كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

أنا والجسر.. حكاية عمر

صبري عيسى:

بالتأكيد لو قمت بتعداد خطواتي على جسر دير الزور المعلق في مراحل العمر الأولى ذهابا واياباً، سأكتشف انها أطول من ذهابي مشياً على الأقدام من دمشق حتى وصولي الى أطلال الجسر الشهيد.
أنا والجسر حكاية عمر لاتنتهي حتى مع قيام السفلة بتدميره، لأنه لايزال كما هو في ذاكرتي شامخا منتصب القامة، كما عهدته أنا وغيري من اهل الدير الذين كانوا يعبرون ضفتي الفرات العظيم بخطوات بطيئة مع اهتزاز بسيط يشعر به الذين يسيرون فوقه، وكأن الجسر يرحب بهم على طريقته، وأذكر أننا كنا في طفولتنا نستأجر كاميرات بدائية من استديو المبدع جلال حسن ونوثق ذكرياتنا مع الجسر أيام الأعياد في زمن الأبيض والأسود، وكنا نتسلق العقد والقضبان الواصلة بين (دنكات) الجسر ونجلس فوقها دون خوف من الوقوع في النهر حتى نحصل على المشهد الذي نحبه.
عندما كنت أقف في منتصف جسر دير الزورالمعلق – بين الدنكة الثانية والثالثة – قبل الغروب بدقائق كانت عيناي تتمتعان برؤية أجمل مشهد يمكن أن تراه العين البشرية في اللحظة التي يوشك فيها نصف قرص الشمس على الغرق في مياه الفرات العظيم، بينما تنعكس صورة النصف الآخر على سطح النهر على إمتداد مسافة الرؤية بألوان تعجز كل مفردات اللغة عن وصفها، هي خليط من ألوان الشمس الغاربة بتدرجات بين اللون الأصفر والأحمر وخليط لوني حي يعجز أي فنان محترف في وصفه أو رسمه، وكنت أحصد الفشل دائما عندما أحاول عبثأ الإمساك بنصف القرص المتبقي من الشمس لتثبيت المشهد وإطالة متعتي البصرية به.
الجسر لايزال منتصباً شامخاً في ذاكرتي وصوره تسكن الذاكرة والقلب، وأنا متاكد أن سواعد الشباب ستعيد إعماره، لكنه سيحمل اسماً جديدا هو (جسر المحبة) تعبر فوقه قلوب المحبين وعشاق الحياة.
الصورة تعود الى منتصف خمسينات القرن الماضي بديرالزور