كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

عيد الرابع في قرى الساحل السوري.. قرابين للأرض والسماء

 
خالد فهد حيدر:
تقول الأسطورة إنّ «الإله أدونيس» كان يحاول اصطياد خنزير برّي في الغابة، لكنّ الأخير تمكّن من عضّه، لتسيل دماؤه، ويموت. تربط الأسطورة بين الحادثة وقصة غرام أدونيس وعشتروت، وتفجّع الأخيرة على حبيبها؛ ومن دمائه ودموع حبيبته نبتت زهور، وشقائق نعمان. وتحوّل الرابع من نيسان (وفق التقويم الشرقي) موعداً لإحياء تلك الذكرى، بما فيها من رمزيّة تجدد الطبيعة.
حافظت بعض قرى الساحل السوري على عادة الاحتفال تحت اسم «عيد الرّابع»، أو «عيد الزهوريّات». او هو عيد "الزهورية" كما يطلق عليه في "اللاذقية"، والزهورية هو طقس اجتماعي سنوي يكون في آخر يوم خميس من شهر نيسان، ويكون أيضاً في الرابع من نيسان شرقي أي في السابع عشر من نيسان على التقويم الغربي..
وتحتفل قرى الساحل السوري ومنها قرية الدالية بعيد الزهور أو الرابع من نيسان على التقويم الشرقي، وهي عادة اجتماعية يمارسها أهل المنطقة منذ خلقوا، حيث يجتمعون في ساحة الشيخ عبد الله الدالية الذي يعتبر الجد الأول لكل أبناء القرية، في كل عام في هذا التاريخ، والتي مضى على وجودها حوالي (400) عام وهي معروفة ومشهورة.احتفالات أهل الساحل بعيد الرابع
وكثيراً ما يتعرف الشباب على فتيات القرى المجاورة، فتكون "الزهورية" موسم من مواسم الحب والزواج، و فرصة للصغار للتمتع بهذا اليوم وشراء ما يرغبون به..
هي فرحة تعم قلوب أبناء الساحل السوري مع بدء الانقلاب الشتوي الربيعي، فتمتلئ البيادر والساحات بالمبتهجين بقدوم الربيع وتعمر حلقات الدبكة والرقصات الفلكلورية والسهرات وفق طقوس اجتماعية متوارثة من مئات السنين.
فعيد "الرابع" هو احتفال شعبي جماهيري تحتفل قرى الساحل السوري وبعض القرى الأخرى في حمص وحماة به في كل عام في 17 أبريل بعيد الرابع. 
ويسمى بالرابع لأنه يأتي في الرابع من نيسان حسب التقويم الشرقي. وذلك وفق طقس اجتماعي متوارث، ابتهاجاً بقدوم الربيع وتزين الطبيعة بألوانها الزاهية.
في كل عام مع انتهاء فصل الشتاء البارد وقدوم فصل الربيع بشمسه اللطيفة وطبيعته الزاهية الجميلة، تقصد البيادر في إحدى القرى القريبة من المدينة للاحتفال بهذا الانقلاب الفصلي، وكانت تُحدد القرية المناسبة للاحتفال قبل موعده بعدة أيام، وكانت تتبدل في كل عام لتشمل مختلف المناطق والقرى تقريباً، فترى جميع أبناء المدينة والقرى الريفية التي أدركت الموعد والمكان، يقصدون الاحتفال لعقد حلقات الدبكة الشعبية والرقصات الفلكلورية، فتزين الساحة الواسعة بالرجال والنساء والشباب والصبايا.
وكان يجتمع أبناء القرى بعد اتفاق على إقامة "الرابع" في مكان يحدد وفق مساحته الفسيحة ليستوعب الأعداد الكبيرة التي ستقصده، وقد كانت البيادر إحدى أهم هذه المواقع، إضافة إلى جانب المقامات الدينية، حيث الأشجار الكثيفة التي تظلل المكان، فينتشر بجانبها الباعة الجوالة بمختلف اختصاصاتهم وخاصة منها المعنية بالأطفال وألعابهم..
