كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

هل قاربت إمارة الجولاني على السقوط

أحمد رفعت يوسف
أفرزت التطورات الميدانية والسياسية، للعدوان على سورية، المستمر منذ العام 2011، نشوء منطقة تضم أجزاء واسعة، من محافظة إدلب، وبعض أرياف حلب واللاذقية وحماه، أصبحت شبة إمارة إسلامية متطرفة، تسيطر عليها "حركة تحرير الشام" التي كانت جزءاً من تنظيم القاعدة، ثم أصبحت جزءا من تنظيم داعش، ثم انفصلت عن التنظيم، لتصبح تنظيماً مستقلاً، يعمل في سورية، ويتزعمها الإرهابي "أبو محمد الجولاني" وجرى تصنيفها على لوائح الإرهاب العالمي.
تشكلت هذه الإمارة بداية، من مجموعات إرهابية مسلحة، أبرزها جبهة النصرة، والتي تم تشكيلها بواسطة تركيا، وبدعم أمريكي بريطاني فرنسي، وبتمويل من بعض الأنظمة العربية، في مقدمتها قطر، إضافة إلى المجموعات الإرهابية، التي رفض عناصرها، الخضوع لعمليات التسوية، التي قامت بها القيادة السورية، خلال تحرير الجيش السوري، لمناطق واسعة، كانت تقع تحت سيطرة هذه المجموعات، أبرزها الأحياء الشرقية من مدينة حلب، والغوطة الشرقية في ريف دمشق، والمنطقة الجنوبية، وخاصة محافظة درعا، وكانت الغاية تجميع هذه المجموعات، في مكان واحد، للتعامل معها في وقت لاحق، لكن تطورات الأوضاع السياسية والميدانية في سورية والمنطقة، أجلت عملية القضاء النهائي على هذه المجموعات، بانتظار تهيئة الأجواء المناسبة، لإتمام العملية.
أدى الاستقرار النسبي للأوضاع في المنطقة، إلى محاولة هيئة تحرير الشام، الاستفراد بالسيطرة على المنطقة، في خطة تمت بإشراف الاستخبارات التركية والأمريكية، بهدف ابتزاز القيادة السورية، والحليفين الروسي والإيراني، في أي حلول قد تطرح للوضع في سورية، وخاصة في محادثات أستانا، واللجنة الدستورية، والعملية السياسية، وحتى في صراعات إقليمية ودولية، مثل نقل عناصر من هذه التنظيمات، لمواجهة روسيا في أوكرانيا، وفي القوقاز، وليبيا، وغيرها.
رافق ذلك، القيام بحملة علاقات عامة، وصلت حد الترويج للجولاني، في الإعلام الأمريكي والأوروبي، وبعض العربي، شملت إجراء لقاءات إعلامية معه، وحتى تحسين شكله، بتشذيب لحيته ولباسه، وكان يجري الحديث، عن تغيير اسم التنظيم، لإبعاد صورة جبهة النصرة، وشبهة الإرهاب عنه، وتقديمه باعتباره معارضة سورية معتدلة.
كما تم تشكيل حكومة محلية، تحت مسمى "حكومة الإنقاذ" تخضع لإشراف الجولاني، برئاسة شخص يحمل الجنسية التركية.
سيطرة هيئة تحرير الشام، على المنطقة، لم تكن سهلة، بسبب كثرة التنظيمات المسلحة، وتعدد ولاءاتها، ومصادر تمويلها، لكن الأمر تم، تارة بانضمام بعض المجموعات المسلحة إليها، أو بالقضاء على من رفض هذا الانضمام، وبقيت بعض المجموعات، التي تخضع للإشراف المباشر من الجيش والاستخبارات التركية، لأسباب تخص تركيا، مثل الحزب التركستاني، المكون من الإيغور الصينيين، والجيش الوطني، الذي كانت تركيا تحاول فرضه، بديلاُ عن الجيش السوري، لو قدر لمشروع الشرق الأوسط الجديد، والعثمانية الجديدة، النجاح في سورية.
