كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

نبيل فياض.. هل حقاً جنت على نفسها براقش؟

أُبيّ حسن
السفير- 8/11/2004

قد يكون أهم ما يميز الكتابات الأولى للكاتب السوري نبيل فياض, التي تناول من خلالها التراث, وتحديداً كتابه المعنون بـ"يوم انحدر الجمل من السقيفة" أنه كان في مرحلة تأسيس قاعدة منهجية, قوامها الموضوعية والعقلانية (تذكرنا بعقلانية طه حسين وديكارتيته), بغية التعامل مع التراث "المقدس" على نقيض معظم من سبقه ومن عاصره من الكتّاب السوريين الذين شُغِلوا بالتراث الإسلامي. إذ يلمس القارئ أن نبيلاً كان مسكوناً بمحاولة معرفة سر تخلف الأمة التي إليها ننتمي, فلم يجد سوى الشك طريقاً, رافضاً إبر المسلمات وحقن المسكنات من اليقينيات, إلى درجة أثار معها نتاجه, في البداية, جدلاً, بين مع وضد, ولاقى قبول وتقدير كمّ لابأس به من المثقفين بمن فيهم بعض السلفيين, بدليل أن كتبه كانت شبه ممنوعة (باتت, في ما بعد, ممنوعة بمساعي القرضاوي والبوطي اللذين حذرا الناس من قراءتها, لا بل أن الأخير تدخل لدى السلطات في سوريا كي تمنع كتب نبيل!), وبإمكاننا أن نتصور كيف عاش الكاتب ردحاً من الزمن وهو يراقب بفرح كيفية تداول القرّاء كتبه شبه المهربة.
دون سابق إنذار طلق نبيل العقل ومشتقاته أثناء تعامله مع أفخاخ التراث, فوقع, على الصعيد الفكري, ضحية طلاقه ذاك, وتمخض عن ذلك الطلاق كتاب غير شرعي كناه "مراثي اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى". على ما يبدو أنه حاول في كتابه سابق الذكر محاكاة "هكذا تكلم زرادشت", وأحياناً يخيّل للقارئ أن الكاتب أراد أن يفوق "الآيات الشيطانية" ضجيجاً, لكن حتى الآن لا يمكن لأحد الجزم في ما إذا كان قد قبل به الأديب سلمان رشدي منافساً أو إن كان نيتشه قد اعتبره تلميذاً, والحديث هنا ليس على سبيل الذم إطلاقاً. وإن كنت أستطيع أن ألتمس لنبيل المبررات الكافية لكتابه وأخطائه (ولست في هذا الصدد الآن) غير أني لا أستطيع أن أعذر له قراءته الطفولية والساذجة لسيرورة تطور (أو تخلف, لا فرق) المجتمع الذي يكتب له وهو ليس بغافل عن هذا! وهذه مشكلته ومأساته وليست مشكلة المتلقي أياً كان, كما أنها ليست مشكلة د. محمد سعيد رمضان البوطي ود. القرضاوي اللذين كانا منسجمين مع أفكارهما المتحفية (نسبة إلى متحف التراث).
لننس كل ما سبق ذكره, فنبيل قد خرج الآن من السجن بعد أن قضى فيه شهراً ونيفاً, وسبب سجنه, كما أشيع في أوساط المثقفين حينها, هو بعض المقالات التي نشرها في "السياسة" الكويتية, وهي مقالات تطال مسؤولين سوريين فاسدين ومخربين من وجهة نظره, لكن ثمة مصادر مطلعة كان لها رأي مغاير (وإن يكن ليس بجديد في كيفية إلحاق التهمة بالمثقف) فسبب الاعتقال حسب ما تقول المصادر هو: "إن لنبيل ارتباطاته الخارجية, وتحديداً مع سفارتين أجنبيتين في دمشق" وتضيف المصادر أن تينك السفارتين تعهدتا للكاتب بالضغط على النظام السوري في حال اعتقاله, ولأسباب أخرى تصب في طاحونة الرأي الثاني تم الاعتقال.
