كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

في رحاب الغة العربية.. بيانها وسحرها

محسن سلامة

(الأضداد قتلته)
دخل رجلٌ من العرب على مَلِكٍ من حِمْيَر، فقال له الملك:
ثبْ يا أخا العرب، (أي اقعد بلغة الملك)
فوثب الرجل ومن مكان مرتفع، (حسب معنى وثب في قبيلته وهو القفز) ظنّاً منه أنّ الملك يمتحن ولاءه، فتكسّر الرجل وهلك.
فقال الملك: من دخل ظَفارِ حَمَّرَ، أي يجب أن يتكلّمَ بالحِمْيَريّة ويفهم لهجتها،
ولم يكن الرجل يعلم أنّ معنى وثب بلغة الملك هي قعد وجلس، وأنّ الوثوب هو القعود، وأنّ وثّبَهُ أقعده على وساده.
__ ورد في قاموس لسان العرب:
قدم عامر بن الطفيل على سيّدنا رسول اللّه محمّد، فوثّبَ له وساده، أي أقعده على وساده، لأنّ الرسول كان يخاطب كلّ قوم بلهجتهم.
___ وقد أشارت جميع المعاجم إلى هذه الأضداد:
__ (تهجّد: السهر والنوم)، (المباءة: للخير والشر)ّ، (باع: ابتاع واشترى)، (البَيْن: الفُراق والوصل)، (التلعة: ما انخفض وارتفع من الأرض)، (أثنى عليه: خيراً وشرّا)ً،
(المأتم: اجتماع النساء في الخير والشرّ)، (أثاب: المحسنَ والمسيءَ)، (الأمر الجلل: العظيم واليسير)، (حرسَ: حفظ وسرق ليلاً)، (الحميم: الماء الحارّ والبارد)،
(أخفى: سرّ وظهر)، (هوى: انحدر وارتفع)، (يُسِرّ: يظهر ويكتم)، (السليم: اللديغ والسالم)،
(وراء: خلف وقدّام)، (الشوهاء: القبيحة والجميلة) (الجلل: العظيم واليسير) (البعض: الكلّ والبعض) (الظنّ: الشكّ والعلم)
(شجاني: أفرحني وأحزنني) (مولاي: السيّد والعبد)، (وثب: جلس قفز)، (عَنْوة: غصباً طاعة)، (أعور: السليم أو لمن ذهبت إحدى عينيه)
(فاز: نجا هلك)، (قرّظه: مدحه ذمّه)، (البلهاء: ناقصة العقل وكاملة العقل)، (ممنون: القويّ والضعيف)
لذلك من الخطأ أن تقول لمن أحسن إليك (ممنون) بل قل: شاكر، لأنّ ممنون من معاني القويّ والضعيف.
__لن يستطيع أحد إحصاء الكلمات التي تحمل المعنى وضدّه، فاكتفينا بنماذج منها.
__ سنأتي بمثال واحد لنؤكّد صحّة ما ذهبنا إليه:
قال تعالى في سورة الكهف الآية 79:
وكان وراءَهم ملكٌ يأخذُ كلَّ سفينةٍ غصباً
المعنى: وكان أمامهم ملك، حيث جاءت كلمة وراء هنا في الآية بمعنى أمام
فحذار السفر إلى بلاد حمير، فالرسول صلّى اللّه عليه وسلّم قال: أسرار (كان)
ليس عندنا عربيّة كعربيّتهم،
أي ليس عندنا لهجة كلهجتهم وألفاظ كألفاظهم
___
عرف العرب سبع لهجات كان الرسول يعلّم كلّ قوم شؤون دينهم بلهجتهم، ومن هنا سمعنا أنّ للسيف تسعين اسماً وللكلب سبعين اسماً وهذا إغناء لمفردات اللغة العربيّه، لغة الخلود والحياة
*****
(أسرار كان)
١ـ سُمّيتْ كان ناقصة لأنّه لا يتمّ بها مع مرفوعها معنى مفيد، كانَ الرجلُ، بل لا بدّ لها من شيء يصف مرفوعها حتّى يتبيّن المقصود ويتمّ المعنى، كانَ الرجلُ كريماً، حصلت الفائدة ببيان الصفة التي كان الرجل عليها الكرم
اسمها وخبرها هما قبل دخول كان مبتدأ وخبر، الرجلُ كريمٌ، بقي الاسم مرفوعاً تشبيهاً له بالفاعل والخبر منصوباً تشبيهاً له بالمفعول به، لأن كان فعل
