كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

التعايش بين المسلمين والمسيحيين في دير عطية

كتب الدكتور عبد الله حنا- فينكس:

تُقدم دير عطية عبر تاريخها نموذجاً مشرقاً للتعايش بين الأكثرية المسلمة والأقلية المسيحية، التي كانت نسبتها حتى نهاية القرن التاسع عشر الربع. ولكن هذه النسبة تراجعت تدريجياً في عقود القرن العشرين. ولا يتجاوز عدد المسيحيين المسجلين في دفتر نفوس دير عطية عام 1995 رقم1450 نسمة من أصل 16000 ألف نسمة مجموع سكان البلدة. 

كان المعروف تقليدياً أن للمسيحيين ربع الأرض وربع المياه في اية بقعة من بقاع دير عطية. ويبدو ذلك جلياً عندما قام أحمد الخباز في السنوات الأولى من القرن العشرين بإعمار أرض الحميرا البعل، فاشترى من المسيحيين ربعهم من الحميرا. 

أورد الأستاذ مرعي مليسان في كتابه «دير عطية» المطبوع عام 1959 في الصفحة 117مايلي:«ويتبين بالتقريب أن ثلاثة أرباع السكان في دير عطية مسلمون والربع الآخر مسيحيون». واعتماداً على الإحصاءات الرسمية «فإن سكان دير عطية البالغ عددهم (7948) عام1956 يتوزعون حسب معتقداتهم إلى مايلي: 6157 مسلمون   1980مسيحيون. وهذه النسبة نجدها أيضاً في القرار رقم 30تاريخ 13-6-1949 الصادر عن قائمقام النبك والمتعلق بتقسيم مراكز الاستفتاء والانتخاب لعام 1949 وفيه يتبين أن عدد الناخبين المسلمين 1236 وعدد الناخبين المسيحيين 455. 

ولكن هذه الأرقام المأخوذه من دفاتر النفوس لم تكن تعكس النسبة الحقيقية للسكان المقيمين فعلاً آنذاك في دير عطية، بسبب الارتفاع الهائل لنسبة السكان المسيحيين المهاجرين إلى أمريكا بالمقارنة مع نسبة المهاجرين من المسلمين. ومثال على ذلك أن اللوائح الانتخابية لعام 1959 تورد 27 ناخباً من آل الحداد المسيحيين، الذين انقرضوا من دير عطية منذ أواخر الثلاثينات. فالهجرة إلى أمريكا هي التي ادت إلى تراجع نسبة المسيحيين وبالتالي أعدادهم. كما أن عدم الإقبال على الزواج لدى المسيحيين يبدو واضحاً منذ أربعينات القرن العشرين لأسباب لا مجال لذكرها هنا. أ عبد الله حنا

منذ استيطان صالحة خاتون وحاشيتها في دير عطية، و إعادة إعمارها ووقفها على ذريتها (665هـ-1266م) استقدمت الحدادين المسيحيين للعمل في القرية. وقد سكن هؤلاء في حارة كانت معروفة لمدة قريبة باسم زقاق الحدادين، حيث كان يتفرع جدول باطني من قناة مياه القرية إلى هذا الزقاق لتزويده بحاجته من المياه. وليس أدل على روح التعايش الجيد بين المسلمين والمسيحيين من تقاطر المسيحيين باستمرار من أنحاء مختلفة وتوطنهم في دير عطية، ومن ثمّ بناؤهم لكنيسة لا تزال قائمة إلى الآن قريباً من جامع القرية. ولو كان ثمة اضطهاد للمسيحيين في دير عطية لم تأت للاستيطان فيها على مرّ السنين أعداد من المسيحيين من حسية وزحلة وغيرها، ولكانوا بحثوا لهم عن مكان آخر أكثر أمناً واطمئناناً. وعلى أرضية التعايش والحرية الدينية عاشت دير عطية قروناً عديدة دون أن تعرف الخلافات الدينية أو الاضطهاد. 

ولا شك أن خلافات كانت تحدث بين أفراد من المسلمين وأفراد من المسيحيين وتتطور أحياناً إلى خصام لم يتعدّ حدود الضرب بالأيدي أو بالعصاة والحجر. وهذه الخلافات والمشاجرات (الشَرْ حسب التعبير المحلي) تدخل عملياً في إطار الخصام، الذي كان يجري في جميع القرى بين عائلات أو عشائر الدين الواحد أو المذهب الواحد. وإذا أحصينا الخلافات والمشاجرات الجارية بين أفراد المسلمين أنفسهم لوجدناها أكثر بكثير من الخلافات الجارية قديماً بين المسلمين والمسيحيين، والتي حملت في كثير من الأحيان خلفيات اقتصادية على أرض أو ماء، كانت ضرباً من ضروب الطيش ونزوات الشباب. 

1ـ الأساس الفكري للتسامح 

أحد مقومات التعايش بين المسلمين والمسيحيين هو التسامح الديني من كلا الطرفين. فقد عاش المسيحيون في دير عطية مع المسلمين جنباً إلى جنب في محبة ووئام لم تستطع التشنجات العابرة والحوادث الفردية الطبيعية، التي تجري حتى بين أبناء المذهب الواحد، أن تُعَكِّرَ صفو التعايش بين المسيحيين والمسلمين في دير عطية . 

وسنستعرض فيما يلي أسس هذا التعايش ومظاهره في القرن التاسع عشر والنصف الأول من القرن العشرين.  

