كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

حديث شَرَوي غَرَوي.. في الطبخ والسياسة

معن حيدر

طالما استوقفتني كثرة أنواع الأرز المعروضة في السوبر ماركات، منها الطويل والقصير والبسمتي والياسمين Jasmin والأرز مسبق الغلي Parboiled
والأرز غير المقشور (كامل الحبوب Fullkorn) والأرز الأسود، وهو أيضا كامل الحبوب
ولكل منها تعليمات خاصة للطبخ مكتوبة على الغلاف، تتعلق بمدة النقع وطريقة ومدة الطبخ وكمية الماء.
لون حبة الأرز الكامل غير المقشور ذهبي (أو حنطي)، وبعد الطبخ يصبح مثل القمح المسلوق تماما شكلا وطعما.
يقول غوغل إنّ الأرز زُرع في شرق آسيا منذ أكثر من ألفي عام، وعُرف في بلادنا منذ القدم.
أما في العصر الحديث فأعتقد أنّ لبريطانيا، كدولة مستعمِرة لبلاد شرق آسيا ودول الخليج والعراق والكويت ومصر، دور كبير في جلبه وفي تكريس ثقافته في الطعام بدلا من ثقافة القمح والبرغل.
وأذكر أنّه حتى الستينيات كان الأرزّ بيبرود لا يُطبخ إلاّ في المناسبات وبشكل رديف للبرغل، وكان عدد قليل من النساء فقط يُجِدن طبخ الأرز ( فلفلة الرز) كما كانوا يقولون.
وعن الأطعمة نقرأ في كتب التاريخ أنّ الفُرس قد أدخلوا إلى بلادنا الكثير من الأكلات
أشهرها حلويات: الفالوذج واللوزينج، وتُصنعان من العسل والقشطة والسمن البلدي والعجين
وتذكر الكتب أنّ أعرابيا تذوّقهما فطار لبّه وقال مدهوشا: والله لقد حدّثونا عن الجنّة ونعيمها، وأشهد أنّ هذا هو النعيم بذاته.
و ع البيعة، تقول الكتب إنّ الفُرسَ دهاةٌ طويلو الأناة، يستطيعون أنْ يذبحوا بخيط قطن.
ومن بلادنا بلاد الشام، أخذ العثمانيون كل أكلاتنا من المطبخ الشامي ونسبوها لهم، وأولها القهوة العربية.
ومع انفتاح العالم على بعضه بدءا من منتصف القرن الماضي بدأنا نسمع عن ونتذوق:
الحلويات والأجبان الفرنسية.
والبيتزا والسباكيتي والماكروني الإيطالية.
والسلطة الروسية (سالاد دي روس).
والسوشي اليابانية.
والخبز الألماني.
والأكلات الصينية ذات الطعم المحيّر (المر والحلو والمالح والمز والحامض)
والأسادو الأرجنتينية، وهي عبارة عن قطع كاملة من اللحوم تُشوى بطريقة خاصة على الفحم تشبه طريقة المسقوف العراقي لشيّ السمك.
ثم جاءت أم الهمايم أمريكا التي هضمتْ أكلات العالم كلّه وأنتجتْ منها (صرعات) جديدة كعادتها، مثل:
الهامبورغر والبروستد والكنتاكي والكتشب والكولا والبيتزا هوت والفرنش فرايز
وعمّمتها على العالم كله من شرقه لغربه
وأدخلتْ أيضا ثقافة الذُرَة وزيتها
وأذكر أنه في الثمانينيات صدر قرار ألزم المزارعين في سورية بتخصيص ثلث أراضيهم لزراعة الذُرة.
وأذكر أيضا أنّنا كنا في زيارة رسمية لليبيا في إحدى المناسبات، عندما هاجم الراحل القذافي في خطابه أمريكا متّهما إياها بالغباء، لأنها قرّرت مهاجمة ليبيا بسبب مانشيت في الصحف الليبية، يقول:
ليبيا دخلت عصر الذُرَة، فقد قرأتها أمريكا الذَرّة.
ومثل العثمانيون فعلتْ جارتنا اللدود بأنْ سرقت تراث مطبخنا الشامي (وأعني بلاد الشام) وادّعتهُ لنفسها، ومنها التبولة والزعتر والفلافل، حتى الكوفية والكلابية لم توفرهما.
وعلى سيرة جارتنا اللدود، تذكّرتُ ما حدث في مؤتمر مدريد للسلام في عام 1991، وقد كنتُ في الوفد الإعلامي السوري لتغطية المؤتمر
حيث كنّا في الغرفة المُخَصّصة لنا ضمن المركز الإعلامي نجهّز الرسالة لإرسالها للتلفزيون السوري
عندما ُفتح باب الغرفة فجأة لنجد شمعون بيريز واقفا بطريقة استعراضية ومادّا يده للمصافحة وخلفه الصحفيين بكاميراتهم ومكرفوناتهم، وقال بالعربية: أهلا بجيراننا أدعوكم لنتاول معا التبّولة والمجدّرة
طبعا في البدء حدث ارباك شديد وتسمّر الكل (إيد ورجل) ...
وفي ذلك المؤتمر خُصِّص لكل دولة مشاركة فيه فندقا كاملا، وكان اسم الفندق المخصّص للوفد السوري (مانداناو)، فندق ضخم (عشرة نجوم) ذو بناء حجري على الطراز القديم، ومانداناو هي إحدى جزر أرخبيل الفلبين التي كانت تحتلها أسبانيا.
أكلنا في الفندق (الباقيّة) وهي عبارة عن خضار وبقوليات يوضع فوقها الجبن، وتطبخ في الفرن في فخارة، وهي كما قالوا أكلة شعبية تطبخها سيدة المنزل لتصفية بواقي الأكل في البراد.
نعود لبلادنا حيث نتذوق الآن فنون مطابخ العثمانيين والفرس
بالإضافة إلى مطبخ جارتنا اللدود.
ومطبخ أمريكا التي لا تزال إلى الآن تطبخ وتذيق العالم كله (من هالكوع دم ومن هالكوع سم) كما يقولون.