كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

منير عبد الله كما عرفه نصر شمالي

نصر شمالي

في زمن الضياع العام هذا.. في زمن المشقات المعيشية الرهيبة هذا.. تذكرت أحد المتميزين في ميادين مساعدة الناس عموما، وبخاصة من أنهكتهم مشقات الحياة، وفي جملتها تعسف وفساد وظلم أجهرة السلطة.. إنه المحامي الأستاذ منير عبد الله (1928 - 2022) من مواليد منطقة بانياس في محافظة طرطوس، ومن كبار المناضلين السوريين في الميادين التربوية والحقوقية، والسياسية القطرية والقومية.
منذ شبابه الأول في عقد الأربعينيات، وقد استقر الأستاذ منير مقيما دائما في دمشق على مدى حوالي ستين عاما وتوفى فيها.. وطيلة حياته العامة كان متفانيا في مناصرة ودعم حركات التحرر العربية جميعها، وعلى صلة مباشرة بكثير منها، وكان متفانيا كمحام في مناصرة ومساعدة العاملين في الدولة لاسترداد حقوقهم التي منعتها عنهم أجهزة السلطة بصفتها رب العمل، وقد حدث أنني كنت واحدا من العاملين في الدولة، ومن الذين نجح الأستاذ منير رحمه الله في استرداد حقوقهم، ففي أواخر السبعينيات، بعد خمس سنوات قضيتها في السجن للمرة الثانية من دون تهمة ولا تحقيق ولا محاكمة، سعيت للإفراج عن راتبي الوظيفي الموقوف بدوره، أو الممنوع من الصرف بتوجيه شفاهي (من فوق) منذ أوائل السبعينيات، أي منذ ما قبل ثمانية أعوام، ففشلت في سعيي، ولجأت إلى المحامي الأستاذ منير عبد الله الذي نجح بعد عامين من الجهد، في العام 1982، في الحصول على حكم قضائي بالإفراج عن راتبي الموقوف بأمر شفاهي! لكن وزير الإعلام حينئذ، المرحوم أحمد اسكندر، أبلغني أن تنفيذ حكم المحكمة لن يتحقق إلا إذا قدمت استقالتي! وأن هذا ليس موقفه بل (توجيه من فوق)، ومن دون تردد وعلى الفور كتبت له استقالتي، فقد كنت غارقا في الديون وبأمس الحاجة! وكان ذلك، فقبل الوزير استقالتي ووضع موافقته الخطية وتوقيعه عليها فور انتهائي من كتابتها! ثم أفرجوا عن رواتبي، واستطعت أن أنشىء مكتبي، مكتب الخدمات الطباعية، الذي كان الأستاذ منير عبد الله يكرمني بارتياده.
(الصورة: 94 عاما من الحياة اللائقة بمناضل مستقيم)