حول الأساس الفكري لتسامح المسلمين ننقل ما كتبه د. يوسف القرضاوي في كراسه «غير المسلمين في المجتمع الإسلامي». جاء فيه، وسيتم النقل حرفياً(1):  

  • اعتقاد كل مسلم بكرامة الإنسان ايّاًً كان دينه أو جنسه أو لونه. قال تعالى: «ولقد كرمنا بني آدم» 
  • اعتقاد المسلم أن الاختلاف في الدين واقع بمشيئة الله تعالى، الذي منح هذا النوع من خلقه الحرية والاختيار «فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر». «ولو شاء ربُّك لآمن من في الأرض كلهم جميعاً أفأنت تُكره الناس حتى يكونوا مؤمنين» 
  • ليس المسلم مكلفاً أن يحاسب (الآخرين في) هذه الدنيا، إنما حسابهم إلى الله في يوم الحساب، وجزاؤهم متروك إليه في يوم الدين. قال تعالى: «وإن جادلوك فقل: الله أعلم بما تعلمون الله يحكم بينكم يوم القيامة فيما كنتم فيه تختلفون». وقال تعالى يخاطب رسوله في شأن أهل الكتاب «فلذلك فادع واستقم كما أُمرت ولا تتبع أهواءهم، وقل آمنت بما أنزل الله من كتاب، وأُمرت لأعدل بينكم، الله ربنا وربكم، لنا أعمالُنا ولكم أعمالكم، لا حُجة بيننا وبينكم، الله يجمع بيننا وإليه المصير» 
  • إيمان المسلم بأن الله يأمر بالعدل ويكره الظلم ويعاقب الظالمين ولو كان الظلم من مسلم لكافر. قال تعالى: «ولا يجر منّكم شنآن قوم على ألا تعدلوا إعدلوا هو أقرب للتقوى» وقال عليه السلام: «دعوة المظلوم وإن كان كافراً ليس دونها حجاب» (رواه أحمد في مسنده). هذا الأساس الإسلامي للتسامح هو الذي يُفسر أحد أسباب عدم قيام «أهل الذمة» بانتفاضات أو تمردات ضد الحكم الاسلامي وقد اشار إلى ذلك بطريرك إنطاكية للروم الارثوذكس أغناطيوس الرابع في تصريح إلى جريدة السفير بتاريخ 16-3-1985جاء فيه: «لم يخرج المسيحيون الشرقيون على الدولة الإسلامية وهم إذا ما تعرضوا هنا وهناك إلى ضغوط حطّت بالتعامل بين الأغلبية والأقلية إلى ما دون ما يدعوا إليه القرآن فهم لم ينسلخوا عن جسم الأمة أو يلتحقوا بخصومها». ويعرف التاريخ أحداثاً كثيرة خرج فيها المتزمتون والمتحجرون عن روح الأديان السمحاء، ولا يتعلق الأمر بالعلاقة بين أكثرية وأقلية فحسب، بل يتعداه إلى تجاوز المتزمتين لروح الدين وممارستهم للاضطهاد والاستعباد ضاربين بتعاليم الدين عرض الحائط. حول هذا الموضوع كتب طه حسين: «هذا النظام الذي نجد في كتابه المقدس (لا إكراه في الدين، قد تبين الرشد من الغي) لا يمكن بحال من الأحوال أن يكون في وقت من الأوقات خصماً لحرية الرأي، وكل من خاصم حرية الرأي هو عدو الإسلام… وإذا كان الإسلام هو الدين الذي يجعل حرية الرأي أصلاً رسمياً، فإن بين المسلمين من يجهرون بمحاربة حرية الرأي ومن يتخذون الإسلام وسيلة لمحاربة الإسلام». 

إذن علينا أن نفرق بين تعاليم الدين الجوهرية وبين من يقومون بتطبيقها أو يدّعون السير على هداها. وليس نادراً في التاريخ ابتعاد الممارسة عن أصول العقيدة. وكبرهان على التسامح الإسلامي ما أورده مؤرخ الشام محمد كرد علي من أحاديث عن الرسول: «من آذى ذمياً فأنا حجيجة ومن قتل قتيلا من أهل الذمة لم يَرَحْ رائحة الجنة» وقال: «من قتل نفساً معاهدة بغير حلّها حرّم الله عليه الجنة أن يشمهّا». 

2_ نظرة إلى التاريخ 

 عُرفت العهود الإسلامية الأولى (الراشدي، الأموي، العباسي الأول) بأنها عهود التسامح بالمطلق. وهذا التسامح كان أحد الأسباب الرئيسية لترحيب سكان (نصارى) بلاد الشام المستائين من الحكم البيزنطي بالفاتح العربي المسلم. وكان مثقفو «أهل الذمة» في العصر العباسي الأول من مشاهير الدولة وأركانها. وعندما أطلت عهود الانحطاط ووصلت إلى السلطة أقوام غير عربية لم تستطع- بسبب جهلها للغة – أن تستوعب روح الإسلام السمحاء. هؤلاء فهموا –كما يقول القرضاوي-النصوص على غير وجهها (3). كما فهم بعض الناس من عدد من آيات القرآن الكريم أنها تدعو إلى الجفوة والقطيعة والكراهية لغير المسلمين وأن كانوا من أهل دار الإسلام والموالين للمسلمين والمخلصين لمجتمعهم. (4)  

