كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

عن عالم الكتب

نصر شمالي
أعود وأروي مكررا أنني اقتنيت في حياتي الكثير من الكتب وطالعت الكثير منها، ومنذ غرقت بكليتي في الحياة العامة وهمومها، صرت أختار الكتب وأطالعها بناءً على احتياجي لها في فهم ومواجهة الهموم العامة الميدانية المباشرة.

والكتاب الذي أحتاجه عملياً كنت أبدأ بقراءته فور شرائي له ولا أتركه حتى أنتهي من قراءته وآخذ منه ما أريد، أي أن مطالعاتي لم تكن للتخزين أوللعرض والاستعراض، ولا لمجرد الفضول، أو لتزجية الوقت والمتعة، بل للاستعانة بمعلومات الكتاب في التعامل مع الحياة الواقعية التي أعيشها.

وقد حدث أثناء عملي في الصحافة، في أوائل الستينيات، أن كتبت مقالة عن بعض أحوال الريف السوري، فرأى رئيس التحرير (المرحوم الأستاذ مصباح دبجن) أن المقالة مهمة وتستحق أن تنشر كموضوع أول في المجلة، وكان ذلك، وفي اليوم التالي جاءني زميلي في العمل المرحوم أحمد إسكندر أحمد (الذي شغل في ما بعد في السبعينيات والثمانينيات منصب وزير الإعلام) يقول لي أنه مكلف بتبليغي أن أتوجه فوراً إلى القيادة القومية للحزب حيث ينتظرني الأستاذ جبران مجدلاني رئيس مكتب الثقافة والإعلام القومي، وقد لبيت الاستدعاء على الفور، ودخلت مكتب الأستاذ جبران، وإذا به، قبل أي سلام أو كلام أو دعوة للجلوس، يبدأ بسؤالي عن المقالة الفلاحية باستنكار وغضب، قائلاً أنها مقالة ماركسية لا تتفق أبداً مع فكر الحزب، وأنه يستغرب أن يكتب بعثي هكذا مقالة.. الخ! وقد أجبته أن المقالة هي محصلة زياراتي ومعايناتي الميدانية المباشرة في ريف حماة، وأنني لم تخطر في بالي وأنا أعدها أية نظرية أو آيديولوجية.. الخ إلخ الخ! وقد رأيت موقفه يتبدل كأنما أحس بأنه تسرع، وبخاصة أن بيننا معرفة سابقة طيبة، فبدل لهجته وكأنه اقتنع بأجوبتي، وانتهى اللقاء بمودة، لكنني خرجت من عنده وتوجهت فوراً إلى مكتبة دار دمشق، واقتنيت عدداً من الكتب الرئيسية لماركس ولينين، لأنني لم أكن قد قرأت حتى ذلك اليوم كتاباً ماركسياً واحداً يستحق الذكر، بل مجرد كراسات ماركسية قليلة جداً!

قلت لنفسي: ينبغي أن لا أتعرض لموقف كموقفي مع جبران فتنسب إلي (تهمة!) نشر أفكار من نظرية أخرى لا أعرفها حق المعرفة!

وقد واصلت الاطلاع على الكتب الماركسية حتى صرت ملماً بها إلماماً كافياً (ربما أكثر من بعض الماركسيين) إنما من دون أن أتحول إلى ماركسي، حيث ماركس نفسه، كما قرأت له، أعلن في حياته أنه ليس ماركسياً.