كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

فيلم "الحكيم".. السينما التي تتكئ على المصادفات

أُبي حسن- فينكس:

تشهد صالات السينما في سوريا عرض فيلم "الحكيم" وهو من بطولة دريد لحام وصباح الجزائري، وإخراج باسل الخطيب، فيما النص الذي قوامه المصادفات للكاتبة ديانا جبور، والفيلم من انتاج المؤسسة العامة للسينما. وسبق أن نال الفيلم الجائزة الذهبية في مهرجان سينمانا الدولي بسلطنة عمان، كما نال جائزة في العراق.

تدور أحداث الفيلم، الذي يشهد إقبالاً جماهيرياً لافتاً في سوريا وهذا أمر أكثر من إيجابي وله أكثر من دلالة، في قرية سوريّة (ريف حمص)، ويتناول قصة طبيب (أخذ دوره الفنان دريد لحام) يفضّل البقاء في القرية لمداواة أهلها الفقراء مجاناً (فيما خصص أياماً مأجورة للمقتدرين مادياً)، وفي أوقات فراغه يهتم بالأرض وزراعتها في إشارة واضحة من صنّاع الفيلم على أهمية التشبث بها كونها ترمز الى الوطن. ناهيك عن أن للفيلم، الذي استغرق التحضير له مع تصويره عاماً كاملاً، دوره الجلي -من خلال ما يطرحه- في علاج الأزمات التي حلّت بالمجتمع السوري بسبب الحرب، وهنا حقيقة تكمن رسالية الفيلم، وهذا ليس أمراً 2دريد لحام في فيلم الحكيمغريباً عن صنّاعه.

أهالي القرية، عموماً أناس بسطاء، ولا يخلو الأمر أن تجد بينهم بعض المنحرفين الذين يتعاطون الحبوب المخدرة ويمتهنون السرقة وموبقات أخرى، وهؤلاء قلّة لكنهم كفيلون بتعكير راحة أهل القرية.

لاشك أن المخرج باسل الخطيب علامة فارقة في الدراما السورية بشقيها السينمائي والتلفزيوني، وهو مخرج مجتهد ومجد ودقيق في عمله، وبمعزل عن كون لغته الاخراجية في مجمل أعماله تكون أقرب الى السينما الواقعية، نجد أن فيلم الحكيم تخللته هنات تنبغي الإشارة إليها دون أن نقلل من أهمية العمل، مثل ذلك عند تعرض منزل الطبيب جابر (دريد لحام) للسرقة من قبل لص واحد، حيث تكون حفيدته ياسمين بمفردها في المنزل إذ يكون جدها الطبيب في الطريق يوصل بسيارته والدة احد الأطفال المرضى الى منزلها ليلاً، حيث نجد القائمين على العمل يترفعون عن عرض كيفية تمكّن اللص من تكبيل الفتاة ياسمين (وهي طالبة جامعية- كلية فنون جميلة) وربطها من يديها وساقيها وتكميم فمها ليتفرغ الى السرقة في غياب جدها! ترى ألم يكن الأجدر عرض مشهد ولو من بضع ثوان عن كيفية مقاومة ياسمين للص؟ ألم تصرخ طالبة النجدة؟ هل رضخت حالاً لتهديدات اللص لها؟ لا نعرف.. من هنا نجد أن المشهد كان ينقصه القليل من التأني كي يصبح أكثر نضجاً.

من جانب آخر، بذل المخرج حقاً جهداً جباراً، كي يبعد ذهن المشاهد عن أجواء فيلمه الأول مع الفنان دريد لحام، ونعني فيلم "دمشق- حلب" الذي أُخرج عام 2017، لكن حقيقة وجدنا أن الفنان دريد من خلال فيلم "الحكيم" حاول إعادة الاعتبار لمسلسل درامي له سبق أن عُرض قبل أكثر من ربع قرن بعنوان "أبو الهنا" كتبه له السيناريست الراحل حكم البابا، وليس سرّاً أن ذلك المسلسل لم يلق نجاحاً جماهيرياً كبقية أعمال دريد (السابقة واللاحقة) بالرغم من إصرار دريد -من خلال مقابلات سابقة له- أنه عمل ناجح لكن المشاهد لم يعتد على رؤيته بشخصية مهزومة كشخصية "أبو الهنا".. نقول حاول إعادة الاعتبار لذلك المسلسل من خلال استخدامه المكثّف للفظ "يا مُغيث" في فيلم "الحكيم" وذلك اللفظ، كان إحدى العلامات الفارقة في مسلسل "أبو الهنا" خاصة في المواقف المفترض أنها كوميدية.