بينما لو قلنا: جاءَ الرجلُ لوجدنا المعنى تامّاً لذلك قالوا: جاء فعل تامّ، وكان فعل ناقص لعدم اكتمال المعنى كانَ الرجلُ
كانَ: فعل ماض ناقص مبنيّ على الفتحة الظاهرة على آخره
الرجلُ: اسم كان مرفوع وعلامة رفعه الضمّة الظاهرة على آخره
كريماً: خبر كان منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة
٢ـ كان تامّة التصرّف أي لها ماض و مضارع وأمر و اسم مصدر واسم فاعل
ـ الماضي كما وجدنا كان الرجل كريماً
- المضارع يكونُ الرجلُ كريماً، يكونُ: فعل مضارع ناقص مرفوع وعلامة رفعه الضمّة الظاهرة
الرجلُ اسم، كريماً خبر
ـ الأمر كنْ كريماً، كنْ فعل أمر ناقص مبنيّ على السكون الظاهر، اسم كن ضمير مستتر وجوباً تقديره أنت، كريماً خبر منصوب
- اسم المصدر، كونُكَ إيّاهُ عليك يسيرُ
إيّاهُ: ضمير نصب منفصل مبنيّ على الضمّ في محلّ نصب خبر المصدر كونُ مصدر الفعل الماضي الناقص كان
كونُكَ: مبتدأ مرفوع وعلامة رفعه الضمّة الظاهرة، والكاف ضمير متّصل مبنيّ على الفتح في محلّ جرّ بالإضافة
- اسم الفاعل،
وما كلّ من يبدي البشاشة كائناً أخاكَ إذا لم تلْفِهِ لكَ منجدا
أخاكَ خبر كائناً (اسم الفاعل كان) منصوب وعلامة نصبه الألف لأنّه من الأسماء الخمسة، الكاف ضمير متّصل مبنيّ على الفتح في محلّ جرّ بالإضافة
كائناً خبر ما الحجازيّة أوّل البيت
٢ـ قد يتقدّم الخبر على الاسم
ـ إذا كان الخبر شبه جملة (أي ظرف أو جارّ و مجرور) والاسم نكرة، كانَ في الحقلِ فلّاحٌ، في الحقل جارّ ومجرور متعلّقان بخبر مقدّم، فلّاحٌ اسم كان مؤخّر لأنّه نكرة، وكان الخبر في الحقل شبه جملة
ومثل ذلك كان عندَ الحقلِ فلّاحٌ
- إذا كان الاسم مصدراً مؤولاً، كانَ الأفضلَ أن تجتهدَ، أن تجتهد مصدر مؤول في محلّ رفع اسم كان، الأفضلَ خبر كان مقدّم، التقدير: كانَ الأجتهادُ الأفضلَ
ـ يتقدّم الاسم على الخبر وجوباً إذا تساويا في درجة التعريف،
كانَ صديقي شريكي،
صديقي اسم كان مرفوع وعلامة رفعه الضمّة المقدّرة على ما قبل ياء المتكلّم منع من ظهورها اشتغال المحلّ بالحركة المناسبة، وباء المتكلّم ضمير متّصل مبنيّ على السكون في محلّ جرّ بالإضافة
شريكي خبر كان منصوب وعلامة نصبه الفتحة المقدّرة على ما قبل ياء المتكلّم منع من ظهورها اشتغال المحلّ بالحركة المناسبة، وباء المتكلّم ضمير متّصل مبنيّ على السكون في محلّ جرّ بالإضافة
٣ـ تأتي كان فعل تامّ إذا جاءت بمعنى جاء أو حصل،
لمّا كانَ الصيفُ ذهبْنا إلى البحر،
أي لمّا جاء الصيفُ، كانَ فعل ماض تامّ مبنيّ على الفتحة الظاهرة، الصيفُ فاعل مرفوع وعلامة رفعه الضمّة الظاهرة
٤ـ تأتي كان زائدة بين ما التعجبيّة وفعل التعجّب،
ما كانَ أجملَ العدلَ،
ما التعجبيّة نكرة تامّة مبنيّة على السكون في محلّ رفع مبتدأ
كانَ: زائدة لا محلّ لها من الإعراب، تفيد التوكيد
أجملَ فعل ماض جامد لإنشاء التعجّب مبنيّ على الفتحة الظاهرة، العدلَ مفعول به (أجملَ العدلَ) في محلّ رفع خبر المبتدأ ما