بعد إتمام سيطرة هيئة تحرير الشام على المنطقة، وبسبب طبيعتها الإرهابية، والمتطرفة، فقد استخدمت كل وسائل العنف، والقمع الدموي، والعمليات الانتحارية، والاعتقالات، لتصفية الحسابات، مع قيادات المجموعات المسلحة، والمنشقين عن التنظيم، ولملاحقة الرافضين لسيطرتها، من المجتمع المحلي، أو للسيطرة على المعابر مع تركيا، وتهريب المخدرات، والتي تؤمن دعما ماديا لها، ولم توفر في حملتها، حتى البعض من قادتها الذين انشقوا عنها، مثل الإرهابي أبو ماريا القحطاني، القائد السابق لمجلس الشورى في جبهة النصرة، الذي تم اعتقاله لمدة سبعة أشهر، ثم أطلقت سراحه، وتمت تصفيته.
وبسبب هذه الممارسات، التي أثارت المجتمع المحلي، والتنظيمات الإرهابية الأخرى، والبيئة الحاضنة لها، بدأت المناطق التي تقع تحت سيطرة الهيئة، تشهد بشكل يومي، مظاهرات حاشدة، مناهضة لها، كان آخرها يوم الجمعة الماضي، وتطالب بإسقاط الجولاني، وإعدامه، وحلّ جهازه الأمني.
الجولاني قابل هذه المظاهرات، بإجراءات أمنية مشددة، طالت كل المناطق، التي تظاهرات ضده، وقامت بتطويق المدن والقرى، وحظرت التنقل بينها، وقام بحملة اعتقالات واسعة، شملت بعض القياديين، مما يسمى "الحراك الشعبي" منهم المدعو أبو علي الحلبي، والمدعو آدم الساحلي، وهما من متزعمي الاحتجاجات المناهضة للتنظيم، في ريف ادلب الغربي، وجسر الشغور.
أما القيادي المنشق عن الجولاني، المدعو أبو داوود أطمة، فقد هدد التنظيم، بنشر فضائح عدد من قياداته الأمنيين، رداً على اعتقال شقيقه في ادلب.
وكان أبو داوود أطمة، قد تم اتهامه، من قبل القيادي المنشق عن التنظيم، ابو احمد زكور، بأنه مسؤول، عن تفجير انتحاري، أسفر عن مقتل أكثر من 100 مسلح، استهدف حينها عصابات تنظيم الجيش الحر، في معبر أطمة، عند الحدود مع تركيا، وتم نسب التهمة لتنظيم داعش، ليخرج أبو داوود منذ أيام، ويعلن انشقاقه، وينفي مسؤوليته عن الاتهامات الموجهة إليه.
يبدو واضحاً جداً، أن ما يجري، يتم بتشابك وتداخل، عمل جهات وأجهزة استخبارات عديدة، تنشط في المنطقة، حيث تحاول تركيا، والولايات المتحدة الأمريكية، ومن معهما، تقديم كل أنواع الدعم، لحركة تحرير الشام، والتنظيمات المسلحة الأخرى، لابتزاز القيادة السورية والحليف الروسي، في العملية السياسية في سورية، والاستفادة منها في مناطق الصراع الأخرى، فيما يعمل الجيش السوري والروسي، على مشاغلة هذه التنظيمات، وتوجيه ضربات موجعة لها، بانتظار تهيئة الأجواء، للقضاء عليها، حيث يقوم الطيران السوري الروسي، والوحدات القتالية السورية، بتوجيه ضربات متلاحقة، لها.

ومع التغيرات في خريطة الصراعات في المنطقة، التي أفرزتها عملية طوفان الأقصى، وما نتج عنها من تداعيات، مع العدوان الأمريكي الصهيوني الشرس، على الشعب الفلسطيني، والاصطفافات التي أفرزتها هذه التداعيات، سواء بوقوف تركيا، وبعض الدول العربية، إلى جانب العدوان، بالمشاركة المباشرة، أو بالصمت، وهي نفسها الداعمة لهيئة تحرير الشام، والتنظيمات الإرهابية المسلحة، وفي الطرف المقابل، عمليات المساندة، التي قامت بها دول وفصائل محور المقاومة، للشعب الفلسطيني، وهي التي تساند الدولة السورية، في حربها ضد الإرهاب، والتنظيمات الإرهابية، فيتوقع أن تستمر الأوضاع، في إمارة الجولاني الإسلامية، على ماهي عليه اليوم، بانتظار ما ستسفر عنه الأوضاع في فلسطين المحتلة، لكن كل المؤشرات، تدل أن يوم، إمارة الجولاني لن يطول.

صحيفة "لا" اليمنية