كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

بعد فوزه بجائزة كتارا للرواية العربية الروائي ربيع فريد مرشد: لم يكن في ذهني أن أصبح كاتِباً

أمينة عباس - فينكس

حقق الأدب السوري حضوراً متميزاً في جائزة كتارا للرواية العربية في دورتها الحادية عشرة التي تم الإعلان عنها مؤخراً في دولة قطر، من خلال فوز الروائي ربيع فريد مرشد عن فئة رواية الفتيان عبر روايته "جيمة وجوما في عواصفنا المعلومة". وتعد جائزة كتارا للرواية العربية من أهم الجوائز الأدبية العربية، وحول هذه الجائزة كان حوارنا التالي مع ربيع مرشد الذي أكد في حواره على أن فوزه كان قائماً على عدة أمور: "الفكرة الجديدة، مناقشة مسائل تخص جيل الفتيان، تقديم النص بطريقة مناسبة لهذه الفئة العمرية".
*ماذا تعني الجائزة لك؟ ما أهميتها بالنسبة لأي كاتب برأيك؟
**إن أي جائزة أدبية من شأنها أن تهب الكاتب مجموعة من الأحاسيس والمشاعر، منها ثقة الكاتب بقلمه، مما يعطيه الأمر المهم: وهو الاندفاع. لكن في المقابل عليه ألا يذهب بعيداً في اندفاعه، فهذا يأخذنا إلى خانة العاطفة الكاملة، ونحن بأمسّ الحاجة إلى إعمال العقل المترافق مع المشاعر الفياضة والمدروسة. وهنا لا بدّ من الميزان العظيم في النص المكتوب، ما بين القلب والعقل، وكذلك شعور الفخر وهو أمر قيّم، أن تجد قيمتك في جائزة ما، فذلك لعمري هو أمر رائع، وخاصة حين تكون الجائزة تملك رفعة وقيمة كتارا، إلى جانب التحدي؛ حين تفوز فأنت تصبح بشكلٍ أو بآخر مطالباً، ومن هنا دعيني أستعير جملة من أحد نسخ أفلام سوبرمان، حين قال: مع القوة العظيمة تأتي المسؤولية العظيمة. ومن هذا المنطلق تصبح مسؤولية الكاتب أعلى وأكبر: أنت فزت بكتارا، ننتظر منك المزيد. أما بالنسبة لسؤال: ماذا تعني لك الجائزة؟ الجائزة لها من الرفعة الكثير، هذا فضلاً عن تعريف الفائز بالوسط الأدبي ودخوله من أوسع أبوابه، أيضاً هناك السيرة الذاتية (CV)، الجائزة ترفد سيرتك الشخصية وتدعمها.
*حدثنا عن الرواية وكيف ولدت فكرتها؟
**بالنسبة لانطلاق كتابة هذه الرواية فله قصة حصلت: الأمر بدأ منذ 4 سنوات تقريباً، حيث كنت وابنتي "إنانا" ذات الأعوام السبعة حينها، كنا في سوق المدينة، وكنت أفتّش عن قميصٍ أسود اللون لأشتريه، وبكون الثياب غالية السعر بالنسبة لمدرِّس في سورية، فقد اتجهت بطبيعة الحال إلى متاجر الثياب الأوروبية البالية. دخلت المتجر وسألت عن القميص، في تلك اللحظة رأت إنانا لعبة دبّة بيضاء متوسطة الحجم فطلبت أن أبتاعها لها. اشترينا اللعبة: الدبّة القطبية وعدنا إلى المنزل. في المساء كنت مع صديقي اللاب توب أقوم بتحرير أحد النصوص، دخلت إليَّ ابنتاي مسرعتين: إنانا ومينا، "أبي أبي... أنظر إلى هذين الدبّين اللعبتين... أليستا كالأخوة؟". وطبعاً اللعبة الأخرى كانت متواجدة سابقاً في