كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

"كبيبات السلق".. وجبة التبشير والطقوس الاجتماعية

 
نورس محمد علي– طرطوس- فينكس
 تعد وجبة الكبيبات بسلق من الوجبات التراثية في الريف الشرقي من محافظة "طرطوس"، وهي مرتبطة بطقوس اجتماعية خاصة عنوانها المحبة والفرح بتبشير رسالة رسول المحبة السيد المسيح. يبدأ طقس صناعة كبيبات السلق ما بين عيدي الميلاد ورأس السنة في كثير من الأحيان، وقد يستمر لما بعد رأس السنة الميلادية بحسب المتوفر من المكون الأساسي، وهو السلق كنبتة محلية الإنتاج في الحدائق المنزلية عند الغالبية.
ربة المنزل "ليلى عبد الله" التي التقتها جريدة "فينكس" بتاريخ 26- 12- 2021 تحضر المكونات الأساسية ليلاً، وتقوم بنقع البرغل بالماء والملح والبهارات والفلفل الأحمر حتى صباح اليوم التالي، كما تقوم بتجهيز نبات السلق الأخضر الذي جنته من حديقة منزلها، فتغسله جيداً وتقطعه لقطع صغيرة، ثم تسلقه بالماء لبضع دقائق فقط، للمحافظة على مكوناته الأساسية من فيتامينات ومعادن، تدرك قيمتها على الصحة الجسدية العامة، بعدئذٍ تضعه جانباً حتى اليوم التالي ليبرد.
أما صباح يوم العمل يبدأ بالنسبة لها بطحن منقوع البرغل وعركه بيديها حتى تمام التجانس بين مكوناته، ومن ثم تقوم بتحضير السلق على نار هادئة، مع إضافة زيت الزيتون والبصل الغني بالمعادن بشكل عام على حد قولها، ومن ثم تعد أقراص الكبة وتضعها جانباً حتى (ترتاح)، لتقوم بالخطوة ما قبل الأخيرة وهي حشوها بخلطة السلق بعد تبريدها ليسهل التعامل معها، وبعد عملية الحشو تحضر الزيت وتضعه على النار حتى يغلي مع وضع وعاء آخر يحوي الماء على النار حتى تمام الغليان، وتبدأ بوضع وتوزيع أقراص الكبة بين الزيت المغلي والماء المغلي، لتنتج نوعين من الكبيبات، أحداها مسلوق والأخر مقلي، وخلال هذه الأثناء تقوم بتجهيز صلصة الثوم والحامض اللازمة الخاصة بطبق الكبيبات المسلوقة، وتتابع: «هي وجبة تراثية تعلمت صناعتها من والدتي، يبدأ طقس صناعتها في أواخر شهر كانون الأول تبشيراً بولادة السيد المسيح، حيث أقوم كعادة وطقس اجتماعي بإرسال وجبة صغيرة مما أصنعه للجيران الذين لم يتمكنوا من تحضيرها نتيجة الأوضاع الاقتصادية، وعدم توفر المكونات وخاصة في هذه الفترة الصعبة، فسعر الكيلو غرام الواحد من مادة البرغل وصل إلى حوالي 3500 ليرة، وسعر كيلوغرام السلق لو رغبت بشرائه من المحال التجارية يصل إلى ما يقارب 1000 ليرة، ناهيك عن الإضافات الأخرى من بصل وبهارات التي بات سعرها أيضاً مرتفع».
إذاً هي وجبة تراثية اجتماعية تعيد في ظل الظروف الحالية علاقات الود بين الناس، بحسب حديث الباحث التراثي "حسن إسماعيل"، وتأصل عادات وطقوس اعتاد أبناء الريف على ممارستها، وتعد كلمة الكبيبات جمع باللهجة الشعبية المحكية لكلمة (كبة)، وهي وجبة غنية بالفيتامينات والمعادن، حيث كان يقال عن البرغل أنه (مسامير الركب)، ولا أحد ينكر أن نتيجة الظروف الحالية كاد هذا الطقس أن يندثر، ولكن ارتباط الناس بماضيهم كان أقوى، ولكن بالمقابل لم يكن هذا الطقس الاجتماعي قادم من فراغ، وإنما ارتبط ارتباطاً وثيقاً بعيد "البشارة" في أواخر شهر كانون الأول، حيث بشر بولادة السيد المسيح رسول المحبة والسلام، لذلك كان عنوانه الخير والمحبة بين الجميع».
الجدير بالذكر أن الكثير من العائلات في الريف الشرقي من "طرطوس" والريف الجنوبي من "اللاذقية" يحاولون حتى اليوم التمسك بالعديد من الطقوس الاجتماعية التراثية، رغم الظروف الاقتصادية الصعبة التي فرضتها ظروف الحرب على "سورية".