كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

الشاعر اللبناني إلياس أبو شبكة

ولد الياس أبو شبكة سنة 1903 في بروفيدانس بالولايات المتحدة الأمريكية، وذلك في أثناء رحلة قام بها والداه في تلك البلاد. ومن هناك انتقل به أبواه إلى باريس ثم إلى الذوق إحدى قرى قضاء كسروان بلبنان، فنشأ – على حدّ قول مارون عبّود – ”في بيت مستور، وهو حارة تدلّ على يسر صاحبها، فحيطانها مدهونة، وأرضها مفروشة بالبلاط الرّخامي، وغرفها واسعة وعالية، والدار فسيحة. وهذا هو طراز البناء البرجوازي اللبناني؛ كأنما أعدّ ذلك البيت الرفيع العماد ليأوي إليه شاعر ثائر شقي، بائس تأبى عليه أنفته أن يظهر أمامك في مباذله، فاستطاب شقاءه، والشقاء هو الحياة بل لا لذّة للحياة إذا لم يكن الشقاء“.
وفي سنة 1912 اغتيل والده في ديار الغربة، فكان للنبأ أثر بليغ في نفس الفتى لأنه كان يحب والده حباً كبيراً، وكان هذا الجرح فاتحة عهده بالشقاء. ولقد ظهرت آثار هذا الجرح في ”القيثارة“، باكورة أبي شبكة حيث الكآبة المرّة، والسواد الصفيق المعذّب.
بدأ أبو شبكة يتلقى العلم في مدرسة عينطوره سنة 1911، وبقي فيها حتى سنة 1914، سنة اندلاع نار الحرب الكونية الأولى، فترك المدرسة وانصرف إلى بناء ذاته بالإعتماد على نفسه. ولمّا وضعت الحرب أوزارها دخل مدرسة الإخوة المريميين في جونيه حيث قضى سنة واحدة، عاد بعدها إلى مدرسته الأولى فصرف عامين، طلّق بعدهما حياة التلمذة وذلك سنة 1922 وانطلق في ميدان الحياة، يعاني من الفاقة مرّها، وتأبى نفسه الكبيرة إلا أن يأكل خبزه بعرق جبينه وعصارة قلبه ونزف قلمه، دون تذلّل أو استعطاف.
بحث عن الوظيفة في دوائر الحكومة فعاد بالخيبة والفشل، وظلّ هكذا والفقر يلاحقه، وشكواه الصريحة من نفاق الناس وقسوة الأيام، يعلنها في رسائله إلى أصدقائه، وإلى خطيبته، وعلى صفحات الأوراق التي يبوح لها بأسرار نفسه الناقمة.
ولم يكن الشعر، وإن كان جيداً، ليسدّ عوزاً ويعيل محتاجاً، لذلك كان لا بدّ من مهنة يعتاش منها، فلجأ إلى التعليم، مهنة أكثر الأدباء في عصره. فعلّم في معهد اليسوعيين، ومدرسة المقاصد الإسلامية، ومدرسة الفرير ولكن نفسه لم تجد في أجواء المدارس راحتها واستقرارها، فترك التعليم إلى غير عودة.
كان أحد مؤسسي «عصبة العشرة» وهي جمعية أدبية انضوى تحت لوائها خليل تقي الدين وتوفيق عواد وكرم ملحم كرم وميشال أبي شهلا وفؤاد حبيش وسواهم من أدباء النهضة الحديثة.
ثم انصرف إلى الصحافة يهبها كلّ وقته وطاقاته. فكان يكتب في جرائد عدّة لبنانية ومصرية، ينشر الروايات المتسلسلة، ويصحّح الأخبار المحليّة، ويكتب التعليقات السياسية والمقالات الاجتماعية، ولقد أظهر في كل ما كتب نضجاً وجرأة وصراحة قلمّا عرفتها الصحافة إلا في الأفذاذ من أقلامها.
وبالرغم من أنّ الصحافة كانت تلتهم وقته وجهده، فإنه لم يكن يستطيع أن يهدّىء غليان نفسه وثورة الشاعرية التي نفحت الأدب بأينع الثمار وأغلى الكنوز.
ويوم ترك الصحافة، انصرف إلى إدارة الإذاعة اللبنانية في آخر عهد الانتداب.
ولقد أرهق العمل جسده وهو بعد في نضارة العمر، كما أرهق التفكير قلبه فصرعه المرض في 27 كانون الثاني سنة 1947.
تنوّعت نشاطات إلياس أبي شبكة، وقد جال في ميادين كثيرة فترك للمكتبة العربية نحو ثلاثين كتاباً ما بين موضوع ومترجم. وأشهر ما له سبع مجموعات شعرية هي: ”القيثارة” و ”أفاعي الفردوس” و ”الألحان“، و ”نداء القلب”، و ”إلى الأبد”، و ”غلواء“، و ”من صعيد الآلهة”؛ وله في النثر ”الرسوم” وهي مجموعة صور قلمية لرجال الأدب والسياسة والإدارة في لبنان، و ”روابط الفكر والروح بين العرب والفرنجة” في النقد والتاريخ الأدبي. وله إلى جانب ذلك عدد كبير من الكتب المترجمة ”كالبخيل“و ”المثري النبيل” و ”مريض الوهم” لموليير الفرنسي، و ”جوسلين” للشاعر الفرنسي لامارتين، و ”ميكرو ميغاس وثلاث قصص” لفولتير.
إعداد: محمد عزوز

من موسوعته (راحلون / في الذاكرة) الألف الأولى