ولا شك أن الأهوال التي ارتكبها الصليبيون، الذين حاربوا لغايات اقتصادية اجتماعية غلّفوها براية الصليب  وباسم المسيحية أوجدت في العالم الاسلامي كله مشاعر تفيض بالمرارة ضد المسيحيين، تولدت عنها في بعض الأحيان ردود فعل عنيفة. وعلى الرغم من أن بعض المسيحيين الشرقيين حاربوا الصليبين، كما أن الفرنج اضطهدوهم، إلا أن العلاقات بين العناصر المسلمة والمسيحية في مجتمع بلاد الشام لم تَعْدْ إلى سابق عهدها، حيث كان المسيحيون قبل الحروب الصليبية ينعمون بالتسامح.(5)  

ولا شك ان تضخم الثروات لدى بعض الأغنياء من غير المسلمين أثار حفيظة الجمهور المسلم على أهل الذمة بعامة دون التفريق بين الأغنياء والفقراء. كانت الفئات الحاكمة من المماليك والعثمانيين وغيرهم بحاجة إلى تغطية مشكلاتها وصرف الأنظار عن الموبقات التي ترتكبها وحل أزماتها بإثارة «الرعاع» على أهل الذمة. ومن هنا جاءت التطبيقات على أهل الذمة، التي لم تكن شاملة أو دائمة بل كانت مرتبطة عموماً بوضع الطبقة الحاكمة والتأزمات الاجتماعية، وليست من روح الإسلام في شيء. 

تحت ضغط الأحداث الداخلية والخارجية في الدولة العثمانية صدر في 18فبراير (شباط) 1865 الخط الهمايوني، الذي جاء فيه ما يلي(6) : 

-السماح للطوائف غير المسلمة بالحرية في ممارسة شعائرها الدينية وبناء معابدها بشروط يتوافر فيها التسامح. 

-إعلان المساواة في المعاملة بين جميع الطوائف ومنع استعمال الألفاظ التي تحط من قيمة غير المسلمين وتأمين الحرية الدينية لأهل كل مذهب. 

هذه هي الحالة العامة للمجتمع في ظل الدولة العثمانية في القرن التاسع عشر. فكيف كان الوضع في دير عطية بخاصة والقلمون بعامة، الذي لم يعرف الهزات الطائفية، التي عصفت بعدد من مناطق بلاد الشام؟.. 

3ـ النشأة التاريخية والعلاقات بين السكان 

من المعروف أن الانتساب الديني كان عاملاً هاماً في العلاقات بين الأفراد والجماعات في مختلف مراحل التاريخ. وكانت له انعكاساته الإيجابية والسلبية. غير أن العلاقات الحياتية بين المسلمين والمسيحيين في دير عطية كانت على درجة رفيعة من التنظيم والانسجام والتعاون الاجتماعي. 

فقد نشأت دير عطية الحالية في القرن الثالث عشر الميلادي قرية تسودها الملكيات الصغيرة، التي تصرّف بها ثمّ إمتلكها فلاحون مسلمون ومسيحيون، وهؤلاء كان (لهم ربع الأراضي والمياه) على حد سواء دون تفريق بينهما، على الرغم من أن القرية في عهدها الثاني قامت على أرضية وقف صالحة خاتون. ولكن الاراضي سرعان ما تحولت إلى ملكيات خاصة للفلاحين مع حملها في دوائر الطابو اسم وقف صالحة خاتون. ويلاحظ تداخل ملكيات الفلاحين المسلمين والمسيحيين بعضها مع بعض. فلم يكن هناك عزل بين أراضي الجهتين. وقد أدى هذا الأمر إلى تعميق الصلات بين الجوار وإشاعة روح التعاون والمساعدة والإلفة بين الجميع. وعندما كانت «العربان» تنهب مواشي دير عطية فإن الجميع –مسلمين ومسيحيين- كانوا يتعاونون ويخرجون لاستعادة المواشي المنهوبة لكلا الطرفين. والوثيقة رقم (  ) المنشورة في الملاحق تبين تفويض وجهاء دير عطية من مسلمين ومسيحيين لموسى نقولا روق في أيار 1927 لـ «منع تعديات أصحاب الطروش الغريبة» على مزروعات دير عطية وقناة مائها. 

لم تكن بيوت المسيحيين متجمعة في حارة واحدة ومنعزلة عن حارات القرية الأخرى بل العكس، أي أن السكن المختلط كان هو السائد في القرية. وهذا مما عمّق التواصل والمؤازرة بين الجميع بغض انظر عن الانتماء الديني. وكان الجار المسلم أيام الملمات يساعد جاره المسيحي مردداً القول المعروف «النبي أوصى بالجار». والجار المسيحي كان يشعر دائماً بمسؤليته في مساعدة جاره المسلم والجميع يزورون بعضهم في الأفراح والأتراح ويجتمعون سوية في المناسبات وقد طبقوا منذ وقت مغرق في القدم شعار «الدين لله والوطن للجميع»، الذي ظهر في عهد النضال ضد الاحتلال الاستعماري الفرنسي في أرجاء سورية المختلفة. 

لم يكن ثمة تفريق أو اختلاف في اللباس. فالرجال جميعاً ارتدوا الزي الفلاحي القلموني والنساء ارتدين ثياباً متشابهة.وكان غطاء الرأس عاماً ومتشابهاً لدى النساء المسيحيات والمسلمات. ولم يكن حجاب الوجه معروفاً في دير عطية شأنها شأن معظم الأرياف، حيث تشارك المرأة الرجل في الأعمال الزراعية والرعوية، وهذا لا يتناسب مع ذلك الحجاب. وتستوقفنا في معرض الحديث عن التعايش بين المسلمين و المسيحيين في دير عطية جملة وقائع ذات مغزى عميق سندرج ما سمعنا منها. 

