كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

من محاسن مواقع التواصل الاجتماعي التلاقح الثقافي

السويداء- معين حمد العماطوري- فينكس

من محاسن مواقع التواصل الاجتماعي والغاية من إحداثها فكريا وثقافياً، تلاقح الأفكار والرؤى والأحكام ذات القيمة لنصوص أدبية منشورة تحمل دلالات وأبعادا فكرية ضمن مضمرها الإبداعي، ولا نستطيع الوصول إليها إلا من خلال تعدد الواحد، وقراءة التنوع، لتشكل رؤية جمعية في وحدة التنوع، بإدارة فكرية ثقافية قائمة على وحدة إدارة التنوع، يتم من خلالها معرفة طبيعة النصوص المنتشرة وتفريق الغث من السمين، بعد انتشار فوضى المعلومات وتزاحم رداءة النصوص بالكم على حساب النوع.لا يتوفر وصف.
القصيدة كما وردت في صفحة الشاعر "عماد عبيد" والتي يقول فيها:
«قلْ ما تشاءُ
.....
قلْ ما تشاءُ
عمّا تشاءُ
عنِ الحياةِ أو العدمْ
عنْ روعة الأيامِ منْ أصابعكَ القصيرةِ
وهشاشةِ الضوءِ المصابِ بالعماءِ
عنْ ضحكةِ البارودِ في جنازاتِ الرغيفِ
عنْ جيوشِ الحزنِ تفتكً بالندى
عنْ حلمكَ المهروقِ في فضاءاتِ العبيدِ
عنْ رغائبكَ المراقةِ للنعاسِ
عنْ صوتكَ التيّاهِ في مدنِ اللهاثِ
....
قلْ للصراخِ أنْ يكفَّ عنِ السكوتِ
قلْ للرصانةِ ألا تجدَّ في المزاحِ
قلْ للعدالةِ أنْ تبرّأَ نفسها.
قلْ للسابقينَ إنَ الدربَ تمشي للوراءِ،
للاحقينَ بأنهمْ سبقوا الجراحَ إلى الكفنِ،
قلْ للساجدينَ: (كلُّ الذي فوقَ الترابِ ترابُ)
قلْ للرفاقِ أنكَ تقرأُ كفّهم،
وأنكَ ما عدتَّ تصلحُ للهتافِ
قلْ للسؤالِ:
كمْ سيخذلكَ الجوابُ!
....
قلْ للحبيبِ:
قفْ خلفَ متراسِ الهوى،
لنْ ينضجَ الترياقُ قبلَ انطفاءِ الوهجٍ في جفنِ الرمادِ،
سيأتيكَ أشعثَ العينينِ ويكتبُكَ بسيدةِ اللغاتِ،
سيأسركَ بالمسكِ الضائعِ منْ مدخنةِ الفتنةِ.
قلْ لقلبهِ:
لا تؤوبَ إلى الأمامِ،
ثمّةَ عشاقٌ عادوا منْ حروبِ الليلِ،
ضعضعَتهمْ صولةُ الشّهواتِ في مقهى الجسدِ
قلْ لهذا العُريِ أنْ يباشرَ زحفهُ.
.....
قلْ لمنْ لا تشاءُ،
ما تشاءُ
سيانَ إنْ قلتَ أو لمْ تقلْ
النّارُ لا تبكي على رسمٍ درسَ
الشمسُ لا ترى إلا خياناتِ اللهبِ
الأرضُ أرملةُ العناصرِ
الطينُ يُهدي للسماءِ غرورَها
السيفُ يرقصُ في زفافِ الغابةِ العذراءِ للفأسِ الضريرِ
الفاتحُ الأمميُ يرطنُ بالخرسِ
فارسُ الريحِ يذرفُ النصرَ ويغرقُ في الغبارِ.
قلْ للنيامِ:
أنتمُ الشجرُ المقددُ للحريقِ.
.....
قلْ للفرحِ: دمكَ الباردُ مهدورٌ لهذا الدبيبِ
قلْ للجمالِ: أنتَ بدعةُ الشعراءِ
قلْ للحبِّ: اسمكَ لنْ ينجيكَ منْ مهلكةِ العيشِ المبرّحِ
قلْ للنساءِ: لا تعولنَ على مواثيقِ السريرِ
