الرئيس الترند
2024.11.06
نبيل صالح
يبدو ترامب معني بالمستقبل أكثر من اهتمامه بمصير البشر الذين سيعبرون إليه، فهو يمثل مزاج العالَم الإفتراضي وليس الواقعي، وهذا مادفع أيلون ماسك للتحالف معه، فترامب رجل جامح غير مثقف يتبع غريزته وتجربته ولايهتم لنصائح الخبراء والمثقفين ومنطقهم، فهو أقرب إلى فلسفة القوة النيتشوية التي قالت بموت الإله القديم منه إلى فلسفة اسبينوزا التوفيقية بين الفيزيك والميتافيزيك.. إنه مقاول يحب مال الناس والعقارات أكثر من أولئك الذين سيشترونها ويقطنونها، وبالتالي هو جيد للتقدم والغنى والقوة وسيئ للإنسان وميزاته الروحية والأخلاقية..
صحيح أن الحزب الجمهوري والديمقراطي كفردتي حذاء، غير أن اللوبي اليهودي هو من ينتعلهما، وبالتالي فإن العرب خاسرون في كل الأحوال وهم ليسوا أكثر من براميل نفط بالنسبة لترامب، بينما كيان الصهاينة هو الضامن لاستمرار تدفق النفط على شكل نهر من الدولارات...
الصين هي العدو الخطير بالنسبة لترامب وسوف يشن حروبا تجارية ساحقة ضدها، ولن تخرج الصين عن سياساتها المراوغة التي لاتحتاج إلى استخدام الجيوش والسلاح، فسياسة الصينية تشبه ابتسامة الرجل الصيني: لا تعلم أهي ابتسامة حب ام بغضاء..
وأما روسيا فإن الحرب تعزز استبداد بوتين، بينما المصالحة مع أوكرانيا سوف تضعف هيمنته على المجتمع والاقتصاد وتستعيد دور التجار والمافيات والسماسرة الروس الذين يفكرون مثل ترامب وليس بوتين، فترامب رجل وطنه المال وأمريكا مطبعته، وهذا سيسعد المافيا الروسية وشايلوكات اللوبي اليهودي ويحرك أعمالهم وينمي استثماراتهم، وبالتالي فإن انضمام أوكرانيا إلى الإتحاد الأوروبي وليس الناتو هي الفتوى والحل الذي يرضي الجميع، ماعدا الممثل الشاذ زيلنسكي الذي يظن نفسه بطلا لمجرد ارتدائه الزي العسكري خارج الجبهات!؟ وبالطبع فإن الأمر مشابه بالنسبة لإيران حيث الحرب تشد عضد المحافظين وتضاعف سيطرتهم وتضعف الإصلاحيين ولابأس من إعادة لعبة التفاوض على الحلم النووي يينما يتمكن الإصلاحيون من استكمال احتلال مؤسسات الدولة وتحرير العلمانيين من قبضة الإسلاميين وفتح النافذة للعشيق الأمريكي..
أوروبا العجوز ستبقى ممسحة ولكن مستواها سيتدنى إلى مستوى تلميع حذاء ترامب، وهذا ما سيمنع العالم من العودة إلى التنوير والتفكير الفلسفي العقلاني والمسرح الوجودي بعد انتقاله إلى العالم الإفتراضي الذي يزيف كل شيء حتى ليبدو الكلب خلف الشاشة وكأنه الرئيس ترامب!؟
بالنسبة لسورية فإنها لاتهم ترامب كثيرا ولن يصرف فلسا واحدا لعملاء قسد طالما أنه لا يأخذ مقابله، فكلفة حماية قواعده أكبر من عائداتها، وبالتالي ستدفع قسد إلى المصالحة والإنضواء داخل الدولة السورية مع مستحقات الأكراد القومية لا أكثر، وهذا ماقد توافق عليه تركيا وتتوقف عن قصفهم بتهمة الكردستاني، هذا إذا تذكر ترامب أن هناك بلادا اسمها سورية ومدينة اسمها حلب خرج جده منها كما تقول بعض الروايات، فترامب فعليا يشبه بعض الأثرياء الحلبيين السمان الذين يتقنون التجارة والصناعة أكثر من إنتاج السياسة التي يلعب بها تحار دمشق وغرفتهم منذ تأسيس أقدم سوق في العالم : السوق الذي أنتج مدينته على شاكلته وصورته..
بخصوص فلسطين وشعبها الثائر لاشيء قد يتغير، وسوف تستمر فردة حذاء اليمين الأمريكية باللحاق بفردة اليسار.. ونكمل لاحقا عن الرئيس التريند الذي سيشغل العالم لأربع سنوات لاحقة من المفاجآت..
هامش: بعد الحرب العالمية الأولى كتب الروائي الإنكليزي "ألدوس هسكلي" رواية مستقبلية بعنوان "عالم جديد" تخيل فيه أن القيم الإنسانية ستختفي وستتحول الفضائل إلى رذائل، وسيتحلل نظام الأسرة والزواج الشرعي ويتم إنتاج البشر صناعيا، حيث يكتمل تصميمهم كآلات بلا مشاعر أو أي حرية شخصية.. ليس الآن وإنما بعد ستة قرون كما يتوقع هسكلي، ذهب منها قرناً، ويبدو أننا في حالة تسارع بحيث بات القرن يُختزل بعقد من السنوات..