كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

برافو بابا

محمد صباح الحواصلي
زيوريخ
سألتني ابنتي فرح:
"بابا.. تنزل معي إلى سوبرماركت (كووب)؟"
سؤالها لم يكن عادياً؛ فيه دهشة، وتحدٍ تريدني أن أخوضه؛ ففرح تعلم أن النزول حاد، والصعود قاسٍ، وأنني أعاني من الربو ، علاوة على ألم الظهر الذي يباغتني كلما مشيت. لكن بخاختي في جيبي، وفرح أهدتني (عكازاً يُفتح فيصبح مقعداً)، ولم يعد لدي عذر. المهم، أننا نزلنا، والنزول سهل، ووراء كل نزول لا بد من الصعود.
في السوبرماركت. كانت فرح كلما وضعتْ شيئاً في سلّتها فكرتُ بثقل الكيس الذي ستحمله في صعودها. رأت بطيخة متوسطة الحجم وقالت لي: "شو رأيك بابا؟" قلت لها: "غير مرّة الله يرضى عليك.. عندما نذهب بالسيارة."
كيس التسوق أصبح ثقيلاً نسبياً. حملتْةُ فرح وحملتُ نفسي، متكأ على عكازي، أجلس على مقعده كلما تعبت.
ولكي تُبَسِّط فرح عليَّ مهمة الصعود، قسّمته إلى أربع مراحل - كما أوصانا الفيلسوف رينه ديكارت بأن نقسم الصعوبة إلى أجزاء لكي نتغلب عليها. قالت:
"المرحلة الأولى أسهلها وهي من السوبرماركت إلى بداية الطريق الصاعد وهو طريق قصير منبسط. المرحلة الثانية صعود يتراوح بين (السلّال) والمتْعِب، وهو المرحلة الأطول. ثم المرحلة الثالثة ذات الصعود القاسي لكنه رحيم لقصره ومجاورته لحدائق البيوت المزهرة ولا سيما زهرة الزنزلخت. ثم المرحلة الرابعة الأشد قسوة وكأننا نصعد سلماً، هو قصير بابا.. أمتار فقط قبل البيت."
قلت لها: "ولا يهمك حبيبتي.. صعود مقدور عليه بالعزيمة والإرادة."
وصعدنا الطريق.. لم احتج إلى بخاخة الفنتولين إلا مرّة واحدة، وابنتي فرح تشجعني وكأنني أصعد طريقاً للمرة الاولى: برافو بابا.. أنت بطل.. شد الهمة.. لم يبق إلا مرحلتين.. اقعد إذا تعبت.. هل أخذت بخّة؟ خذ نفس من أنفك ببطء وازفره من فمك.."

وقبل أن انتهي من المرحلة الرابعة والأخيرة، رأيتُ ابنتي ماثلة أمامي طفلة عمرها أقل من سنة وهي تنقل خطوها بتعثر بين الطاولة والكرسي الذي أجلس عليه، أشجعها بفرح لا يعادله فرح: "برافو بابا.. برافو.. ما شاء الله.." وناديت: "فريال.. فرح مشت خطوات."