كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

هيكل سليمان- انهيار الخرافة ح2

لطفي السومي- فينكس:

أ- الدراسات التوراتية: تنسب التوراة إلى سليمان بناء ما يسمى هيكل سليمان في عاصمته أورشليم، و سنبيّن خرافية هذا العمل من خلال دراسة ما ورد عن الهيكل من أوصاف في التناخ (العهد القديم) حيث ورد في سفر الملوك الأول، الإصحاح السادس ٢، ٣ (و البيت الذي بناه سليمان للرب طوله ستون ذراعاً وعرضه عشرون ذراع)، وبما أن الذراع في تلك الفترة يساوي ٥٢ سم فإن مساحة الهيكل تساوي ٣١،٢ ضرب ١٠،٤ ويساوي ٣٢٤،٤٨ متراً مربعاً، أي أنه يساوي شقة كبيرة، ولكن ما يجعله مفاجأة خيالية هو أنه قد استعمل ١٨٣٣٠٠ عاملاً في بنائه، و استغرق البناء سبع سنوات، فهل يمكننا أن نتصور حجم الخيال الذي استطاع تدبيج مثل هذه الخرافة! خاصة إذا علمنا أن مجمل سكان ما أصبح يهوداً حسب المسح الذي أجراه اسرائيل فنكلشتاين في القرن العاشر الميلادي لا يتجاوز ٥٠٠٠ نسمة! كما أن الذهب الذي استعمل في إكساء جدرانه وصنع أدواته يفوق الخيال. و لا أريد ان أدخلكم في خيالات أعماله العمرانية ومدى سلطته وعظمته حيث كان (و كان سليمان متسلطاً على جميع الممالك من النهر (نهر الفرات) إلى أرض فلسطين و إلى تخوم مصر، كانوا يقدمون الهدايا ويخدمون سليمان كل أيام حياته) الملوك الأول- الإصحاح الرابع ٢١ ،٢٢.
كما (كان لسليمان ٤٠٠٠٠ مذود لخيل مركباته و اثنا عشر ألف فارس) الملوك الأول، الإصحاح الرابع ٢٦، ناهيك عن النساء والجواري، كما أنه قد تزوج ابنة الفرعون، بينما عجز ملك الحثيين عن الزواج من أية أميرة فرعونية لأن ملوك مصر كانوا يرفضون تزويج الأميرات من غير أمراء مصريين (و صاهر سليمان فرعون ملك مصر و أخذ بنت فرعون و أتى بها الى مدينة دَاوُدَ) الملوك الأول، الإصحاح ٣: ١. كما أنه قد بنى مدينة تدمر في البادية السورية (و بنى سليمان جازر وبيت حورون السفلى وبعلة وتدمر في البرية في الأرض وجميع مدن المخازن التي كانت لسليمان) الملوك الأول- الإصحاح التاسع ١٧،١٨.
و يلا حظ أن البدو في بلادنا والذين لا يمكنهم تصور إمكانية بناء أمثال تدمر وهيكل بعلبك وحصن سليمان وغيرها فإنهم ينسبونها إلى الجن الذين يأتمرون بأمر سليمان لأنه كان ملك الانس والجن وكان يأمر الطيور بلغتها.
لقد كان صاحب العظمة هو ابن دَاوُدَ الذي خاطبه يهوه قائلاً (اذهب وقل لعبدي دَاوُدَ هكذا قال الرب، أأنت تبني لي بيتاً لسكناي، لأَنِّي لم أسكن في بيت منذ يوم أصعدت بني اسرائيل من مصر الى هذا اليوم، بل كنت أسير في خيمة وفي مسكّن، في كل ما سرت مع جميع بني اسرائيل) الملوك الثاني، الإصحاح ٧ / ٦،٧. فهل نستطيع ان نتصور كل هذه العظمة الداوودية السليمانية لشعب يعترف إلهه أنه كان إلى ذلك الوقت شعباً بدوياً يسكن الخيام، بينما وفجأة يتحول ملكيه الأسطوريين إلى بلاطات فاقت بلاطات كلا من الأسر المالكة في أوروبا، رومانوف، وهابسبورغ، وبوربون، ووندسور. 
وبينما نرى كل عظمة سليمان وهيكله، فإن "التناخ" يخبرنا أن الملك يوشيا (٦٣٩ - ٦٠٩ ق. م) المتشدد دينياً كما يقولون قد قام بتدمير كل رموز العبادة الكنعانية في هيكل أورشليم، أي أن الهيكل في أورشليم كان لا زال هيكلاً كنعانياً لا علاقة له بيهوه وعبادته، حيث ورد في التناخ (و أمر الملك حلقيا الكاهن العظيم وكهنة الفرقة الثانية وحراس الباب أن يخرجوا من هيكل الرب جميع الآنية المصنوعة للبعل وللسارية (عشتار) ولكل أجناد السماء وأحرقها خارجأاورشليم في حقول قدرون......) الملوك الثاني ٢٣: ٤ ، ٦. مع أن يوشيا قد ملك بعد سليمان بحوالي ٣٠٠ سنة والهيكل لا زال كنعانياً.
نختم هذه الحلقة بأن مدينة القدس قد نقبت كما لم تنقب مدينة أخرى في العالم من قبل عشرات البعثات الأثرية منذ وارن من صندوق استكشاف فلسطين عام ١٨٦٧م وحتى الآن، وكان البحث عن هيكل سليمان هو الهدف الأهم لهذه البعثات، ولكنها كلها قد باءت بالفشل وخرجت بخفي حنين، وسيظل بقايا من يصرون على الخرافة التوراتية يبحثون في سراب عقولهم، وسنقدم في الحلقة الثالثة ما يقوله أهم علماء الآثار وعلماء الدراسات التوراتية عن نتائج البحث.
يتبع 
رابط الحلقة الأولى:

هيكل سليمان- انهيار الخرافة