-ذكر الأستاذ مصطفى الحاج إبراهيم أن المسلمين كانوا يحتفلون مع المسيحيين ببعض الأعياد المسيحية مثل عيد البربارة وعيد الصليب، الذي هو عيد سفاح العنب ويُرجِع الأستاذ مصطفى هذا الأمر إلى حداثة دخول الإسلام إلى القلمون نسبياً وتداخل المسيحية والاسلام وتعايشهما من خلال واقع الحياة الاقتصادية والاجتماعية والعادات والتقاليد. (7) 

-حتى الخمسينات كان كثير من النساء المسلمات يَقُمْنَ بوفاء نذورهنَّ إلى الخضر، ويضعن النذر في إحدى البيوت المسيحية، كي يأخذها «لمام الخضر» لدى زيارته البلدة.* 

-ذكر السيد زكي سالم أن كثيراً من المسلمات كنَّ يأتين إلى الخوري حبيب مغامس (كاهن دير عطية من 1920إلى 1947) للاستعانة بصلواته لدفع الأمراض والرزايا عنهنَّ. وكن يعتقدن بقدسيته، وأن «الحجب» التي يكتبها لطالبيها يستجاب لها. (8) 

-ذكر المُسِنْ عبد الله زرزور أن الخوري عيسى العجلوني المتوفى 1914 «كان محبوباً من المسلمين والنصارى». وأردف زرزور قائلاً، كما سمع من المسنين، أن «الخوري عيسى كان يصلي في النبي غيلان صلاة الإسلام». ولا يهمنا هنا الشائعة بل يهمنا مغزى الشائعة ودلالتها على انتشار روح المحبة السائدة آنذاك. 

كانت المشاركة في الأفراح والاتراح الطابع الغالب على القرية. ومما يلفت النظر ورود أسماء وجيهة مسلمة إلى جانب الأسماء المسيحية في دفتر وقوعات الخطبة المدوّن في العشرينات والثلاثينات من قبل كاهن دير عطية الخوري حبيب مغامس. وفي أكثر من مرة ذكر الكاهن في مدوناته أسماء من حضروا الخطبة ومنهم شريف الزحيلي، مصطفى دعبول، محمد أمين الزحيلي وغيرهم. وهذا دليل واضح على عمق الصلات بين مسلمي دير عطية ومسيحييها.*كما أن عقود البيع والشراء و «الحجج» كانت تحمل تواقيع كلا الطرفين سوّية. 

ومقام النبي «غيلان*» المقدس عند المسلمين هو مقام (مار يوسف) المقدس عند المسيحيين*2. والظاهرة ذاتها نجدها في التقديس المشترك للشيخ عطية (مكان المتحف) من قبل المسلمين و المسيحيين. وهذه المشاركة في تعظيم مكانين شمال القرية وجنوبها لها دلالاتها، وعلينا التمعن بها من منظار عملية التعايش بين المسيحيين و المسلمين من جهة و من واقع تعاقب مؤثرات مسيحية ومؤثرات مسلمة في المنطقة. 

-روى عبد الله زرزور في لقائنا الثالث معه بتاريخ 20-5-1997، الخبر التالي، الذي سمعه عن أمه عدلة غرة قال: كان لحسن أمين غرة والد عدلة بستان في أراضي المشارات الواقعة إلى الشرق من «الشيخ عطية» (مكان المتحف الحالي). وكان في الحقل شجرتا جوز موقوفتان للشيخ عطية. وبعد قطاف هاتين الشجرتين كان بيت حسن غرة يسلمون نصف محصولهما إلى الخوري عيسى العجلوني. 

-التكتلات الاجتماعية المحلية لم تكن تجري على أساس ديني بل كانت تنعقد على أساس الحارات أو العائلات. وهذا الأمر يبدو جلياً في نزاعات المخاتير والخلاف على كيفية تقسيم حصة الوجهاء من أثمان المياه المباعة أو الغرامات المجباة وغيرها مما يقع تحت أيديهم. ويبدو هذا الأمر جلياً في الانقسام الكبير الذي جرى في الأربعينات بين «أهل المكسر» و «أهل البريكة» حيث انقسم المسيحيون كالمسلمين إلى فريقين واستمر الانقسام واضح المعالم أكثر من عقد من الزمن. 

-عدم وجود حزب ديني أو مذهبي في دير عطية، كما هو الحال في بعض المناطق. أما الأحزاب السياسية وهي (الشيوعي، البعث)، التي انتشرت في دير عطية، فقد ضمت بين صفوفها مسيحيين و مسلمين. ويمكن القول باطمئنان أن المشاعر الوطنية وروح العروبة هي التي كانت سائدة في دير عطية. فقد كان مجتمع دير عطية في طليعة من تبنى شعارات النهضة العربية وفي مقدمتها: المساواة في المواطنة وتبني الدعوة للقومية العربية ورفع علم «الدين لله والوطن للجميع». 

