً أن همّي هو كشف الظلم الإقطاعي وليس الإساءة إلى ذرية الإقطاعيين .
وفيما يلي سأُعيد نشر ما كتبته عام 1986 حول هذا الموضوع في تاريخ الفلاحين المنشور 1989 من قبل الاتحاد العام للفلاحين والمُباد بعد نصف سنة بأمر من السلطة الحاكمة:
قائمة بأسماء المالكين (الاقطاعيين وأشباههم)
المشمولين بأحكام قانون الاصلاح الزراعي رقم 161 لعام 1958 وتعديله بالمرسوم التشريعي رقم 88 لعام 1963 مع أسماء القرى الواقع فيها الاستيلاء .
تكوّن الأسماء التالية، القسم الأعظم من كبار الملاك في سورية في منتصف القرن العشرين. وهؤلاء الملاك الكبار، الذين يطلق عليهم اسم "الاقطاعيين" حقيقة أو مجازا، شكلوا طبقة اقطاعية بدأت بنيتها تتبلور في نهاية القرن التاسع عشر ومستهل القرن العشرين، أي في أواخر عهود الدولة العثمانية. ثم جاء عهد الاحتلال الاستعماري الفرنسي، ومن بعده عهد ما بعد الاستقلال (1943 – 1958) فرسّخ جذور هذه الطبقة وساعدها على تملك الأرض، وأفسح المجال أمامها لاستثمار الفلاحين واستغلال جهودهم دونما حدود أو رادع، إلا فيما ندر. وبتقصي أصول هذه الطبقة الاقطاعية، يتضح أنها تألفت من:
كبار الموظفين ورجال الدين وضباط الجيش وتجار المدن وشيوخ العشائر، وقسم من متنفذي الريف.
والملاحظ هنا أن السياسة والاقتصاد صنوان لا يفترقان. فالمال والمنصب والجاه والعصبية العشائرية أو الطائفية أو الأسرية جلبت الأرض والثروة. وهذه الثروة دفعت بأصحابها مرة أخرى إلى قمة السلطة. ومن يراجع أسماء أعضاء المجالس النيابية والوزارات والوظائف الحساسة في الدولة يجد أن معظمها انبثق من أبناء الأسر المشمولة بالاصلاح الزراعي لعام 1958 وتعديلاته. فالسلطة في مراحل ما قبل الاشتراكية تأتي بالثروة وهذه بدورها تدفع أصحابها إلى قمة السلطة، وهكذا.
ان نشر قوائم المشمولين بالاصلاح الزراعي من كبار الملاك، التي حصلنا عليها بمعونة اتحاد الفلاحين من دوائر أملاك الدولة في مديريات الزراعة والاصلاح الزراعي في المحافظات تقدم للقراء والباحثين كشفا حيّا حقيقيا عن الشرائح الأساسية من الطبقة الاقطاعية، التي استثمرت الفلاحين واضطهدتهم وحكمت البلاد ردحا من الزمن وأسهمت في استمرار التخلف وترسيخ جذوره.
أما أبناء تلك الطبقة، الذين لم يشاركوا آباءهم في استغلال الفلاحين واستعبادهم، فهل يؤخذون "تاريخيا" بجريرة أجدادهم وآبائهم؟.. من المؤكد، في نظرنا أنهم غير مسؤولين عن ماضي آبائهم وأجدادهم إن كانوا يقرون بشرعية المساواة بين بني البشر ويستنكرون الاستثمار والاضطهاد ويناوئون العبودية مهما كان شكلها ولونها..
وفيما يلي أسماء المالكين المشمولين باحكام قانون الاصلاح الزراعي رقم 161 لعام 1958 وتعديله بالمرسوم التشريعي رقم 88 لعام 1963 والقرى الواقع فيها الاستيلاء.
محافظة الحسكة:
الرقم المتسلسل اسم المالك المشمول بالاصلاح الزراعي أسماء القرى المملوكة من الاقطاع والمستولى عليها من الاصلاح الزراعي.
ونتوقف هنا عن نشر أسماء الإقطاعيين لأنها ستأخذ حيّزاً من الصفحات، بلغت في كتاب الفلاحين المُباد بعد صدوره بأشهر، من الصفحة 506 إلى الصفحة 591.