كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

الانفصام في العقل السياسي السوري!

أُبي حسن- صحيفة السفير- تاريخ 7 كانون الأول 2006

ثمة انفصام كائن في المشهد السياسي السوري، يتمثل في الهوة القائمة بين ما هو معلن في الخطاب السياسي (الرسمي والمعارض) وبين السلوك القائم أو بعضه. وثمة شريحة واسعة من تلك المتفرغة للعمل في الحقل السياسي تمارس "غواية" الانفصام هذا. وقبل ضرب أمثلة على ما نعني تنبغي الإشارة إلى أن الانفصام هنا، وان كان يتم عن وعي كامل من قبل ممارسه أياً كان، غير أن الانزلاق اليه لم يكن يعبر عن ازدواجية خطابية مدركة لازدواجيتها، أو ازدواجية المعايير لديها في الحد الأدنى، بقدر ما هو انعكاس لبنية مجتمعية عاجزة معرفياً وثقافياً وآية ذلك لأنها تعاني عطالة تاريخية. وعجز هذه البنية، أفرز الكثير من الأمراض التي ترزح تحتها مجتمعاتنا، من جملتها الانفصام في العقل السياسي الذي نشهده في مُعارضةِ المعارضة لاستبداد النظام السوري وفساده (وهي معارضة حق ومشروعة)، لكن بعض هذه المعارضة يطالب في الوقت ذاته، دولاً عربية كالسعودية ومصر بمقاطعة النظام السوري بذريعة فساده واستبداده(؟). وهنا تتمثل ذروة الانفصام في العقل السياسي المعارض. على الأقل هذا ما طالبت به معارضة الخارج منذ أشهر مضت من خلال بياناتها، وهذا ما نشهده في تلك العلاقة الدافئة بين المملكة العربية السعودية وأقطاب مُعارِضة كالسيد عبد الحليم خدام وجماعة الإخوان المسلمين في سوريا، من غير أن ننسى رفعت الأسد وعلاقته المستجدة بذات المملكة.

لا جدال في استبداد النظام السوري وفساد حكمه، غير انه مهما بلغ في هذا المنحى، ولا أدري إن كانت المعارضة السورية بأطيافها المختلفة توافقني الرأي، فليس أكثر سوءاً من أنظمة عربية أخرى كتلك التي تطالبها بعض المعارضة التي أشرنا إلى أقطابها، بقطع علاقاتها مع سوريا. وهي بطبيعة الحال أنظمة لولا بقية من "حياء" لكانت دعمت إسرائيل علناً في حربها الأخيرة على لبنان، وهو موقف لا تجوز مقاربته بالموقف السياسي السوري الرسمي والمعارض.

لعل هذا الانفصام وجد مرجعيته، في الانفصام الذي عانت منه المعارضة السورية والنظام على حد سواء أواخر عقد سبعينيات القرن الماضي وأوائل ثمانينياته. فمن جهة شهد النظام علاقات سيئة مع بعض الأنظمة العربية بذريعة رجعيتها، قبالة تحالفه مع النظام الإيراني "التقدمي" بعد انتصار ثورته. وأكثر من هذا: بالرغم من تبني النظام شعار الوحدة العربية لم يجد غضاضة في إرسال بعض قوات جيشه إلى حفر الباطن لمشاركة القوات الأميركية حربها في "تحرير" الكويت (لندع مبررات النظام ومكاسبه من جرّاء ذلك جانباً).. الانفصام ذاته (أو شبيهه) نقرأه في تلك العلاقة التي كانت قائمة بين جماعة الإخوان المسلمين والنظام العراقي (إبان حكم صدام حسين) الداعم لها بما في ذلك الأسلحة التي وجهتها إلى المجتمع السوري أو بعضه. ولا بأس أن نذكر هنا علاقة الغزل التي كان بطلاها المكتب السياسي للحزب الشيوعي (حزب الشعب الديموقراطي حالياً) والنظام العراقي أيضاً. من الطبيعي انه لا يمكن بحال من الأحوال مقارنة الاستبداد البعثي العراقي في فترة الرئيس المخلوع صدام حسين باستبداد البعث السوري خلال حكم الرئيس الراحل حافظ الأسد. وحتى الآن لم أقف على سبب مقنع يبرر تحالف المكتب السياسي سابقاً مع نظام أكثر استبداداً من نظام يُعارِضُه(؟). أكثر من ذلك، هل كانت تكفي النظرة المشتركة لكل من المكتب السياسي وجماعة الإخوان المسلمين للنظام البعثي السوري كي تكون مبرراً لوصف المكتب السياسي سنتذاك صراع الإخوان مع النظام بـ"ثورة المدينة على الريف"؟. وقبل أن أطوي صفحة المكتب السياسي ينبغي القول إن المكتب كان في معارضته للنظام، بعد أن رفض هذا الأخير الإصغاء إلى مطالب إصلاحية شهرها المكتب (كمطالبته المبكرة بالإصلاح السياسي، مثلاً)، يمثل ضمير المثقف الوطني، لكنه مثقف مأزوم. ولأنه كذلك جنح ذلك الجنوح الذي أسميته انفصاماً، فكان كالمستجير من الرمضاء بالنار.