إذاً نحن أمام رأيين شبه متناقضين, الأول منهما ما يزال في طور الشائعة التي في حال صدقت سنتساءل: لماذا لم يفترض من قام بإعطاء أمر الاعتقال أن الكاتب قد يكون اجتهد في ما كتب وأخطأ في اجتهاده, والقاعدة الفقهية تقول :" من اجتهد وأخطأ فله أجر ومن اجتهد وأصاب فله أجران ", أوليس من اختصهم نبيل في نقده هم ممن "يجتهدون" ويخطئون؟ من غير أن نغفل أن خطأ من اُنتُقِد يدخل في دائرة الفساد والإفساد والعبث بمقدرات بلاد وعباد وليس "اجتهاداً" أو "ترفاً" فكرياً كما يتبين من مقالات نبيل المقصودة, فلماذا إذاً يتم الكيل مع المثقف السوري على الطريقة الأمريكية التي يشكو منها النظام السوري ذاته؟!
ليس عبثاً أو مصادفة أن أخذ القاعدة التراثية الفقهية كي أناقش أصحاب الرأي الأول, فالأنظمة العربية (إن جاز تسمية خرابها وتخريبها المنظم نظاماً وأنظمة) تستمد شرعيتها من الفقه وتحديداً من "ابن تيمية" وفتواه القائلة : "الطاعة لذي الغلبة", مطلقاً لا تستمد مشروعيتها من شعوبها فهذه الأخيرة مستعبدة لدرجة لا تعي معها ذواتها الفردية بما لها من حقوق ما يعني أن فاقد الشيء لا يعطيه!.
بالانتقال إلى مناقشة أصحاب الرأي الثاني ومسوقيه نجد أنه يستمد مشروعيته من المنطق الأمني الذي كان معتمداً عندنا في ما مضى "كل مواطن مدان حتى تثبت براءته", من ثمّ في حال صدق تعامل نبيل مع تلك السفارتين لاسيما أن مروجي هذا الرأي يدّعون أنه هو من اعترف لهم بذلك (شخصياً أشك في هذا), لماذا لم يتم تحويله إلى القضاء؟ هذا بافتراض أنه اعترف لهم بالتعامل مع الخارج كما يدّعون! و من المعروف والشائع أن القضاء السوري "نزيه" و"عادل" لا تأخذه في الله لومة لائم! لكن ثمة أيضاً ما يدحض مزاعم من يطلق مثل هذه الاتهامات على كل مثقف يخرج عن بيت "طاعة الغلبة" متمرداً عليه, ومن ضمنهم نبيل, ألا وهو ما أفادني به أحد المفكرين السوريين البارزين من أن نبيلاً طلب مساعدته في الحصول على فيزا لإحدى دول الغرب وذلك بعيد صدور كتاب طبع ووزع في سوريا يرد به واضعه على "مراثي اللات والعزى..." الذي قلة من السوريين سمعت به, طبعاً أنا هنا لا أعترض على منع توزيع كتاب نبيل, لكن بما أن أحد الكتّاب تطوع بالرد عليه فمن حق قارئ الرد أن يعرف على ماذا هذا الكاتب يرد وإلا لما كان ثمة حاجة لعناء الرد من البداية!.
مقارنة منطقية بسيطة تجعلنا نطرح الأسئلة التالية: لو كان نبيل فعلاً على علاقة مع سفارات أجنبية تعهدت له بالضغط على دمشق في حال اعتقل حسب قول المصادر المطلعة, هل كان بحاجة للطلب من ذلك المفكر مساعدته في الهجرة من بلاده؟! من ثمً ها هو حر طليق بعد أن دام اعتقاله ما يزيد على الشهر ولو ثبت أن له علاقات مشبوهة هل كانوا أطلقوا سراحه ؟! اللهم إلا في حال كان فعلاً له علاقات خارجية وبالتالي يكون قد صدق الخارج ووفى بوعده وضغط على دمشق بغية إطلاق سراحه, لكن ثمة ما يجعل هذا الأمر مستبعداً ألا وهو أن المعروف عن نظام البعث السوري عبر تاريخه رفضه لمنطق "الضغوط " ما يعني أن قصة التعامل مع السفارات (غير الصديقة طبعاً) شائعة مغرضة ومتعمدة بهدف تشويه سمعة المثقف السوري.
