كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

أين تقع الجنة؟

قصة قصيرة
محمد صباح الحواصلي
١٧ آب ٢٠١٧
بعد أن انتهت من صلاة العشاء، وانتهى هو من قراءته في كتاب (متن الآجرومية في علم العربية) لابن آجروم، ليتثبت من قاعدة في باب أحوال ظرف الزمان وظرف المكان. ولأن الوقت أوغل في العتمة، وتمكن الصمت المريب من شعاب الطرقات، فقد قال لزوجه:
"نمشي في البيت، بدلا من الخروج والسير ليلاً في ممشى سوس كريك."
فوضعت زوجه إبريق الشاي على الموقد وقالت:
"نمشي ريثما يغلي الإبريق."
وضع في أذنيه سماعتين، واختار من (اليوتيوب) في جواله باقة من الأغاني الفرنسية القديمة، وشرعا يمشيان بهمّة وحماس بين الصالون وغرفة الطعام ومدخل البيت ذهاباً وإياباً مشياً سريعاً، وكان هو يغالب ألم مفصله، وكانت هي تغالب ألم ظهرها، وكان لا بد من المشي لحرق السكر، إلى أن تمكن التعب من مفصله ومن ظهرها، فجلسا، وغلى الإبريق، وأعد الشاي، ونظر إلى عداد الخطوات في جواله وقال لها:
"مشينا ٤٠٠٠ خطوة."
وبقي لهما، معاً، من المساء ساعات لم تأتِ بعد.. ساعات غنية بالحديث والتأمل والتمني والرغبات والقلق والانتظار والقراءة ومشاهدة التلفاز. حدثته عن الحكمة في شعر الإمام الشافعي، وحدثها عن العذوبة في شعر وديع سعادة، وكان لسيزيف وصخرته وأسطورته واسقاطات ألبير كامو مكاناً في حديثهما، ولسارتر وللعدم والوجود، ولطاغور، والشيخ محيي الدين بن عربي، ولكتاب (Regarding the Pain of Others) لسوزان سونتغ.
وبعد صمت طويل تخلله نعاس وتثاؤب وسهوة على الكنبة، تناهى إليه كلمات طفلة بائسة في مسلسل درامي وهي تسأل:
"أين تقع الجنة؟ هل هي تحت التراب؟"

كان يغالبُ النومَ عندما تمكن من فتح عينيه لرؤية الطفلة، فرأى في وجهها فقراً وقهراً، لكنه لم يعثر على اجابة على سؤالها في غيبة النوم.