أما من الأخطاء المعرفية التاريخية (إن جاز التعبير)، التي وقع فيها الفيلم، فهي عندما طُلب الطبيب، لتوليد امرأة، وتردد في ذلك بذريعة كونه طبيباً عاماً وليس طبيباً نسائياً ولم يسبق له أن زاول التوليد إلا مرة واحدة في السنوات الأخيرة من دراسته الجامعية كما يقول لحفيدته، علماً أنه في الفترة التي يفترض أن الحكيم جابر درس فيها الطب في وطنه سوريا، كان الاختصاص الطبي الوحيد الموجود هو الاختصاص الثلاثي الجامع التالي (توليد، نسائية، داخلية) وفق ما كان يكتب الأطباء على الآرمات الخاصة بهم فور تخرجهم من كلية الطب، واستمرت هذه الحالة في سوريا حتى سبعينات القرن الماضي، وحتى الآن توجد آرمات لأطباء قدامى تحمل الاختصاصات سابقة الذكر! بمعنى أنه، وبحسب المنطق التاريخي والمعرفي لدراسة الطب في هاتيك المرحلة يُفترض أن الحكيم جابر (دريد لحام) ممتهن للتوليد، وغالبية السوريين الحاليين عاصروا أولئك الأطباء في أماكن تواجدهم.

أمر آخر، يلفت الانتباه، ألا وهو عقب توليد الحكيم للمرأة الحامل، يطلبونه مباشرة لتوليد بقرة، حقيقة كان المشهد بمجمله مقحماً على النص، وعلى الصعد كافة، وان كان ثمة مبرر له، فلعله فقط بقصد الفكاهة، إذ ثمة في الوعي المسبق للمشاهد أن الفيلم من بطولة الكوميدي العربي الأشهر (دريد لحام) ومن غير المعقول أن يرى هذا المشاهد الفيلم دون لمسة فكاهة لكنها لم تكن في هذا المشهد مقنعة ولا مبررة..

والأمر ذاته في مسألة اختطاف الحفيدة ياسمين وكيفية عودتها أو تحريرها.. كان المشهد برمته قائماً على المصادفة، شأنه شأن الكثير من أحداث الفيلم مما ذكرنا ومما لا يتسع المقام لذكرها، وهذه المصادفات كانت على حساب التطور الدرامي التلقائي والعفوي للفيلم، وأكاد أجزم لولا اسم بطل الفيلم ومخرجه لما وافقت المؤسسة العامة للإنتاج السينمائي على انتاجه.

وثمة سؤال يطرح نفسه: ما هو دور المشرف العام على الفيلم، ونعني السيد مراد شاهين، الذي لم يسبق أن رأيناً أي عمل سينمائي له، في تلافي بعض الأخطاء أو اللامعقول في هذا الفيلم أو ذاك من الأفلام التي تنتجها المؤسسة في عهده؟ طبعاً لانجد من اللائق ذكر رأي المخرج الراحل ريمون بطرس به، وهو رأي قاله لي شخصياً، لاسيما أن الأخير لم يعد بيننا.

هذه الهنات العابرة التي أشرت إليها، والتي قد يتفق معي بها البعض ويخالفني فيها آخرون، لا تنفي مطلقاً أهمية العمل من حيث المضمون الإنساني لا الدرامي، ولا تقلل من قيمة الجهد المبذول فيه لأجل الرسالة (مجدداً، الإنسانية لا الدرامية) التي يريد ايصالها ونذر نفسه إليها ألا وهي تأكيده على حالة التكافل واللحمة المطلوب تواجدها اليوم في مجتمع عانى كارثة حرب غير مسبوقة، ستبقى تداعياتها موجودة لسنوات طويلة وفق تعبير المخرج باسل الخطيب الذي ينتصر في فيلمه لفكرة الخير، والأهم أنها لا تقلل من توثيقه سينمائياً لجانب من معاناة السوريين ومآسيهم بسبب الحرب الظالمة عليهم.