كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

الشيخ حسن سلطانة.. قِدّيسُ الفِطرة

سام صالح

قِدّيسُ الفِطرة
الشيخ حسن بن محمد النميلي
المعروف بـ (الشيخ حسن سلطانة)
---------------------------
١ - ولد الشيخ حسن سلطانة في قرية الدالية من أعمال جبلة. ثم أقام في حماه في قرية (بيري).
وبعد وفاة أولاده التسعة فيها قَفَلَ راجعاً إلى مسقط رأسه الدالية وفيها توفي و دُفن غربيّ القرية.
ولد عام (١١٢٩) هـ . وتوفي سنة ١٢٢٦ هـ .
وبذلك يكون قد عاش سبعة وتسعين عاماً حسب تاريخ الشيخ يوسف علي الخطيب. وفي تاريخ (خير الصنيعة) أنه قضى من العمر مئة وعشرة أعوام.
ولكن من المؤكّد أنه عمّر طويلاً لقوله في قصيدة:
ولستُ على الدنيا حزيناً و حقّكم
وإن طال فيها المُكثُ تزداد محنتي
ولا رغبةٌ في أمّ دَفرٍ و غدرِها
وأفعالِها القُبحِ الغلاظِ الرذيلةِ
كُفيتُ بما قضّيتُ فيها من العنا
قضيتُ بها تسعين عاماً و ستّة
والله أعلم كم عاش بعد هذه القصيدة.
٢ - قال المؤرخ الشيخ حسين ميهوب حرفوش في تاريخه (خير الصنيعة) في ترجمته للشيخ حسن (... كان عليه السلام عالِماً علّامةً شاعراً مُفلِقاً... له أشعارٌ كثيرة لو جُمِعَت لكانت ديواناً مُتنِّوعَ الأغراض من حكم وعظات وتوحيد ومَراثٍ وتغزّلات. وأكثرُ أقواله السهل الممتنع. لايحوجك إلى مطالعة قاموس ولا يكلفك مراجعة أستاذ...).
٣ - أصيبَ الشيخ حسن بنكبات كثيرة في حياته
ومن ينظر في شعره يدرك ذلك جليّاً وهو القائل: (كَوَتْني الليالي كَيَّةً بعدَ كَيّةٍ....)
وحقيقةً إنّ شعره مرآة صافية نرى فيه سيرةَ حياته كما نرى فيه صورةً صادقةً عن المرحلة التاريخية التي عاشها. وهي مرحلة صعبة عانى الناس فيها مرارة الفقر وجورَ الحكام في عهد الاحتلال العثماني آنذاك.
ولعلّ قصيدته المحكيّة الشهيرة في رثاء أولاده خير مايعبّر عن تلك المرحلة.
قصيدته التي قالها إثر موت أولاده التسعة بعد أن حُصِروا في بيتهم بسبب الثلج الذي دام خمسين يوماً كما يقول في قصيدته. وهو يصور فيها الواقع المأساوي الذي مرّت به البلاد من فقر و خوف وظلم الحكام وانتشار قطاع الطرق وفقدان الأمان وما إلى ذلك....
هذه القصيدة الوجدانية الرثائية تُعَدُّ وثيقةً تاريخيّةً مُهمّة تؤرِّخُ للعصر الذي عاش فيه الشيخ:
يقول في مطلعها:
الحمد لله ما أبدى الصباح سفور
حمدا مزيد على عدد الحصى والرمل
على ماقضى ومضى من أمره المقدور
سبحان رب قدير في يديه الفعل
يامبتلي في صروف الدهر كون صبور
فكل شي له وقت و حدّ وأجل
أحكام ربك عظايم سرها مستور
ليس تحصى ولا فيها يحيط العقل
تفكّرت واصبحت في أمر الزمان فكور
السفل يبقوا عوالي والعوالي سفل
ياخجلة الحق إن يعلو عليه الزور
وياخجلة الجيّد إن يعلو عليه النذل
إلى أن يقول:
تلجة عظيمة تحاكي فورة التنور