قلْ للرجالِ: (لا يلامُ الذئبُ في عدوانهِ)
قلْ للزمانِ: شاختْ نواصي خيلكَ
قلْ للمكانِ: نحنُ منْ أرداكَ حيّاً
قلْ للردى: (لولاكَ ما شبَّ الأديمُ في المدى، ولا تناغتْ على الأغصانِ غربانُ)
قلْ لكَ:
أنتَ أنتَ شئتَ أمْ لمْ تشأْ».
رغم رفضي لمواقع التواصل الاجتماعي وما فعلته بنا من تحطيم في البنية التركيبية الاجتماعية والثقافية، وما شكلته في هندسة رأي بمحاور متنوعة، في تسويق الرديء على حساب الجيد، إلا أنني حين قرأت قصيدة الشاعر "عماد عبيد" أدهشتني بصورها وتعابيرها المميزة، وما أدهشني أكثر من جمال النص الشعري، التعليق النقدي المنشور من قبل المفكر الدكتور عاطف البطرس الذي بدأ بالقول:
"«" على الشعر أن يوحي لا أن يقول".
يأخذ الشاعر عماد عبيد بأيدينا ويشد قلوبنا الى عوالمه المحبطة، لا لقصور أو عجز عن رؤية الجزء الملآن من الكأس، وإنما لجسامة وثقل المعيش مما تبقى لنا من حياة هي اليوم :" مطمح خجل".
شعر عماد يوحي أكثر مما يقول، يدخلك في تيه مشاعره وإحساسه، ممسكا بك واضعا أمام عقلك المفكر من خلال صوره "معادله الموضوعي" لتعيش حالته وإن لم تتوافق رؤاك من متخيله الجمالي ومرجعيته الرؤيوية.
ينسج نصه من حرارة ووهجع الواقع حريصاً على متعة المتخيل، محرضاً الفكر، مستثيراً العاطفة في تضافر التكون والتأثير ليترك متلقيه، موزعا بين قسوة الحياة وجماليات الفن.
لا يعدنا بحياة أفضل ولا بواقع أرحم، لكنه يقدم لنا دائما الأجمل، مصوبا أنظارنا الى الجوهر محذراً من الاستغراق في الأعراض». "انتهى قول د. عاطف البطرس.
وجدت نفسي مضطرا أن أكون ممتناً لمواقع التواصل الاجتماعي حينما تقدم لنا أدباً ونقداً ورأياً تسهم في تنشيط الحركة الثقافية الجمالية...
بالعودة للنص والنقد أيضاً لاستكمال المشهد الإبداعي والتناظر فيه، فقد جاء الرد على من قبل الشاعر "عماد عبيد" على المفكر د. عاطف البطرس، ليس بأقل جمالاً فقد قدم رأياً ينم عن عمق الوعي الفكري والثقافي والإبداعي حينما يقول:
«د. عاطف البطرس... قلتها وأقولها ... إن الأجمل من النص الجميل هي القراءة الجميلة له. سيما إن كانت تملك أدوات الجمال وعدة الإشراع والغوص والسباحة الماتعة. لن أقف عندك ثناءك على النص (وأعرف أنك لا تجامل) بل أقف لأتمتع بلغة نقدية آسرة لا تتوغل بتقعر المصطلح ولا تنبسط إلى المكرور المتداول. هي قراءة نقدية جمالية تشكل قيمة مضافة ورافعة لنص يرتجي ذلك.
في الحقيقة الماتعة بين التعليق والرد هو جمال النص الشعري بوركت أقلام المبدعين "عماد عبيد ود. عاطف البطرس" على جمال ما قدمتما لإغناء المحتوى الثقافي الإبداعي، وكسر الجليد بيني وبين مواقع التواصل الاجتماعي.