في تلك الأثناء في عهد صعود حركة النهضة العربية والتنوير الديني عاد الشيخ عبد القادر القصاب من رحاب الأزهر إلى قريته دير عطية عام 1314هـ-1896م. وسرعان ما أخذت ألسن الجميع في دير عطية من مسلمين ومسيحيين تتناقل صفات الشيخ الخُلقية وأحاديث عن ورعه وتقواه وسعة صدره ونصرته للمظلوم ودعوته إلى التآلف والمحبة. وقد توسعنا في هذا الأمر في الفصل المخصص للشيخ عبد القادر. لقد كان الشيخ عبد القادر القصاب كما ذكر ابنه الشيخ وفا «مع شدة حرصه على الدين، والتمسك بسنة النبي الكريم بعيداً عن التعصب، بريئاً من الطائفية البغيضة مكرماً لغير المسلمين، دافعاً عنهم الأذى ما استطاع». 

هذا الموقف النبيل الذي وقفه الشيخ عبد القادر انطلاقاً من تعاليم الإسلام السمحاء ودعوته إلى الإخاء والتعايش وعدم إيذاء المسيحيين ومناصرتهم في حال وقوع اعتداء عليهم، كان معروفاً من أجيال دير عطية، التي تربّت على هذا السلوك في النصف الأول من القرن العشرين. 

علينا أن نفرق بين الإسلام كعقيدة وهو أمر خاص بالمسلمين وبين الإسلام كحضارة وتاريخ وهما أمران شارك فيهما المسلمون والمسيحيون عبر مئات السنين. إن من يدرس «المجتمع المسيحي» في دير عطية، يرى بوضوح أن الوعي الاجتماعي لهذا «المجتمع» تمتد جذوره في أعماق التراث العربي الإسلامي. وليس ثمة شعور بالغربة عن التاريخ، بل الشعور السائد لدى المسيحيين أنهم كانوا وما يزالون أحد أعمدة الحضارة العربية الإسلامية. وما يزال عالقاً في ذهني من عهد الطفولة اهتمام المسيحيين بهلال رمضان كاهتمام المسلمين. وكان أمراً عادياً قيام النساء المسيحيات، كالمسلمات، بتزيين السيارة* وذلك بوقوف النساء على أسطح المنازل وربط المحارم في البيرق أثناء مرور موكب شيخ الطريقة الصوفية مع مريديه عبر أزقة القرية. وغالباً ما شارك الشبان المسيحيون في مراسيم «الدوسة»، التي سبقت الإشارة إليها. 

إن من يراجع أسماء المسيحيين، البالغ عددهم ألف ومئة نسمة، في سجل النفوس الموضوع عام 1900لا يجد أثراً للاسماء الغربية (الأوربية)، ونادراً ما يمر عند قراءة السجل اسم لأحد القديسين المسيحيين. فأسماء مثل بطرس وبولس و لوقا ومرقص … الخ كانت نادرة. والأسماء الطاغية هي الأسماء المشتركة بين المسلمين و المسيحيين*. وحتى بعد تعاظم التأثير الغربي إثر الاحتلال الفرنسي لسورية عام 1920 لا نجد أثراً للأسماء الغربية إلا نادراً. 

ما هي دلالات هذه الظاهرة؟..  

إنها دليل على أن مسيحيي دير عطية كانوا جزءاً لا يتجزأ من المجتمع ولم يكن لديهم شعور بالغربة، أو أنهم «غيتو» مغلق في بحر الأكثرية المسلمة، التي كان أفرادها غالباً ما يستعملون تعبير «إخواننا المسيحيين». 

مع تنامي الوعي الوطني في الثلاثينات وبفضل الروح الإنسانية التي نشرها الشيخ عبد القادر القصاب بين الجميع في القرية أخذ المسيحيون يشاركون في احتفالات المولد النبوي الشريف، الذي كان يُقام في ساحة الشقطي أو في الجامع التحتاني. ولم تقتصر المشاركة على الحضور بل كان يرافقها في كثير من الأحيان كلمات من المتمكنين من فن الخطابة من المسيحيين. فالأستاذ يوسف البطل ألقى كلمة في عيد المولد وبحضور الشيخ عبد القادر. والأستاذ عبيد البطل ألقى كلمة عام 1945 في الجامع التحتاني، كما ذكر لي في أحد اللقاءات معه. 

4ـ أحداث 1860في دمشق لم تمتد إلى دير عطية. 

أدت جملة عوامل داخلية (حركة الإصلاحات في الدولة العثمانية) وخارجية (هجوم الرأسمال الأجنبي ورغبة الدول الاستعمارية في السيطرة) إلى إشعال نيران الفتن الطائفية التي ابتدأت في جبل لبنان وامتدت في تموز 1860 إلى دمشق. وقد أدت هذه الفتنة إلى حرق الحي المسيحي في القسم الشرقي من دمشق وقتل أعداد كبيرة في بيوتهم. هذه الفتنة ذات جذور اقتصادية –اجتماعية اتخذت مظهراً دينياً لا يتسع المجال هنا لتقصي أسبابها. ولكن لا بد من الإشارة إلى دور والي دمشق الرجعي احمد عزت باشا المعادي لحركة الإصلاحات (التنظيمات) في الدولة العثمانية في تأجيج نار الفتنة وتهيئة الرعاع نفسيّاً ودفعهم للهجوم على الحي المسيحي في 7تموز  1860(10). ومع أن قوى التنوير الإسلامي في دمشق سعت جاهدة للحد من اشتعال النيران الطائفية، إلا أنها لم تكن قادرة إلى درجة منع «جهلة المسلمين» حسب تعبير الشيخ عبد الرزاق البيطار(11) ، من الاندفاع وراء قوى الظلام والتدمير والسلب والنهب. 