المنزل، أجبتهما مبتسماً وعدت إلى العمل. في تلك اللحظة بزغت الفكرة، فكتبت عن لعبتين: دبّين مقطوعتين من القماشة نفسها، ومتواجدتين في أحد متاجر لندن، وبطريقة ما من خلال السرد أصبحت اللعبتان – وبطريقة ما – تشعران وتتكلمان، وكانتا قد أخذتا اسمين: جيمة: الدبّة البيضاء القطبية، وجوما: دب الغابات البني. في السفينة المتجهة إلى بلادنا الفقيرة التي تستورد الألعاب البالية ليشتريها أطفالنا الفقراء، تم التعارف مع أربعة ألعاب أخرى، ولكل دمية حكاية أدت إلى زرع الشعور واستطاعة الكلام في تلك الألعاب. أنهيت بداية النص وكان عنوانه فقط: جيمة وجوما. بعد سنة من هذه الحادثة، وكنت قد نسيت الأمر، كنت أعمل على اللاب توب، وبالمصادفة رأيت نص جيمة وجوما، فقررت أن أكمل العمل، فأخذت أعمل، انفصلت الألعاب عن بعضها البعض وصارت تلف عواصم الوطن العربي بحثاً عن رفاقهم، جيمة مع البقرة زاد الخير والديك الصياح، وجوما مع القرد مونكي والمهرّج سرحان، وكان في كل عاصمة حكاية تناقش بعض مشاكل جيل الفتيان العرب.
*ماذا تحمل هذه الرواية من خصوصية؟
**تتجلّى خصوصية العمل في حداثة الفكرة، وحداثة الطرح والإضاءة على بعض مشاكل هذا الجيل من خلال مغامرات الدمى في عواصم وطننا العربي.
*هل من قاسم مشترك بينها وبين ما سبق وكتبته؟
**نعم هناك قواسم مشتركة مع نص لي تحت الطباعة، وهو نص يضيء أيضاً على بعض مشاكل الجيل الجديد، لكن تلك المشاكل لم تقتصر فقط على العالم العربي، بل كانت تتصف بالعالمية التي تعاني منها أجيال العالم قاطبة.
*كثيرون من الكتّاب يكتبون وعيونهم على الجوائز، أي أنهم يكتبون وفقَ معايير معينة لتحظى مشاركاتهم بالفوز.. فماذا عنك؟
**بالنسبة للكتّاب الذين يطمحون لأي جائزة فهو أمر طبيعي ومشروع، إن محاولة الوصول للشهرة أمر طبيعي في داخل أكثر الناس؛ وهذا ينطبق عليّ أنا. أما بالنسبة لهذا النص تحديداً فأنا لم أكتبه لأجل هذه الجائزة، بل كان مركوناً بانتظار فرصة نشره، وشاءت الأقدار أن يفوز.
*فئة الفتيان من الفئات المظلومة في الأدب الحالي.. كيف تفسر قلة التوجه لهم؟
**نعم صحيح. وأعتقد أن هذا الأمر له علاقة بالسوق، كيف ذلك؟ سأقول لكم: دور النشر تريد الربح، وهنا لا بد من التوجه إلى السوق الأكثر جدوى، فيركز الناشرون على الفئات الأكثر استقطاباً: القرّاء الكبار والأطفال بالسن الصغير. لماذا؟ لأن فئة الفتيان سرقتها وسائل التواصل الاجتماعي والألعاب الإلكترونية، فغدت القراءة عبئاً ثقيلاً أمام ما هو متاح من تسلية فائقة... للأسف!
*هل يستطيع أي كاتب التوجه لهذه الفئة برأيك؟
**هذه الفئة بالتحديد تحتاج الكثير من التوازن الذكي، لا تستطيع الاستهتار بفكرهم فتكتب نصاً لمرحلة عمرية أقل، وفي الوقت نفسه لا تستطيع أن تكتب كما تكتب للكبار. الأمر متعلق بالوعي، وهنا تكمن خطورة كتابة نص مزروع بالألغام.
