كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

من أسرار المهنة.. (كومونة) التشغيل التلفزيوني

معن حيدر:

في لقاء أسبوعي يضم مجموعة من المتقاعدين في اسكلستونا، ويُعقد في مكتبه ETU، تحدّث السيد أبو غابي عن ثقافة العمل التطوعي والتعاوني لدى المواطنين السويديين وكبار السن منهم خاصة، وطرح من خلالها فكرة عمل تطوعي تعاوني للمجموعة.
أعادني ذلك في رحلة مع الذاكرة إلى منتصف التسعينيات، عندما كنت مديرا للتشغيل التلفزيوني في هيئة الإذاعة والتلفزيون في سورية، وإلى (كومونة) التشغيل التلفزيوني التي لم يُكتب لها أن تعمّر طويلا.
وللتعريف بها أقول، وعمر القارئين يطول:
يوجد في مبنى الإذاعة والتلفزيون في ساحة الأمويين بدمشق (بوفيه) مركزي في الطابق الأرضي، يخدّم الكتلة البشرية التي تتواجد في المبنى يوميا، ويقدّر عددها آنذاك حوالي 1500 شخصا، القسم الأكبر منهم من الموظفين والباقي من الفنانين والمراجعين وغيرهم.
كانت البوفيه تتبع إلى اللجنة النقابية للعاملين في الهيئة، والتي كان يتبع لها أيضا صالة الجمعية التعاونية الاستهلاكية في شارع النصر قرب مبنى الإذاعة القديمة.
وبينما كانت الصالة تُدار من قبل أعضاء اللجنة النقابية أنفسهم وتبيع للموظفين حصرا بأسعار مناسبة وبالتقسيط
كانت يتم تلزيم البوفيه لمتعهد من القطاع الخاص، شريطة الالتزام بالجودة والسعر المقبول، الأمر الذي كان موضع خلاف أحيانا بين اللجنة والمتعهد
إلى أن وصل الخلاف مرة إلى حد إقفال البوفيه، ما أدى إلى تذمّر العاملين عامة، حيث يُشكل العاملون في مديرية التشغيل التلفزيوني في الطابق الثاني القسم الأكبر منهم.
وأثناء ذلك جاء إلى مكتبي مجموعة من مصوري دائرة الكاميرات المحمولة، وطلبوا الموافقة أن يستخدموا الفسحة في غرفة التكييف في طابقنا (وهي غرفة شوديرات تكييف استديو 1) كبوفيه صغير للدائرة. وذكروا أنّ فيها مغسلة وطاولة كانت تستخدم كمقص للحديد.
بعد أن سألت المديرية المسؤولة عن التكييف، وافقت على مقترحهم بشروط هي:
أن تخدّم عناصر مديرية التشغيل كلهم، وأن تكون الأسعار بسعر الكلفة تماما دون زيادة قرش واحد، وأن يرتّبوا أمورهم المالية وتوزيع الدوام بنفسهم بعيدا عني.
وافقوا وطلبوا أن يكون دوام العناصر في البوفيه جزءا من الدوام الرسمي، قلت لهم: (سأغضّ الطرف).
بعد يومين تماما جاءني أحد الشباب وبيده فنجان قهوة ضيافة:
- أوّل وأحلى فنجان قهوة للمعلّم، دقلنا ياه أستاذ وخبّرنا.
وانطلقتْ البوفيه، وبدأت تتوسّع أمورها وتطور خدماتها أولا بأول حتى شملت باقي الطوابق.
احتجّتْ اللجنة النقابية أكثر من مرة وطلبتْ إغلاق بوفيه الكاميرات المحمولة (كما شاعت تسميتها)، لأنّ ذلك (سوف) يؤثر على إجراءات المزاودة، فمن شروط التعاقد ألاّ يكون هناك أي بوفيه أخرى في المبنى.
كنت أقول لهم: وقت بيجي الصبي منصلي ع النبي، أي عندما تفتح البوفيه نتصرّف.
وأخيرا رستْ المزاودة على أحدهم وافتتح البوفيه بأسعار مناسبة، وصار الضغط جديا علينا.
ولم نستطع أن نماطل كثيرا خاصة أنّ الموضوع وصل للمدير العام آنذاك، رحمه الله، فطلبني ووجّهني بإقفال البوفيه قائلا بمحبّة: مو ناقصك وجع راس.
وأقفلنا البوفيه، وقام الشباب بجردة حساب تبيّن لهم فيها توفّر مبلغ صغير لديهم، فقاموا بشراء حلوى وتوزيعها على العاملين.
وهكذا انتهت تجربة (كومونة) التشغيل التلفويوني التي استمرّت حوالي شهرين ونيف، وكنت أعتبرها من التجارب الناجحة، خاصة أنّ الجميع كان راضيا، ولم أتلقّ أي شكوى عنها (ولا حتى من باب الدسيسة).