وصلت أخبار الفتنة إلى دير عطية وتخوّف المسيحيون من ردود الفعل الطائشة ضدهم، وسرعان ما قرروا الاتصال بوجهاء الضيعة من المسلمين وفي مقدمتهم المختار أبو سليم شنينة، الذي أخبرهم-حسب الرواية المسيحية- أنه وصلته رسالة تحريضية من دمشق «لذبح النصارى» فأخفاها ولم يطلع عليها أحداً. ولنترك المعمّر ملحم دندن يروي لنا القصة كما سمعها من عمته حنة12:  

«… ارسلت الحكومة تقارير بذبح المسيحيين ومن الجملة جاء تقرير إلى مخاتير دير عطية وقد بدأت الاخبار والحوادث تصل إلى القرى فاجتمع المسيحين (هكذا وردت) عند مختارهم وتداولو في الأمر فقر رأيهم أن يرسلوا 4 أشخاص

        للمداولة مع مختار الاسلام في حارة الفوقة لأن حارة الفوقة خليط من اسلام ومسحين فذهبو ومعهم جدي وكان مختار الحارة في تلك الايام أبو سليم شنيني. فكان المتكلم جدي فقال له يا ابو سليم قد سمعنا أنه أتاك تقرير بذبح المسيحيين فهل هذا صحيح فقال له ابو سليم: صحيح. ولكن لا تفزعو فأنا واياكم على اتفاق ولا يكون لكم فكر بهذا الخصوص فنحن وإياكم عائشين سوية ولا فرق بيننا.. وما صار في دير عطية شيء وانه صار بفضل التفاهم». 

ما كتبه ملحم دندن عن موقف مختار دير عطية من أحداث دمشق عام1860 ذكره لي الاستاذ عبيد البطل(13) (مواليد 1917) نقلاً عمّا سمعه من المسنين في دير عطية، وهو تأكيد لرواية ملحم دندن وبرهان على عمق جذور المحبة والوئام بين المسلمين و المسيحيين. ودليل على أن الأسباب الاقتصادية والاجتماعية، التي أدت إلى أحداث 1860 لم يكن لها جذور في دير عطية خاصة و القلمون بعامة. وقد أشار يوسف موسى خنشت، النبكي المسيحي، في مفكرته عام 1908 إلى دور آل سويدان (أغوات حسية) في منع امتداد النزاع الطائفي من لبنان إلى القلمون. 

بعد أحداث 1860بمدة يسيرة بُدئ بتطبيق ما أقرته «التنظيمات» أي الإصلاحات العثمانية ومن جملتها ما جاء في الخط الهمايوني من «السماح للطوائف غير الاسلامية بالحرية في ممارسة شعائرها الدينية وبناء معابدها بشروط يتوافر فيها التسامح». وهكذا بنى المسيحيون قبة للناقوس (هي غير البرج الحالي المبني عام 1928) وجاء مطران الروم الأرثوذكس في حدود عام 1910 من زحلة لتدشين رفع الناقوس. وقد تميزّ احتفال التدشين بمشاركة عدد من وجهاء دير عطية المسلمين في الاحتفال. وقام المختار أحمد دعبول بدق الناقوس بيديه تعبيراً عن التسامح السائد في دير عطية وترسيخاً لروح المحبة والإخاء بين المسلمين و المسيحيين، وإيذاناً بدخول عصر التنوير. 

والملاحظ أن الاتجاه الديني المتزمت لم يكن له وجود يذكر في دير عطية قبل سبعينات القرن العشرين. فالتسامح والإخاء والمحبة، التي رسّخ دعائمها الشيخ عبد القادر القصاب في العقود الأولى من القرن العشرين كانت هي السائدة. وظواهر التسامح والإخاء والمحبة التي تعمقت جذورها في قرية دير عطية بفضل الشيخ القصاب وانتشار أفكار التنوير والنهضة في دير عطية انتشاراً واسعاً، لا يمكن أن تقتلعها الرياح العاتية مهما جَمَحتْ…. 

6 ـ «الوحدة الوطنية في المعيار الشرعي» للدكتور وهبة الزحيلي. 

انتهينا من كتابة هذا الفصل في أواخر ثمانينات القرن العشرين..ودارت الأيام دورتها… وفي 13/8/1998 ألقى الأستاذ  الدكتور الشيخ وهبة الزحيلي الأستاذ في كلية الشريعة وصاحب مؤلفات دينية أكاديمية عديدة محاضرة في المركز الثقافي العربي بدير عطية تحت عنوان: «الوحدة الوطنية في المعيار الشرعي»، أعاد فيها إلى الأذهان منطلقات الشيخ عبد القادر القصاب الإسلامية المتنورة مضيفاً إليها ما عُرِفَ عن الدكتور وهبة من سعة العلم ومنهجية البحث والتمكن من الأحكام الشرعية. وقد أحاط الدكتور الزحيلي في محاضرته، بما وصلت إليه الأحوال العالمية في أواخر القرن العشرين وموقف الإسلام منها وبخاصة ما تعلق بموضوع المحاضرة. 

وقد تكرّم الدكتور وهبة، مشكوراً، وقدم لنا نسخة مكتوبة عن المحاضرة*، التي ألقاها ارتجالاً، حيث قمنا بنقل مقتطفات منها، وهي أسطع برهان على ما كتبنا في هذا الفصل المطوّل عن التعايش بين المسلمين و المسيحيين في دير عطية. 