*ماذا عن المطبات التي يقع فيها عادة من يكتب لهذه الفئة؟
**أهم تلك المطبّات هي قلة فهم أو إدراك كيف يفكرون!. نعم... إن لم ندرس حالاتهم النفسية بذكاء لن نستطيع الكتابة لهم... نحن نتحدث هنا عن أخطر المراحل العمرية، عن القنابل الموقوتة التي ستنفجر عند أي كلمة لا تعجبهم... وهنا من شأن أدب الفتيان أن يزرع القيم الكبرى بطريقة ذكية وغير تلقينية.
*والصفات التي يجب أن يتمتع بها من يكتب لهم؟
**ببساطة أن يصبح الكاتب مثلهم، يحب ما يحبون، يفهم طريقة تفكيرهم في الحياة، يتماهى مع أحلامهم وتطلعاتهم وأهدافهم، يحترم ذكائهم وطريقة تفكيرهم، يناقشهم بتواضع، يستمع لهم باهتمام... ومن ثم يكتب لهم باحترامٍ ذكي.
*ما هو أكبر تحد تواجهه وأنت تكتب لهذه الفئة التي هي اليوم بعيدة كل البعد عن القراءة والكتاب؟
**التحدي الأكبر يكمن في النص الذكي الجيّاش الذي يتناسب مع هذه الفئة. والسؤال الصعب هنا: "كيف تستطيع إقناع هذا الفتى أن يترك الجوّال لأجل الكتاب؟! وكيف بمقدورك أن تستقطب تلك الفتاة وتترك ما بين يديها لأجل الكتاب؟". نعم... الأمر يحتاج الهدوء والإصرار المتواري والصبر، أقنع هذا الفتى بقراءة نص جميل مناسب واحد، ثم تعال إلى الآخر، خذه بنزهة جميلة، حدثه باحترام، كافئه إن أخذ برأيك، ابتسم له/ا وامسح شعره باهتمام... اقرأ معه، لا تضغط عليهم.
*كيف كانت بداياتك في الكتابة؟ متى أصبحت الكتابة هاجساً حقيقياً لك؟
** في بداية فيلم: الأسطورة 1900 جملة تقول: "لن تنتهي ما دام لديك قصة ترويها... وتجد من يستمع إليها باهتمام". في الحقيقة كنت رساماً وعندي مرسمٌ في المدينة، وكنت أدون بعض القصائد على هامش الرسم، حتى حدث معي حادثة سير مؤلمة في: 7/4/2009، دخلت في غيبوبة مدة 15 يوماً، ونسبة نجاتي معدومة 3%، ونزف دماغي حاد حيث انخمص الدماغ حتى الثلث؛ لكن الله عز وجل كان له رأي آخر بعيداً عن يقين الأطباء المطلق، حيث استيقظت في اليوم 21 من الشهر نفسه. لم يكن في ذهني أن أصبح كاتِباً، لكنني طبعت ديوان الشعر فقط حتى أخرج من حالتي المقيتة وأتجرّع جرعة من الفرح العظيم. لا شكّ بأن الحياة تسيرنا، تأخذنا إلى أماكن لم تكن في أجندتنا اليومية أو المستقبلية، بعد طباعة الديوان أشار لي أحدهم أن أكتب القصة القصيرة، طبعت مجموعتي الأولى في بيروت، كل الأصدقاء أجمعوا بنَفَسي الروائي، وفعلاً نشرت روايتي الأولى: حكايات نجيع، ثم سَبَردَج روايتي الثانية، والثالثة تحت النشر، ثم التفتّ للكتابة لأجل الأطفال والفتيان...إلخ.
*تكتب الشعر والنص المسرحي إلى جانب القصة والرواية، كيف تفسر هذا التعدد في أنواع الكتابة لديك؟
**أنا أكتب في مختلف المجالات.. لكل نمط أدبي خصوصيته، ولكل نمط ذائقته المتفردة، كتبت مسرحاً للكبار وللفتيان، ووصلت إلى القائمة القصيرة في جائزة الدولة لأدب الطفل، فئة النص المسرحي 2021.. إن الكاتب المبدع يستطيع الكتابة في كل المجالات، نحن فقط نحتاج إلى قراءات غنية مستمرة في كل شيء... الكاتب الموهوب يستطيع الكتابة في أي فئة.