كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

الشاعر عبد الله زريقة 1953

جمانة طه

شاعر مغربي ولد في الدار البيضاء، درس في الجامعة علم الاجتماع في العام 1978 تخرج وتعرض للاعتقال. كان عبد الله الشاعر المغربي الوحيد الذي اعتقل وحوكم وصدر في حقه حكم بالسجن سنتين من أجل قصيدة، قضاهما في سجن مكناس. "ولدتُ في غرفة بها صراخ، كيف لا أصرخ؟" هكذا قال عبد الله زريقة وكان يقصد أن ما كتبه من نصوص شعرية صارخة، هي استجابة موضوعية لحجم الصراخ المستلهم من سنوات مغرب الجمر والقمع والرصاص.
يضع الشاعر زريقة القارئ في معظم أشعاره، في أجواء قاتمة تعبر عن تحولاته الذاتية العميقة. يقول في ديوانه "فراشات سوداء":
"...وأخشى المائدة/ التي يُجتمع حولها للأكل/ يُجتمع حولها للقتل/ وأخشى الإنسان/ يملك عينين اثنتين/ عين تأكل/ وعين تقتل". جاء في شهادة الشاعر والروائي المغربي حسن نجمي عن الشاعر عبد الله: " لم يكن لعبد الله متطلبات كبيرة لكي يكون شاعرًا كبيرًا وحقيقيًا، وهو بالفعل كذلك، بل كان مطلبه الصغير وما زال أن ينأى بنفسه عن الزعيق العام الذي استسلم له أغلبنا من الشعراء المغاربة. وأن ينأى عنه كل نص عمومي وكل فعل ثقافي أو اجتماعي أو سياسي قد يؤثر على صمته وعلى المسافة النبيلة التي اختطها لنفسه اتجاه الدولة والمجتمع واللغة المتورمة بأنفاس المؤسسات العمومية."
في قصيدة اسمها "في تقرير مصير جسم يحب الشجرة"، يقول:
لمّا أحببت الشجرة وأجدتُ مدّ عنقي
حتى السقف الحديدي
حفروا يدي بين القصيدة والقصيدة
وسألوني:
ها أنت الآن معصوب العينين مصلوب الجسد المثلث
ونحن في السكر ننفخ الكحول في وجهك
نحفرك
نحفرك
حتى نجد جذر الشجرة في عنقك
فاقرأ شجرتك!
**
هل تساءلتم
ماذا قالوا لوجهي المعلق بين خشبتين
ماذا قالوا ليدي المحفرتين
لكن
هل تساءلتم:
ماذا رأيتُ وأنا معصوب العينين
كنتُ في اللحظة بين الحديد والخشب
فأعلنتُ
أن جسدي مربع بين قائمتين
وأنني
أرفع سلاسلي بفمي فأضع الحديد بين أسناني
وأمضغه بسهولة
**
وقلت:
إني اليوم جمعتُ أطرافي
وتحسستُ كلماتي في عروقي
ومشيتُ فوق جروحي
وأعلنتُ:
أن شهادتي:
جسدٌ حديدي
يقتات من أعراش الدم المرجاني
وأن سمائي أمطرت أربعة فصول:
في الصيف الأول:
كان البرق الأزرق تَمددَ أطفالًا
في الخريف الثاني:
أرعد مرتين ثلجًا دمويًا
في الشتاء الثالث:
كانت كلمتي الطفيلة قد تشكلت
في الربيع الأخير:
كنت أَحصي
اعتقالاتي
واختطافاتي
واغتيالاتي.
ص55-57
من كتابي "اعتقال الحياة: من أدب المنافي والمعتقلات"./ دار سامح للنشر، السويد