كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

(أسطورة أوربا)

Art HUB Mary Skiada موجز محاضرة ألقاها الكاتب باللغة اليونانية في أثينا في مركز 
بشّار عبّاس
انطلاقاً من أسطورة أوروبا:
تفاعل الحضارة اليونانية مع حضارات المشرق القديمة
علاقة الأسطورة بالتاريخ
إذا قال أحدهم إن التاريخ مليء بالأساطير، فيمكننا عندها أن نقول بكل ثقة إن الأسطورة أيضاً مليئة بالتاريخ.
ما هو الدور الوظيفي للأسطورة؟
الأسطورة هي شكل من أشكال الأدب الرفيع. وهي قصة تقليدية مستقرة نسبيا، وعادة ما تكون مصاغة بشكل شعري، مما يساعد على تلاوتها وتناقلها شفويا بين الأجيال. إنها مقدسة وهي ليست محصورة بزمن محدد، بل إنها تعبر عن الحقائق الأبدية، والأساطير ليست خيالاً خالصاً، بل هي انعكاس لأحداث تاريخية راسخة في الذاكرة الشعبية.
تنشأ الأسطورة من حدث وقع ذات مرة ويمس موضوعات عظيمة، مثل: الخلق وتكوين الأشياء وأصلها، والموت والعالم الآخر، وينصب تركيزها على الآلهة وأنصاف الآلهة وتحاول الأسطورة تفسير قوى الطبيعة وأسرار النفس البشرية، كما أنها تحاول تفسير الأحداث التاريخية القديمة، ومن أجل تفسيرها وقبولها لا بد من تدخل الآلهة في صياغتها.
تخفي أسطورة أوروبا علاقة غير معروفة كثيراً بين الإغريق والفينيقيين، ولكن أيضاً مع كل الحضارات المشرقية الأخرى (مصر، بلاد ما بين النهرين...).
وفي إطار هذه العلاقة، لعب الفينيقيون دور الجسر بين هذه الحضارات والحضارة اليونانية القديمة.
كانت الأميرة أوروبا ابنة أجينور ملك صورتلعب مع صديقاتها على شاطىء صور فلمحها زيوس كبير آلهة اليونان وتجلى لها على شكل ثور أبيض جميل ركع عند قدميها فشعرت الأميرة بإغراء الركوب على الثور، فانطلق بها الثور وشق عباب البحر حتى وصل إلى كريت ولذلك سميت القارة الأوربية على اسم الأميرة الفينيقية.
أخذ زيوس أوربا إلى الكهف الذي نشأ فيه عندما كان متخفياً عن أبيه كرونوس الذي كان يلاحق أبنائه خوفاً من أن ينقلبوا عليه، وهناك في ذلك الكهف أنجب من أوربا ثلاثة أطفال: مينوس، ساربيدون، وريدمانتيس، والأول من هؤلاء الأطفال أي مينوس أسس السلالة المينوية التي حكمت كريت بين الألف الثالث والألف الأول قبل الميلاد.
-أمر أجينور ملك صور أبناءه: فينيق وكيليكوس وثاسوس وقدموس بالإسراع بالبحث عن أختهم وعدم العودة بدونها. فتوجه فينيق إلى الشمال وكيليكوس إلى كيليكيا وثاسوس إلى ثراكي في شمال اليونان.
رحلة قدموس: وصل قدموس إلى قبرص حيث بنى معبداً لأفروديت إلهة الجمال عند الإغريق، ولما لم يجد أخته في قبرص ذهب إلى رودس حيث بنى معبداً لبوسيدون إله البحر،ولم يجد أخته هناك أيضاً، أخيراً يصل قدموس إلى البر الرئيسي لليونان، لاستكمال البحث عن أخته، وقرر استشارة عرافة دلفي. عندما طلب قدموس وحياً من عرافة دلفي، أخبرته أنه يجب عليه التوقف عن البحث عن أخته والبحث عن بقرة ذات علامة بيضاء ويدعها تسير حيث تشاء حتى تتوقف في نقطة معينة، وفي تلك النقطة سيبني مدينة جديدة، وفعلاً وجد قدموس البقرة وتبعها حتى توقفت فطلب من رفاقه جلب الماء من نبع قريب لتقديم أضحية شكر لزيوس.
لكن الغابة التي يقع فيها النبع كانت محروسة من تنين تحت حماية إله الحرب آريس، فقضى التنين على رفاق قدموس الذين أرادوا جلب الماء، وعندما تأخر الرفاق اضطر قدموس أن يبحث عنهم فوجدهم صرعى تحت قدمي التنين، وهنا حدثت معركة تمكن خلالها قدموس من قتل التنين، عندها هبطت الإلهة أثينا وأبلغته أنه استحق لعنة الإله آريس ولا بد من إزالة هذه اللعنة ولذلك فقد أمرت قدموس بزراعة نصف أسنان التنين في الأرض، وأبلغته أن عليه خدمة آريس لمدة ثماني سنوات لأنه قتل التنين، وبعد زراعة أسنان التنين خرج منها مقاتلون "اسبارطيون"، فخاف قدموس وألقى حجراً بينهم، ولأنهم لم يتبينوا مصدر الحجر تقاتلوا فيما بينهم، وبقي منهم خمسة رجال أصبحوا تابعين لقدموس الذي بنى قلعة سماها "كادميا" وهي نواة مدينة طيبة إحدى أهم المدن الإغريقية، وخلال ذلك خدم قدموس الإله آريس لمدة ثماني سنوات، فزالت لعنته، وبعد ذلك أصبح قدموس ملكاً على طيبة وأعطته أثينا تاج المدينة وعرشها. كما أعطاه زيوس أورمونيا، ابنة أفروديت من آريس، زوجة له، وقدم قدموس إلى زوجته الوشاح والسلسلة الشهيرة التي حصل عليها من هيفايستوس (إله الحدادة والنار والصناعة والبرونز والبراكين عند الإغريق)، وهذه السلسلة جلبت النحس لحياة سلالة قدموس.
