كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

البحث عن الشجاعة

محمد صباح الحواصلي
سياتل ١٣ أكتوبر ٢٠١٥
____________________________
قال لي إنه سيذهب إلى الصيد وحده هذه المرّة! قلت له أن تذهب وحدك مجازفة لا تخلو من خطر.
وكان قد حدثني عن مخيم رحلة صيد في خريف العام الماضي مع آخرين من عشاق الصيد والمغامرة في الجانب الموحش من جبل (رينير)، شرق ولاية واشنطن، وعن صيده أيلاً ذا قرنين متشعبين سرق الموت رونقهما. قال لي:
"عندما رأيتُ الأيلَ عن بعد بين الأحراش، ونحن متأهبون، كنت مبهوراً بقرنيه البديعين، وكنت أريد قرنيه أكثر من لحمه، أكثر من نشوة الصيد نفسها. وفي لحظة اصرار وتثبّت ضغطّتُ على زناد البندقية فصدعتْ طلقتي المدوية هدوءَ المكان، وخرَّ على أثرها الأيل صريعاً، وطارت طيور الأشجار المحيطة فزعاً. وعندما دنوت منه متأملا قرنيه راعني أن الموت قد سلب جمالهما ورونقهما.".قد تكون صورة ‏غزال‏
وحدثني أنه ليلتها، وهو ممدد على فراشه في خيمته، وسط ظلمة الأحراش ورهبتها، حملَ السكونُ إلى مسامعه صوتَ أيل بعيد بدا له نواحاً ممتداً، مريراً، سلب من عينيه النوم.
ومن مجمل حديثي معه عن رحلات صيده التي كانت تعيد لخيالي مغامرات (بابا همنجواي) في أدغال أفريقيا سألته:
"الآن قل لي، لماذا تريد أن تجازف وتذهب وحدك وأنت تعلم أن نَصْبَ خيمة وسط الأحراش الموحشة، وحدك، لأيام ولياليها، فعل ينطوي على خطر.."
كان ينظر إليّ صامتاً، لكنني قرأت في عينيه كلاماً خفتت فيه نبرة المغامرة، ثم أجابني بصوت هادئ:
"لأنني ذاهب لكي أبحث عن شجاعتي..".
قلت له عندما صَمَتَ ولم يتمم:
"لم أفهم.."
أخذ نفساً عميقاً أرتفع فيه صدره وقال:

"أنا لست ذاهباً من أجل الصيد هذه المرّة، ولن اصطحب معي بندقيتي. أنا أريد أن أجد شجاعتي دون سلاح ودون معونة الآخرين، وسأنصب خيمتي، سلماً، وسط الاحراش. أريد أن أرى الأيائل من حولي حية جنباً إلى جنب مع نبض الطبيعة.. أريد أن أرى جمال وبهاء قرونها وهي حية تسعى، فليس هناك ما هو أروع من الكائنات الحية، حيث يجد المرء نفسه من خلال الروح التي تسري بالكائنات والأشياء.. هنا تكمن الشجاعة الحقيقية التي يفتقدها الإنسان والتي أنا ذاهب وحدى للبحث عنها.. آملا أن أجد شجاعتي الحقيقية، وأنا على يقين من أنني ساجدها من دون بندقية.".