في ذكرى مجزرة صبرا وشاتيلا مفهوم الإبادة في العقل الإسرائيلي
2025.09.25
أمينة عباس
على وقع ما يحدث في غزة، أحييت مؤخراً أكاديمية دار الثقافة في دمشق، وضمن مقرها بمخيم اليرموك، الذكرى الـ43 لمجزرة صبرا وشاتيلا من خلال ندوة أقامتها مؤخراً بعنوان "مفهوم الإبادة في العقل الإسرائيلي" بمشاركة د. سامي الشيخ والباحث محمد العبدالله، وقد أدار الحوار الكاتب الصحفي محمد حسين الذي ذكر في بداية الندوة العديد من المجازر التي ارتكبها العدو الصهيوني، وقد تساءل: "هل القتل وإبادة الآخر مستمد من الفكر الصهيوني، أم من المعتقدات الدينية، أم أن أي احتلال مهما كان نوعه يمارس القتل لتثبيت وجوده؟" مؤكداً أن الديانات تحولت إلى أيديولوجيات يوظفها الأكثر ذكاءً لتحقيق مصالح دنيوية، وأن الحركة الصهيونية طرحت نفسها كحركة استيطانية تريد جمع الشتات اليهودي في فلسطين، فطرحت مقولة "أرض بلا شعب وشعب بلا أرض"، وانطلاقاً من هذه الفكرة وتجسيدها المادي تقوم إسرائيل بقتل الشعب الفلسطيني وتهجيره لإثبات هذه الحقيقة.
الأيديولوجيا الإبادية
لم تكن مذبحة صبرا وشاتيلا حدثاً استثنائياً في المسار الذي سارت فيه الحركة الصهيونية، الحافل مشروعها بالمذابح والاقتلاع والتهجير، وما يحدث الآن في غزة ما هو إلا استمرار لهذه المجازر والرغبة الدائمة للقتل والتدمير. وقد عاد المشاركان الشيخ ود.العبدالله في بحثهما عن جذور هذه الرغبة المحمومة في القتل من قبل العدو الصهيوني إلى النصوص التوراتية والأسفار المسكونة بهاجس القتل والنهب والحروب، وتمجيد دمار حضاراتنا الأولى وقتل شعوبها، متفقين على أن الأيديولوجيا الإبادية تشمل طرد كل أهل الأرض الموعودة واغتصابها، كما تشمل، بالإضافة للقتل، تخريباً وتدميراً عمرانياً وثقافياً، حيث تتكرر طقوس القتل والذبح والاقتلاع في هذه الأسفار. فتطرق د. العبدالله إلى الكتاب الصادر أواخر عام 2009 تحت اسم "توراة / عقيدة الملك" للحاخامين يتسحاق شبيرا ويوسي إيليتسور، واللذان اعتمدا فيه على ما ورد في التوراة لقتل الأطفال وحتى الرضع، وهذا ما تضمنته أيضاً تصاريح الحاخامات، ومنهم رئيس حزب شاس الديني السابق "عافوديا يوسف"، حيث يقول: "الرب قد ندم لأنه خلق العرب، إنهم أفاعٍ سامة والموت لهم أفضل من الحياة"، وهذا يؤكد أن الدين اليهودي يحث على التخلص من كل من يسكن فلسطين: "إذا دخلت المدينة وملكتها فاحرص على أن تجعل نساءها سبايا لك ورجالها عبيداً لك أو قتلى مع أطفالهم".. من هنا، فإن النصوص التوراتية التي نُسجت منها الذهنية اليهودية وتمحورت حول فكرة "إسرائيل / الأرض الموعودة" تضعنا أمام أيديولوجية إبادة جماعية لا تتحقق إلا بالعنف المميت. لذلك تلجأ الحركة الصهيونية للعنف والقتل والاقتلاع: "إن عنصرية هذه الحركة ليست سوى مظهر واحد من مظاهرها، لذلك فإن وصف بعض الكتاب الصهيونيين وأهدافها بالفصل العنصري فقط هو توصيف ناقص وحمال أوجه، لأن الصهيونية لا تتحقق إلا باستكمال كل عناصر الإبادة من احتلال أرض الغير واقتلاع الشعب صاحب الأرض والتاريخ، وإحلال سكان آخرين، واستبدال ثقافة بثقافة، وتاريخ بتاريخ".
وأما الزعم بأن الصهيونية حركة تحرر وطني فلا يختلف برأي العبدالله عن الزعم بأن النازية ثورة أخلاقية أو مذهب في فلسفة الأخلاق: "لهذا تبقى الأيديولوجية الإبادية هي أصدق تعريف للصهيونية ولكل فكرة 'إسرائيل' قديماً وحديثاً". وأنهى العبدالله مشاركته بما قاله الشهيد باسل الأعرج: "لا تحلموا بعالم سعيد طالما إسرائيل موجودة".
الأنا اليهودية والأنا الصهيوني
وكمدخل لحديثه، أشار الباحث سامي الشيخ إلى بعض المجازر التي حدثت في شهر أيلول بحق الفلسطينيين، وكذلك إلى المجازر الأخرى التي ارتكبها الصهاينة، مثل: قانا ودير ياسين وغزة، والتي تبين بشكل واضح الطبيعة الإرهابية للفكر الصهيوني الذي يستند إلى ما جاء في الأسفار التوراتية والتلمودية التي تدعو إلى ممارسة القتل والإبادة بحق الشعب الفلسطيني، والتي تطرق إليها الشيخ، الذي رأى أن الهوية اليهودية بالاجمال وبنسبة كبيرة تلتقي مع مشرب الثقافة التوراتية والتلمودية اليهودية: "لا يوجد انفصال بينهم، هناك صلة جوهرية بين الثقافة والوجود الاجتماعي الحامل لها وبين الأيديولوجية والممارسة الفعلية، حيث كل ممارسة إرهابية في التاريخ الصهيوني أسسها أيديولوجية ترتكز عليها وتنهل منها، وإن المتعمق في دراسة التاريخ اليهودي سيدرك أنه تاريخ يأمر بالقتل من منطق توراتي، لذلك لا انفصال بين الأنا اليهودية والأنا الصهيوني، وهما ذات واحدة تدعو إلى تقديس القتل".