كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

الشيخ سعيد عبد الغني الجابي (2)

خالد محمد جزماتي- فينكس:

 ( 1948 -1879 " أو " 1872 )
عاش الشيخ سعيد الجابي في بيئة متدينة، فجده الشيخ مصطفى الجابي (توفي عام 1294 هـ) وعمه الشيخ درويش الجابي (توفي عام 1325هـ)، وتعلم القراءة والكتابة والحساب في كتاتيب ذلك الزمان مثل، كتاب الشيخ محمود الحامد وكتاب الشيخ علي الدرويش وكتاب الشيخ أحمد الحداد، وأخذ العلم عن كبار مشايخ ذلك الزمان كشيخ الشافعية محمد حسن طربين (1844--1908) والشيخ أحمد الدباغ (1837--1902)، والشيخ محمد علي المراد الكبير (توفي عام 1343هـ) ومن هذه المعلومات البسيطة نستنتج أن الشيخ سعيد الجابي تكون في وعيه إلى درجة الحذاقة والمعرفة بالطرق الصوفية الثلاثة (القادرية والرفاعية والنقشبندية)، وأثناء ذلك كانت الفرص متاحة لمعرفة شباب جيله من طلاب العلم ومن طلاب العلوم الأخرى كالطب والصيدلة والحقوق.. الخ، وفي فترة طلبه للعلم تعرف إلى الشيخ أحمد الصابوني و إلى الشيخ حسن رزق، فتآلف الثلاثة وسمت أفكارهم لامتلاكهم مؤهلات خاصة، فعقدوا العزم على نشر العلم والدعوة إلى الفضيلة ونبذ البدع التي يتبناها بعض الجهلاء بمقاصد الدين والشريعة.. وقد ساعد الثلاثة في ذلك الزمان الزيارة التي قام بها الشيخ الإصلاحي سليم البخاري الدمشقي (1851--1928) إلى حماة حيث أكثروا الجلوس معه واستفادوا من دروسه وشرحه المستفيض للبدع التي علقت بالدين الحنيف، فأيقظ فيهم الشعور القوي للأخذ بفكرة الاصلاح الديني ومحاربة الخرافات، وهكذا انغمس المشايخ الثلاثة في لجج الاصلاح والمضاء بعزيمة مفرطة على الدعوة للعلم والتعرف على أقرانهم في مختلف الأمصار.. و هنا لابد من ذكر الشيخ محمد سعيد النعسان الذي كانت له طريقته في الدعوة إلى العلم و إلى انشاء المدارس لتحقيق ذلك وكان على علاقة طيبة مع الشيخ سعيد الجابي والآخرين من كل المذاهب إن كانوا متصوفة أو إصلاحيين، و لا يخفى على أحد صداقته الحميمية مع رائد الاصلاح الدمشقي الشيخ طاهر الجزائري الذي كان يأتيه زائراً في جامع النوري لشهور طويلة...
وبعد الانقلاب على السلطان عبد الحميد الثاني (1842--1918) عام 1908 انتعشت الصحافة في بلاد الشام ومنها حماة التي صدر فيها تباعاً خمسة صحف ومجلتان، واشتد طلب الاصلاح وبدت طموحات العرب واضحة في طلب المزيد من الحريات وتحسين جميع الخدمات، وكان الشيخ سعيد الجابي ورفاقه في مقدمة النشطاء السياسيين النهضويين، ولكن الاتحاديين الأتراك انقلبوا على جميع مكونات الدولة العثمانية من الشعوب غير التركية ومن إحدى النتائج المحلية لدخول الأتراك الحرب العالمية الأولى إلى جانب الألمان قيامهم بنفي الشيخ سعيد الجابي إلى الأناضول مثل غيره من زعماء الاصلاح في بلاد الشام..
بعد انتهاء الحرب عاد الشيخ سعيد الجابي إلى حماة وكان هو الوحيد الذي بقي حياً من دعاة الاصلاح الديني أثناء الحكم العثماني، وقد كان قريباً من رواد النهضة كالدكتور صالح قنباز والدكتور توفيق الشيشكلي والشيخ بدر الدين الكيلاني والشيخ محمد سعيد النعسان..
ومن المفيد ذكره في هذا السياق قيامه بمساعدة أبناء أخته الشاعر بدر الدين الحامد والشيخ محمد الحامد والأستاذ عبد الغني الحامد، وايجاد الحلول الناجعة لمعيشتهم بعد وفاة أبيهم الشيخ محمود الحامد عام 1916، الذي كان دخله من المال من تلاميذه في الكتاب، وليس خافياً على أحد أن مثل ذلك الدخل هو قليل جداً، فكيف بحالهم إذا، انعدم..! ولا يخفى على أحد مآسي الحرب العالمية الأولى وكيف انقطعت الأرزاق إلّا رحمة الله التي لا تنقطع... وقصص الشيخ سعيد الجابي مع أبناء أخته وتوجيهه لهم، وأيضاً ما ذاقه الأخوة الثلاثة بعد وفاة أبيهم من شقاء وعذاب من ضيق الحال تستحق قصصهم تلك تتبع الناس لها ونشرها حتى تكون مثلاً لجميع الأجيال، ونبراساً رائعاً لما عاناه الأخ الأكبر بدر الدين الحامد في سبيل تربية أخويه على الصلاح والرشاد بالرغم من ضعف الحال وقلة المداد..
وفي بداية حكم الانتداب الفرنسي لسورية ولبنان أصبح الشيخ سعيد الجابي في حماة محط الأنظار، ودروسه أينما كانت هي أمكنة تشع منها صرخات نضال ضد المستعر وبقع ضوء تنير سبيل الأحرار وطلبة العلم.