كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

عندما نعرف نستطيع

أوس أحمد أسعد- فينكس
ماقيل في الرواية يلخص للقارئ ما أرادت الروائية قوله بوضوح وثقة حول موضوع تاريخي راهني كبير وهو موضوع النضال الفلسطيني على مدى عقود من النكبة، حيث لم يهدأ ولم يفتر لدى الأجيال الجديدة، رغم كل ماحدث من مآسي ومجازر وتشريد وتغيير خرائط وغسل وعي وتشتيت وتهجير وتمييع للقضايا الكبرى لحساب ثقافة الاستهلاك والرضى بالأمر الواقع كما هو.. كحالة قدرية لافكاك منها:
- رواية رضوى عاشور الجميلة الجديدة "الطنطورية" هي من هذا النوع من الروايات النادرة التي تغنيك قراءتها عن قراءة عدد من المراجع الكثيرة والمتنوعة عن فلسطين، تاريخها، قراها،عذابات أهلها وصمودهم، مأثوراتها الشعبية، لغتها، أغانيها، أهازيجها، أشجارها، زرعها، محاصيلها، رموزها وماجر ى لأهلها الذين أجبروا على النزوح منها نتيجة العسف والبطش والتطهير العرقي والتقتيل.
- في رواية الطنطورية و"هي قرية في الجغرافيا الفلسطينية المنسية" لاتحكي رضوى عاشور الناقدة والروائية والأستاذة الجامعية المصرية سيرة رقية فحسب، بل تحقق بالسرد نصرا مبينا فتحسم صراعا على أرض النص وفضائه. رواية تساعدنا على الاكتشاف، تعرفنا تاريخنا ومن نحن وماذا نريد، لأننا عندما نعرف نستطيع..
- إنه عمل مهم وجرأة نادرة.. من يقرأ هذا الكتاب يعرف مامعنى النكبة ومامعنى خسارة الوطن ومامعنى اللجوء ومامعنى حياة اللجوء على أرض الوطن نفسه قبل اللجوء إلى سواه. إنه هرم من حكايات الناس.

وأنا شخصيا كقارئ متذوق تمتع بما قرأ وسارع الأحدث ركضا إلى نهايتها أقول: انها رواية جميلة ممتلئة بالرشاقة السردية.. بعيدة عن الخطاب الآيديولوجي المسبق الصنع والنظرة النمطية المألوفة بهذا النوع من الأدب.. متروك فيها دور البطولة لعفوية الحدث ومآلاته الموضوعية وانعكاس ذلك في الوعي الفردي لشخصيات السرد، وقد حافظت الكاتبة بتمكن واضح من أدواتها الفنية في تقديم وجبة سردية بكامل الدسم والمتعة والمعرفة دون أن تقع في فخ الخطابية والمباشرة والتأريخية التي قد تتناقض أحيانا مع المنحى الفني للسرد وتثقل عليه كما هو معروف في أدب الالتزام وقضايا التحرر الوطني حيث يغلب على الكاتب "ة" الحماس والإنشائية وعلو النبرة السياسية، لكن الكاتبة لم تقع بأي من هذه المطبات وظلت تحافظ على المسافات والتخوم، وتترك للظرف الموضوعي انتاج أحداثه كما يجري على أرض الواقع دون مبالغات غير منطقية، حيث تركت البطلة الساردة تبدل أمكنتها ووعيها بهدوء واتزان دون أن تسرقها الحالة الجديدة من ذاكرتها المليئة بالمآسي الشخصية والاجتماعية ودون أن تفقد إحساسها بالانتماء إلى المكان وروائحه وأن لها الحق بالرجوع إلى مواطن الألفة والوطن المستلب مهما طال الزمن. وهذا يدل على تمكن وحرفية وعلو الكعب في مجال السرد الروائي..

حقيقة هي عمل مهم وممتع وغني بالتفاصل المعرفية..