يمكننا قراءة الانفصام على المستوى الرسمي راهناً (وسابقاً وربما لاحقاً) في خطاب النظام المعادي علناً للمشاريع الأميركية في المنطقة في الوقت الذي يبدي فيه الحرص "الشديد" على مصالحها معلناً استعداده للحوار معها (لكن هي من يتمنّع مع الأسف). حقيقة الأمر أنه إذا ما تعمقنا أكثر في مسألة الانفصام الكائنة في الخطاب السياسي الرسمي سنحتاج إلى تدبيج صفحات عدة، لكن تكفي الإشارة أخيراً إلى "تبني" النظام محاربة الفساد، على سبيل المثال، في الوقت الذي تشار أصابع الاتهام اليه بالفساد، هذا إن لم نقل انه أعاد إنتاجه بصور مرعبة.

من الجدير ذكره أن حالة الانفصام هذه ليست وقفاً على النظام السوري ومعارضته، بل هي تكاد تعم كافة البلدان الناطقة بالضاد، وان كان بنسب قد تزيد هنا وتنقص هناك.

للوهلة الأولى ستبدو لنا مسألة الانفصام هذه سياسية بحتة، وربما آنية كذلك، لكن إذا ما دققنا النظر فسنجد أن جذورها كائنة في بنيتنا المجتمعية، وبتحديد أكثر، الثقافية، وهي بنية توقف عقلها النقدي عاجزاً دون أي إبداع منذ قرون، ولعلنا نلمس ذلك جلياً في عصر النهضة العربية وفكرها، فهو الآخر كان يعاني من انفصام، بكلمة أخف تضاد، فلم يك يعرف الرسو على بر: هل هو مع الحداثة أم الأصالة؟ مع الماضي أم الحاضر؟ هل يريد الأرض أم السماء؟ وانقضى ذاك العصر دون حسم لأي من خياراته: أصالة أم معاصرة؟ الله أم الإنسان؟ ولعل المفكر فيصل دراج لم يكن مخطئاً عندما سمى البرجوازية العربية المنتجة لذاك العصر بالتلفيقية.

بكلمة أخرى، فإن التناقض، أو الانفصام، الذي عاشه، ويعيشه، الحراك السياسي السوري، من أقصى يمينه إلى أقصى يساره، ليس امتداداً لتناقض عصر النهضة فحسب، وليس تعبيراً عن مجتمع عاجز عن إعادة إنتاج نفسه معرفياً بقدر ما هو تعبير عن أزمة حقيقية في بنيتنا الثقافية التي لم تتمكن من تجديد نفسها وآليات تفكيرها وطرائق نظرتها إلى العالم الذي ما برح يجد في شرقنا (وثقافتنا) مرتعاً خصباً لنجاح مشاريعه ومخططاته وبالتالي مصالحه التي يسهل عادة تمريرها إبان تجاذبات الفريقين (نظام معارضة).. تجاذبات، لكنها راكدة ركود الثقافة المنتجة لكليهما.

هيثم المالح وشيخوخة الكبار التي لم تراع
موسى أبو مرزوق: "السلطة الفلسطينية تعني «فتح» و«حماس»"
دبي: أعجوبة أم مشهد عابر؟
سورية المبتدأ والخبر
أُُبي حسن في ((سورية المبتدأ والخبر)).. جرأة الطرح وخلخلة المسلمات
جريدة فينكس الالكترونية: منبر إعلامي سوري جديد مستقل موضوعي وعادل
حفل إطلاق جريدة فينكس الإلكترونية بحلتها الجديدة بحضور رسمي واعلامي
حفل اطلاق جريدة فينكس الالكترونية بحلتها الجديدة
شعارها ”سورية وطن يسكننا” الاحتفال بإطلاق جريدة (فينكس) الألكترونية بحلتها الجديدة
انطلاق (فينكس) بحلته الجديدة..
د. خالد حدادة أمين عام الحزب الشيوعي اللبناني (في حوار قديم معه)
حركة الإصلاح الديني مجدداً ودور المثقف الوطني
صادق جلال العظم: حزب الله انتصر في حربه مع إسرائيل, لكنه نصر غير مظفر
زياد جيوسي: همسات الروح لفينكس في العيد العاشر
كتب إحسان عبيد: فينكس.. فنار بحري.. (بمناسبة دخوله عامه العاشر)