الله أكبر قد طمّ الجبل والسهل
كم من مسافر غدا عن بيته محصور
مقدار خمسين يوم انقطعت فيه السبل
هلكت مواشي البلد عريانها وحضور
وقليل عند العباد من المواشي ضلّ
وأقبل علينا ضرر زاد كل ضرور
موت الأجاويد في البلدان غطّى الكل
إلى أن يقول:
رجعت عالدار لاقيت الربوع قفور
وبوابها مسكّرة وملقى عليها القفل
تسع أنفار كانوا إناثها وذكور
قد كان (ناصر) يا حزني عقيد الكل
من بعد ناصر عيني غاب عنها النور
بكثر لهفي على ناصر رزين العقل
ما ظنّ إسلاه ما دام القطوب تدور
وما دامت الشمس تطلع والهلال يهلّ
أدعوك ياربي اقبل دُعا المضرور
بعفوك ولطفك عقد العسر عنّا تحلّ
واغفر لإخواننا ببرّها و بحور
أهل التقى و النقا و السالكين السبل
٤ - كانت تربطه علاقات طيبة بشيوخ زمانه. يدل على ذلك القصائد الوديّة المتبادَلة بينه وبينهم .ومرثياته لبعضهم.
شعر شيخنا ينمّ أن صاحبه رجل مفعم بالحياة يحب التواصل مع إخوانه وأحبابه .ويتأثر لفقدهم.
يقول في بعض منظوماته:
أيا ريحَ الصَّبا أطويتِ دوني
محاسنَ ذكرِ قومٍ قد نَسوني
ألا يا جيرةً رحلوا سُحَيراً
و يومَ رحيلهم ما وَدّعوني
تبدّدَ شملُنا بعدَ اجتماعٍ
وحالَ البعدُ بينهمُ وبيني
تمزَّقَ بعدَهم ثوبُ اصطباري
وثوب الحزن هم قد لبَّسوني
٥ - وقالَ في قصيدة أرسلها للشيخ السائح رمضان النميلي الذي كان - على ماقيل - في العراق يزور مقامات الأئمة. يقول شيخنا:
وتطوي صروفُ الدهر ما كان ناشراً
ومن عادة الأيام تبني و تهدمُ
فما هكذا شرطُ المحبّين في الهوى
وعهدي بكم صُحْفَ الغرامِ قرأتُمُ
وأبديتمُ الهجرانَ والصّدَّ و الجفا
وحبلَ الوفا بعد الوصال قطعتمُ
فلو ضمّنا إيّاكمُ الدهرُ ساعةً
لما كانتِ النيرانُ في القلب تُضرَمُ
إلى أن يقول مخاطباً الشيخ رمضان:
وواليتَ للأطهارِ آلِ محمّدٍ
شموسِ الهدى تروي الأحاديثَ عنهمُ
وخاتمُهمْ مأمولُنا القائمُ الذي
غدا لأساساتِ الأباطيل يهدمُ
إلى قوله:
فذاك حوى الإكسيرَ والجوهرَ الذي
يعادل منه ألفَ درهمَ درهمُ
ترحّلَ صفوُ العيش يومَ رحيلكم
وقد بانَ عني الصبر من يومِ بِنتُمُ
أسائل عنكم بارقاً لاح في الدجى
فهل أنتمُ للبرق عنّا سألتمُ؟
٦ - كان للشيخ حسن صلة روحية حميمة بقريبه الشيخ خليل بن معروف. ومدحه في شعر كثير.
ومن أجمل ما قرأتُ للشيخ حسن قوله:
خليلٌ اختَصَّه الباري برحمته
يا فوزَ عبدٍ إليه اللهُ قد نظرا
نَدبٌ شفوقٌ على الإخوانِ كلّهمُ
على المُضِلِّينَ سيفٌ يقطعُ الحجرا
٧ - للشيخ حسن سلطانة قريحةٌ شعريّةٌ طيبةٌ
وروحٌ جبّارةٌ تتحدى مصاعب الحياة وتتجاوزها.
الشيخ حسن مثالٌ نطق عن إنسان الفطرة
إنسان المحبة والصدق والوفاء
ولقد تركَ أثراً كبيراً في نفوس الناس حتى يومنا هذا.
وما زالت سيرته حتى اليوم سِفراً وجدانياً إيمانياً تُتلى آياتُه على مسامع قلوب أهل الوجدان والإيمان.