أهم ماجاء في محاضرة الدكتور وهبة الزحيلي، بما له علاقة بموضوع هذا الفصل هو التالي: 

«…والكلام في هذا الموضوع يعتمد شرعاً وعرفاً وقانوناً اجتماعياً على المقدمات التالية: 

  1. ليست العبرة في الأحداث الحاصلة والحكم عليها بالحوادث الفردية الشاذة، وإنما بما تقره الجماعة وتعبر عنه الإرادة العامة من تصرفات ومواقف. 
  2. الوطن والمواطنة حق مشترك لجميع أبنائه على السواء. 
  3. التسامح والتآخي وتبادل الود في حال التعددية المذهبية والدينية والاجتماعية، ينبغي أن يكون ملحوظاً ومراعى من جميع الفئات. 
  4. الحكم على الأوضاع والتصرفات في عالم الحياة الدنيوية لايختلف بسبب أي مظهر من مظاهر التعدديات القائمة في المجتمع. وإنما يختلف الحكم في عالم الآخرة، ويترك الشأن في حساب الخلائق لله عز وجل، وبمقتضى عدله وسلطانه وفي مظلة رحمته، والبعد عن الظلم. 
  5. رحمة الله تعالى للبشر في عالم الدنيا، سواء في الرزق والصحة والمنصب التفوق وألوان العطاء ومواهب الفكر والقوة البدنية وغيرها تشمل جميع البشر، دون أن يكون للإيمان والكفر دخل في التمييز..». «وتجمُّع فئات المجتمع في مظلة دولة واحدة، صغيرة أو كبيرة: أساس لتقدم الدولة وتحضرها، ودفع عجلة النمو والازدهار فيها، بل إن قوة هذه الدولة تكون بمدى تعاضد أبنائها ومؤازرة بعضهم لبعض». «ويمكن تعريف الوحدة الوطنية بأنها: اندماج جميع العناصر والمذهب وتكتل جميع القوى وصهرها في صف اتجاه واحد، في السلم والحرب معاً». «ومن مظاهر التسامح مع غير المسلمين، المفضي إلى التعايش الودي، وكفالة حرية ممارسة عقائدهم وطقوسهم الدينية، وتوفير حريتهم وكرامتهم، وجعلهم مواطنين في المجتمع مندمجين فيه، ليسوا من الدرجة الثانية كما يروج بعضهم، وهو ما يأتي من مظاهر خمسة: 
  1. توفير حرية ممارسة مقتضيات عقائدهم، من مراسم وشعائر وطقوس في كنائسهم، واحترام عاداتهم وأعرافهم، واللجوء إلى مجالسهم الملية في مسائل الأحوال الشخصية. 
  2. تركهم وما يدينون، ولهم مالنا، وعليهم ما علينا، وترك جدالهم إلا بالتي هي أحسن، كما جاء في النص القرآني: «ولاتجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن، إلا الذين ظلموا منهم…». 
  3. إقامة جسر عملي في الحياة العملية من طريق مصاهرة المسلم أهل الكتاب وأكل ذبائحهم والأكل معهم وموادتهم ومجاملتهم في أفراحهم وأحزانهم، وعيادة مرضاهم والتعزية في موتاهم.. 
  4. المساواة في تولي الوظائف العامة: فقد كان بعض غير المسلمين وما زالوا يشغلون وظائف إدارية وسياسية ومالية في الدولة الإسلامية، منذ عهد الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وفي الخلافات المتوالية: الأموية والعباسية والعثمانية. لكن تستثنى رئاسة الدولة والجيش ووزارة التفويض (رئاسة الوزارة) لأعراف ومصالح عليا متعارف عليها حتى الآن بين الدول الحديثة… 
  5. احترام الكرامة الإنسانية والأعراض والحرمات والأموال والملكيات، لقول الله تعالى: «ولقد كرمنا بني آدم…» (الإسراء: 70). وتحريم إيذاء غير المسلمين المواطنين، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من آذى ذمياً فأنا خصمه، ومن كنت خصمه خصمته يوم القيامة»(1). وفي حديث آخر: «ألا من ظلم معاهداً، أو انتقصه، أو كلّفه فوق طاقته، او أخذ منه شيئاً بغير طيب نفس، فأنا حجيجة يوم القيامة»(2). «من قتل معاهداً لم يرح رائحة الجنة»(3). «ومن مظاهر التكريم أن القرآن الكريم أطلق على غير المسلمين الذين يعيشون في المجتمع مصطلح «أهل الكتاب» أي الكتابيين الذين نزل عليهم كتاب سماوي على موسى وعيسى عليهما السلام. وإذا أطلق عليهم الفقهاء لفظ «أهل الذمة» أو «الذميين» فليس ذلك مشتقاً من الذمّ، كما يفهم بعض العوام، وإنما ذلك مستمد من الذمّة، أي أهل العهد والأمان والضمان… لذا فإن الإسلام يبرأ من أي أعمال شائنة أو طائشة، يرتكبها بعض الجهلة أو الحمقى، بتحريض بعض الجهال، ورعونة بعض المتنفذين أو الولاة الجائرين». «أما الجزية التي أصبحت في ذمة التاريخ….». «إن الإسلام الحريص على السلم المستعر والأمان الدائم مع غير المسلمين يحرص على إقامة مفهوم التعايش الودي بين فئات المجتمع، على نحو عملي وطيد الأركان، لاتهزه الأهواء، ولاتعصف به محاولات الدسّ والفتنة، وتشويه الحقائق، وسوء فهم الدين وأحكامه، وهو ينطلق من الثوابت والقواعد الأصلية التالية: 1ً- التعايش الديني والودي في ظل التعددية المذهبية والاجتماعية ضرورة إنسانية حضارية.. 2ً- يقوم التعايش في ظل الإسلام على جوهر الحوار الهادئ لتبادل المعارف وحل المشكلات وينبذ العنف والإرهاب، وقسر العقل والفكر.. 3ً- يهدف التعايش إلى نشر ألوية السلم والأمن والأمان والإيمان، والقضاء على مختلف ألوان الخصام والنزاع الذي يهدد كيان الأمة والمجتمع….». «والتاريخ المعاصر يثبت ضرورة التأكيد على الوحدة الوطنية، لتنصبَّ كافة الجهود لإعلاء صرح البلاد، ومقاومة الاستعمار بشكليه القديم والحديث، ولاسيما الاستعمار الاقتصادي، والعمل على استرداد الحقوق المغتصبة في فلسطين، والتخلص من شرور الصهاينة. بذرة الفساد والفتن، وسبب التخلف والتأخر، ذلك لأن الضرر والخطر يلحق بجميع أبناء الوطن الواحد. وإن مما يشرّف أن المجتمع السوري يفخر منذ القديم بتجاوز الظاهرة الطائفية، والحزازات المذهبية… والخلاصة: إن دماء المسلمين وغير المسلمين سواء… وإن حقوق المسلمين وواجباتهم وكذلك غيرهم سواء.. وإن العدل والمساواة والحرية أساس المعاملات في كل مجال». (انتهى النقل الحرفي من محاضرة الأستاذ الدكتور وهبة الزحيلي، التي ألقاها كما ذكرنا في دير عطية في 13 آب 1998). حواشي الفصل الحادي والعشرون 
  1. القرضاوي يوسف: «غير المسلمين في المجتمع الإسلامي». 
  2. كرد علي محمد: «خطط الشام» المجلد الرابع. 
  3. القرضاوي..ص65. 
  4. المصدر نفسه، ص66-67. 
  5. موسوعة الحضارة (3)، ص163. 
  6.  لقد سقط المصدر، مع الأسف من أرشيفنا.  
  7. في لقاء مع الأستاذ مصطفى الحاج ابراهيم بتاريخ 3-5-1996. 
  8. في لقاء مع زكي سالم بتاريخ 2-6-1993. 
  9. في لقاء مع عبد الله زرزور بتاريخ 20-5-1997. 
  10. راجع حنا عبد الله: «حركات العامة الدمشقية في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر». الباب الخامس «الخلفيات السياسية والاجتماعية لفتنة 1860 في دمشق»، بيروت 1985. 
  11. البيطار عبد الرزاق: «حلية البشر في تاريخ القرن الثالث عشر»، حققه ونسقه وعلّق عليه حفيده محمد بهجت البيطار. دمشق 1961، ص18. 
  12. لقاء مع عبيد البطل في 2-6-1977. 
  13. مذكرات خالد القليح الدفتر 5. 