ربما لا أحد من المثقفين السوريين بمقدوره التنبؤ بما هية "المزايا" و "المكاسب" التي جناها نظام البعث "العلماني" من سجنه لنبيل الذي يلتقي معه في الكثير من النقاط , وإن لم يكن يخفي معارضته النزقة له, لكن معظم أولئك المثقفين الذين يعرفون ما الذي قدمه نبيل للثقافة والفكر من غير أن يتناسوا أخطاءه ويتجاوزوها يحق لهم أن يتساءلوا : هل حقاً بات المثقف السوري يشكل خطراً على وطنه و مجتمعه ويعيق نموه الفكري في حين بعض الدكاترة المشايخ الذين يروون لنا في بعض كتبهم "الهامة" كيف كان الله عزّ وجلّ يأتي آباءهم في الرؤيا (على ما يبدو كان يتجاذب معهم أطراف الحديث ! من يدري ؟), وكيف كان الرسول (ص) ومعه كوكبة من الصحابة يهنئهم ( أيضاً في الرؤيا) بزواج أولئك الأبناء البررة (لمزيد من المعلومات حول هذا الموضوع أحيل القارئ إلى كتاب "هذا والدي" للدكتور الشيخ البوطي ص 62, ص150) أصبحوا يشكلون زاداً فكرياً ومعرفياً لاغنى عنه لتطور سوريا وتقدمها؟ وهل بمثل هذه العقليات الغيبية التي تعمل جاهدة على تزييف الوعي بالواقع ستواجه سوريا (حرباً أو سلماً)عدوها المدجج بأحدث وسائل التكنولوجيا؟ من يدري ربما غداً وبفضل دعاء "الرفيقات" القبيسيات تنتصر سوريا في معركة المصير وتصبح يابان القرن الحادي والعشرين.
لم يقدر لي, مع الأسف, أن أعرف نبيل فياض أو أن ألتقي به شخصياً, رغم إعجابي وإقراري بأهمية بعض ما كتب, وإذ أكتب عنه الآن فليس بالضرورة أن أوافقه في ما ذهب إليه في كتبه ومقالاته, إنما القضية ببساطة إنني أدافع عن نفسي وعن كل مثقف سوري ابتلعه أو سيبتلعه عقل "الغيب" السوري, بالأمس كان د . عارف دليلة ورياض سيف وغيرهما (فك الله أسرهم جميعاً) ومن ثم كان دور نبيل فياض الذي أطلق سراحه مطلع الشهر الجاري ولا ندري دور من سيكون غداً. اللهمّ وقنا شرّ جهل من يعتقدون أنهم وحدهم العارفون.

كاتب سوري
هيثم المالح وشيخوخة الكبار التي لم تراع
موسى أبو مرزوق: "السلطة الفلسطينية تعني «فتح» و«حماس»"
دبي: أعجوبة أم مشهد عابر؟
سورية المبتدأ والخبر
أُُبي حسن في ((سورية المبتدأ والخبر)).. جرأة الطرح وخلخلة المسلمات
جريدة فينكس الالكترونية: منبر إعلامي سوري جديد مستقل موضوعي وعادل
حفل إطلاق جريدة فينكس الإلكترونية بحلتها الجديدة بحضور رسمي واعلامي
حفل اطلاق جريدة فينكس الالكترونية بحلتها الجديدة
شعارها ”سورية وطن يسكننا” الاحتفال بإطلاق جريدة (فينكس) الألكترونية بحلتها الجديدة
انطلاق (فينكس) بحلته الجديدة..
د. خالد حدادة أمين عام الحزب الشيوعي اللبناني (في حوار قديم معه)
حركة الإصلاح الديني مجدداً ودور المثقف الوطني
صادق جلال العظم: حزب الله انتصر في حربه مع إسرائيل, لكنه نصر غير مظفر
زياد جيوسي: همسات الروح لفينكس في العيد العاشر
كتب إحسان عبيد: فينكس.. فنار بحري.. (بمناسبة دخوله عامه العاشر)