كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

نصر شمالي متذكراً زكريا تامر و"الأيام التالية"

نصر شمالي

 تذكرت.. عن الأديب العربي السوري، الناقد المتميز، والقاص المبدع زكريا تامر (من مواليد 1931)، ففي العام 1972 (قبل سجني ثانية) كنت تحت ضغط رقابة أمنية مكشوفة لا تحتمل ولا تطاق، فتستلمني دورية المراقبة المكشوفة فور خروجي من البيت وتتبعني على بعد خطوات أينما ذهبت، بسيارتهم إن ركبت سيارة أجرة وسيراً على الأقدام إن مشيت!
تعبت وتساءلت: "ماذا أفعل"؟ قلت لنفسي: "أنشغل بالكتابة.. أكتب رواية.. لأنني لا أستطيع أن أكتب سياسة! ومن الممكن، ربما، نشر الرواية.." الخ! وهكذا انهمكت في كتابة الرواية الأمر الذي اقتضى ملازمة البيت من دون ضجر، فارتحت من رفقة دورية المراقبة المزكريا تامركشوفة، وأرحتها!
وانقضت حوالي ستة أشهر على هذه الحال (المعقولة) ثم إنني أعددت من الرواية بعد إتمامها مجموعة نسخ على الآلة الكاتبة ووزعتها على عدد من الأصدقاء الأدباء لوضع ملاحظاتهم.. الخ.. وبعد ذلك توجهت إلى دائرة رقابة المطبوعات في وزارة الإعلام لأخذ الموافقة على الطباعة (والدورية الأمنية معي على بعد خطوات في كل جولاتي)! وكان زكريا تامر حينئذ هو الموظف المسؤول عن مراقبة النصوص الأدبية، وقد استقبلني الرجل بمودة من دون معرفة سابقة مباشرة، وقلت له أنني مهتم في المقام الأول برأيه هو بالذات في النص، وأنني أريد رأيه في أحد عنوانين للرواية كنت قد اخترتهما ولم أستقر على أيهما: "رجل ميت حي الضمير"، أو "الأيام التالية"؟!
قال زكريا أنه سيقرأ النص وأنني أستطيع الحضور لأخذ النتيجة "بعد غد"، وعدت بعد غد فسلمني المخطوطة مع توقيعه بالموافقة على الطباعة، وقال وهو يحملق في وجهي من خلف نظارتيه السميكتين بتعاطف واضح ومودة واضحة أن النص أعجبه وأنه يقترح أن يكون العنوان هو "الأيام التالية" وليس "رجل ميت حي الضمير"! فكان ذلك، ولم نلتق بعدها مباشرة أبدا طيلة الأيام أو العقود التالية وحتى يومنا هذا، منحه الله الصحة وراحة البال في غربته الطويلة.