* أوضح الاستاذ الدكتور وهبة الزحيلي، الذي قرأ هذا الفصل، إن «هذه الظاهرة سببها أن الخضر العبد الصالح ليس مقصوراً تكريمه على المسيحيين، وإنما احترامه والتبرك بسيرته شائع بين المسلمين أيضاً، لأن قصته مع موسى عليه السلام مذكورة في سورة الكهف من القرآن الكريم.    

* كتب الاساذ الدكتور وهبة الزحيلي، الذي قرأ هذا الفصل أن: «إطلاق صفة النبي على غيلان غير ثابته وغير صحيحة، فلا يوجد بين الانبياء من يُسمى بهذا الاسم، وإنما هو صحابي جليل، لذا أُطلق على الجامع الذي جدد أخيراً من قبل أبي سليم اسم غيلان الثقفي.   

*2 جاء في كتاب دير عطية لمرعي مليسان الصادر في عام 1959 ص90 مايلي: «وهنالك مكان آخر في القطاع الجنوبي من دير عطية يسمى بالنبي غيلان لدى المسلمين ودير القديس يوسف غيلان لدى المسيحيين. إلا أنه لهذا الدير وقف عائد للكنيسة الارثوذكسية هو عبارة عن حقل وقفه الياس غيلان أحد آل غيلان القدامى ويشير إلى ذلك (ما كُتب على هامش) انجيل مخطوط يعود إلى 500سنة كما ذكر لي أحد أخوتنا المسيحيين»      

* راجع فصل الطرق الصوفية لمعرفة موكب السيارة، الذي كان يجول في الشوارع الرئيسية للبلدة. 

* ذكر الاستاذ مصطفى الحاج ابراهيم عدداً من تلك الاسماء المشتركة: عبد الله، يوسف، ابراهيم، كمال، توفيق، وفاء، يسرى، نادر، سليم، عبدو، فايز، عيسى، عبود، سعدى، جميلة، الياس، نديم، نديمة، مريم، زكي، زكية، دلال، فيصل، مسعود..الخ. 

* نود أن نشير أن زمالة التلمذة جمعت المؤلف مع وهبة الزحيلي في الصف الخامس الابتدائي، الذي ضم في العام الدراسي 1945-1946 تلامذة مسلمين ومسيحيين سادت بينهم روح المودة والإخاء، التي عطّر شذاها، معلم الصف، الأستاذ محمد رضا الخطيب. 

(1) رواه الخطيب البغدادي عن ابن مسعود، وهو حديث حسن. 

(2) رواه أبو داود البهيقي. 

(3) رواه البخاري ومسلم  وابن ماجة.