٥ـ قد تُحذَف كان مع اسمها بعد إن ولو الشرطيّتان
قالت الشاعرة ليلى الأخيليّة:
لا تقربَنَّ الدهرَ آلَ مَطرّفٍ
إنْ ظالماً أبداً و إنْ مظلوما
التقدير: إنْ كنتَ ظالماً وإنْ كنتَ مظلوماً
التمسْ ولو خاتماً من حديد
أي ولو كان خاتماً من حديد
٦ـ قد تُحذف نون مضارع كان إذا كانت علامة جزمه السكون
قال زُهير بن أبي سُلمى:
و مَنْ يَكُ ذا فضلٍ فيبخلْ بفضله
يَكُ: فعل مضارع ناقص مجزوم لأنّه فعل الشرط وعلامة جزمه السكون على النون المحذوفة للتخفيف (يكنْ)
وفي قوله تعالى سورة مريم ٢٠ :
ولم أَكُ بَغيّاً
أكُ: فعل مضارع مجزوم بلم وعلامة جزمه السكون على النون المحذوفة للتخفيف (أكنْ)
 
*****
(الأضداد)
__ كلمة (وراء) بمعنى: خَلْفَ، وراء
ولكنّها تأتي بمعنى: قدّام وأمام، ويؤيّد ذلك:
__ قوله تعالى الآية (10) من سورة الجاثية:
من (ورائهم) جهنّمُ ،
أي: من أمامهم
__ وقوله تعالى في الآية (79) من سورة الكهف:
وكان من (ورائهم) مَلِكٌ يأخذُ كلَّ سفينةٍ غَصْبا،
أي: أمامهم، الملك كان قُدّامهم
__ وقد جاء في أضداد ابن الأنباريّ: يُقال للرّجل: وراءَك، أي: خَلْفَك، ووراءك أيضاً، أي: أمامك
__ قال الشاعر سَوّار بن المُضَرّب:
.............. والفلاة ورائيا __ أي: قُدّامي
__ وقال الشاعر لبيد بن أبي ربيعة: أليس ورائي إن تراخت منيّتي.... أي: أليس أمامي،
__ وقال الشاعر عروة بن الورد: أليس ورائي أن أدبّ على العصا.... أي: أليس أمامي،
__ فما رأيك يا رعاك الله؟!
 *****
1 _ ( اليتيم من فقد الأب)
2 _ ( العجيّ من فقد أمّه)
3 _ (اللطيم من فقد أبويه)
1 __ (اليتيم) من فقد أباه من الناس قبل البلوغ، وإذا وصل سنّ البلوغ زال عنه اسم اليتيم، كانوا يسمّون النبي محمّد يتيم أبي طالب لأنّه ربّاه بعد موت أبيه،
__ واليتيم في البهائم من فقد الأمّ،
__ كلّ شيء مفرد بغير نظيره فهو (يتيم)، يقال: درّة يتيمة
اليتيم: الحاجة
__ يقال: هو في (مَيْتَمة)، أي: في يتامى، ومَيْتمَة جمع على وزن مَفْعَلة، كما يقال: مَشْيَخَة للشيوخ، قال تعالى في سورة النساء 2 :
(وآتوا اليتامى أموالهم)
__ ( اليُتْمُ: الانفراد، الجمع أيتام ويتامى)
__ (اليُتْم: الغَفْلة)
__ (اليُتْم: الإبطاء)
__ (اليُتْم: الحاجة)
__ (اليُتْم: الرّملة المنفردة)
2 __ (العجيّ) من ماتت أمّه من الأطفال الذكور والإناث قبل فطامه، فيُرَبّى بلبن غيرها
__ وفي حديث رسول الله: كنت يتيماً ولم أكن (عجيّاً)
__ قال ابن خالويه: العجيّ في البهائم مثل اليتيم في الناس
__ العجيّ: القليل الغذاء
3 __ (اللطيم) من فقد أبويه وهو صغير
__ اللطيم من الخيل الذي سالت غرّته في أحد شقّي وجهه، وغرّته أعظم الغرر
__ اللطيم: التاسع من سوابق الخيل،
__ اللطيم: الصغير من الإبل
__ اللطْم: الضرب على الوجه بباطن الراحة، قال حاتم الطائيّ يسخر من امرأة سوداء لطمته، وهو مثل شعبيّ شهير:
(لو ذاتُ سوارٍ لطمتني)، أي: يا ليت لو حسناء فاتنة لطمتني