يبدأ التحضير للعيد قبل أيام منه، تكون فيه المقامات الدينية المنتشرة في الساحل السوري وفي غيره من المناطق، مسرحاً له.
"قائم المقام" هو رجل وهب نفسه لخدمة احتياجات زوار المقام. ويشرف على تحضيرات عيد الرابع ويساعده في ذلك كثير من الخدم الآخرين، قد يصل عددهم أحياناً إلى العشرات تبعاً لأهمية المقام، يحضّرون الحطب والقدور والبسط والكراسي وكل ما يتعلق بالأعياد الكثيرة التي يحتفلون بها..
يمثل العيد إعلاناً بقدوم الربيع، وهو طقس ديني قديم.
وكنا نلاحظ في الساحل السوري أنها المناسبة الأكبر للفرح, حيث يدّخر كل فلاح وكل مواطن في الساحل السوري مؤنة هذا العيد من ذبيحة وشراب, كما كان يؤجل أغلب مناسباته السعيدة للاحتفال بها في عيد الرابع, من يريد أن يطهر ولده أو يندر حليقة رأسه, من يريد أن يخطب أو يتزوج. وحتى من يريد أن يعشق كما غنّت فيروز لعيد العشاق..احتفالات أهل الساحل بعيد الرابع1
ففي هذا العيد تجتمع مجموعة من القرى ويكون الاحتفال كل يوم في واحدة منها, لا يقتصر الاحتفال بالطبع على الطعام أو الشراب, لكنه ينداح في كرنفالية جميلة من الرقص والغناء تستمر حتى وقت متأخر من الليل, وهكذا دواليك لعدة أيام قد تصل أسبوعاً في بعض المناطق أو عشرة أيام في أخرى..
تتم عملية شراء الخراف وذبحها، بجوار المقام وتحت رعاية قائم المقام، ثم تقدم اللحوم فيما بعد على شكل نذور يرجى منها إرضاء الله'.
يعتقد الكثير من المحتفلين أن هذه النذور ترد الأذى وتجلب الخير، وتكون بمثابة طلب دعوة لله لإنجاح عمل ما يريد المقدم أن يتكلل عمله بالنجاح. 
وتسمح العلاقات الاجتماعية المرنة التي تميز قرى الساحل، بأن يعبّر الشباب والشابات عن فرحهم بالعيد، بعقد حلقات الدبكة والرقص، على أنغام أغان شعبية، وقد تتكلل بعض هذه اللقاءات بزواج بعضهم فيما بعد'.
جميع أنغام الدبكة الشعبية كانت تقوم على أغنية "أم الزلف" التي تعني في قاموس "اللغة العربية" الروضة أو المكان المعشب المزدهر أو الثوب الملون المزركش، والزلف هي كلمة آرامية من أصل فينيقي تعني "الثوب المزركش" حيث كان السوريون القدامى يلبسون آلهتهم عشتار ثوباً ملوناً مزركشاً في "عيد الربيع" ويغنون لها "يا أم الزلف".
أصل العيد
كانت شعوب الشرق الأدنى القديمة، من آشوريين وبابليين وكنعانيين وغيرهم، تحتفل بقدوم الربيع. وتقدم الأضاحي للآلهة، ويرقصون لتشجيع الطبيعة على العطاء. لقد كانت تلك الممارسات بمثابة أعياد دينية، اشتركت فيها الكثير من الشعوب فيما بعد'. 
كما أن لعيد الرابع أصول فارسية أيضاً، حسب بعض الباحثين في التاريخ. فبعد دخول سلمان الفارسي الإسلام، أدخل بعض تقاليد بلاده ضمن العادات الاسلامية، ومنها عيد النوروز الذي يحتفل به الفرس في الربيع.

'عكست الأزمة السورية ظلالها على الأعياد الخاصة بكل طائفة أيضاً، فصارت مساحة الفرح أقل. وانخفضت أعداد المحتفلين بعيد الرابع. والأم التي فقدت ولدها في المعارك، لا تجد سبباً لتقديم نذور أخرى.