ويقول المؤرخ اليوناني المشهور هيرودوت: كانت فينيقيا موطن ولادة الأبجدية ويقرر أن قدموس الفينيقي قد أدخلها معه حين جاء الى اليونان قبل العام 800 قبل الميلاد، فيقول: جلب قدموس معه معارف وعلوم لم يكن يعرفها الإغريق من قبل، وأهمها: الأبجدية التي لم يكن يعرفها الإغريق قبل ذلك، كما أن جبيل الفينيقية التي يسميها اليونانيون بيبلوس كانت المصدر الرئيسي لورق البردي المستخدم في الكتابة، ولذلك ارتبط اسمها بالكتب ومنه تسمية الكتاب :(Βιβλίον - Bible)
أسطورة أوروبا تقودنا مباشرة أيضاً إلى علاقة كريت بالشرق. عناصرها الرئيسية هي ما يلي:
- في الألف الأولى قبل الميلاد هاجرت القبائل الفلستية من كريت إلى شواطىء فلسطين وقد منحت هذه القبائل اسمها لفلسطين بعد أن كانت تدعى أرض كنعان.
- علاقة مملكة ماري الواقعة على حدود الفرات مع قبرص وكريت وآسيا الصغرى، وهي علاقة مذكورة في الرقم المكتشفة في أرشيف القصور الملكية
- زيارة ولي عهد كريت إلى مملكة ماري حوالي 1500 ق.م.
وبعض الحقائق المثيرة للاهتمام حول فيثاغورس:
- كان والده تاجرا من صور وأمه من جزيرة ساموس اليونانية في بحر ايجه.
- سافر إلى مصر حيث تعرف على أسرار ممفيس وهليوبوليس.
- ثم وصل إلى فينيقيا وبلاد الكلدان حيث تعلم الفلك والهندسة.
- أسس مذهباً علمياً ودينياً يتسم بالتصوف والباطنية ونشر مذهبه في بلاد المشرق واليونان وإيطاليا.
الاسكندر الأكبر:
- بدأ حملاته عام 334 ق.م.
- في غضون عشر سنوات تمكن من إنشاء إمبراطورية عظيمة، نشرت الهيلينية لغة وفلسفة وأدباً وعلماً في جميع أنحاء المشرق
- ولكن تجدر الإشارة إلى أن نقطة الإشعاع المركزية للهيلينية كانت في مصر بالإسكندرية.
علاقات الأمويين مع بيزنطة:
- كانت علاقات الأمويين مع بيزنطة مختلفة بين زمن الحرب وبين زمن السلم، بل إن اثنين من الخلفاء (معاوية وهشام) قدموا الجزية إلى قيصر البيزنطيين
- . حوالي عام 725)، ظهرت طائفة حاربت عبادة الأيقونات المقدسة. زاعمين أن هذا التكريم ما هو إلا عبادة وثنية.
دافع القديس يوحنا الدمشقي بكل قوته عن التعلق بالأيقونات المقدسة، موضحاً أن هذا التكريم هو مجرد تكريم للأشخاص الممثلين في الصور وليس عبادة للأيقونات على الإطلاق، وبذلك شاهدنا مفارقة وهي التخلي عن تقديس الأيقونات في بيزنطة ومتابعة هذا التقديس في الكنائس الخاضعة لسيطرة الخلافة الأموية.
- وكذلك أثر القديس يوحنا الدمشقي في الفكر الإسلامي عندما قال إنه بما أن القرآن يعترف بأن المسيح من روح الله وأنه كلمة الله، فهذا اعتراف أن روح الله غير مخلوق بل قديم وكذلك كلمة الله ليست مخلوقة بل قديمة وبالتالي فإن فكرة الأقانيم الثلاثة ليست شركاً بل هي في جوهرها توحيد. كل ذلك دفع المفكرين المسلمين (وخاصةً المعتزلة) إلى خوض نقاش حول موضوع كلمة الله (القرآن) هل هي قديمة أم مخلوقة.
تمثل التراث العلمي والثقافي الإغريقي:
- في بغداد وفي بداية القرن التاسع الميلادي، تأسست دار الحكمة، وكانت هذه المؤسسة الثقافية مسؤولة عن ترجمة التراث العالمي، وخاصة اليوناني.
- ثم تم إنشاء مؤسسة مماثلة في القاهرة.
- وتجدر الإشارة أيضًا إلى أن الآداب والعلوم ازدهرت في الأندلس، ومنها انتقلت إلى أوروبا.
- وقد نقل عدد كبير من المفكرين والرياضيين العرب العلوم اليونانية وأضافوا لها الكثير مثل جابر بن حيان مؤسس الكيمياء، والخوارزمي الذي أسس علم الجبر واخترع الأرقام العربية، وابن الهيثم مؤسس علم الضوء، وابن سينا والفارابي وابن رشد وابن طفيل وغيرهم كثير.
- لكن أهم من ترك أثرا في النهضة الأوروبية هو ابن رشد شارح أرسطو الذي ظلت كتبه تدرس قرونا في الجامعات الأوروبية.
- والعلاقة والتفاعل المتبادل لا يتوقف.. وحتى اليوم هناك أحياء سكنية يتحدث قاطنوها اللغة اليونانية في مدينة طرطوس السورية، وأيضاً في تونس، وهم الكريتيون المسلمون الذين غادروا اليونان بعد تحرير جزيرة كريت واتحادها مع اليونان.