كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

الإرهاب مشروع استراتيجي وليس ظاهرة.. "طالبان نموذجاً 1/3"

كتب عبد الله منيني- فينكس:

تناولت في مقالة سابقة عنوانها (الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، هزيمة أم انكفاء؟) نشرتها جريدة فينيكس الإخبارية بتاريخ 16/07/2021، أسئلة بديهية نتجت عن قرار الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، وتداعيات هذه الخطوة (غير البريئة) على الوجود الأمريكي في المنطقة، وتأثير هذه الخطوة على أفغانستان وجيرانها، كما ناقشت فرضيات التحولات الإقليمية والدولية جرّاء هذه الخطوة الأمريكية ومآلاتها المستقبلية.

بيد أن تسارع الأحداث في الساعات التي مضت، و سيطرة طالبان على العاصمة كابول بعد فرار الرئيس الأفغاني أشرف غني (حامل الجنسية الأمريكية)، وانهيار الجيش الأفغاني الذي صُرف على تدريبه أكثر من 100 مليار دولار، ودخول قيادات من طالبان إلى القصر الرئاسي يتقدمهم معتقل سابق في معتقل "غوانتانامو" الأمريكي كما حرص في التعريف عن نفسه، في مشهد هوليودي استعراضي حرصت قناة الجزيرة الاخوانية على تغطيته مباشرة، أعاد استحضار وجوب طرح أسئلة جديدة لن تنتهي اليوم أو غداً، فما قد حملته الأحداث يُلزمنا في طرح مئات من الأسئلة التي لن تجد جميعها جواباً في المنظور القريب على الأقل، وأهم هذه الأسئلة هي نتائج الاستثمار في الإرهاب الذي تتقنه الولايات المتحدة والغرب وخطورة ذلك على العالم، من دعمها اللامحدود للكيان الصهيوني مروراً بالقاعدة، وداعش والنصرة وغيرها الكثير من التنظيمات والكيانات الإرهابية، دون أن ادخل في كيانات انفصالية توزعت في أرجاء العالم ونفذت السياسات الأمريكية والغربية.
إذن ثمة سؤال يصح لكل زمان ومكان وجرى طرحه بصيغ مختلفة ونظريات متعددة وقراءات معمقة، نعيد طرحه اليوم خاصة مع ظهور نظرية "مقنعة" يجري تداولها في خضم أحداث أفغانستان الأخيرة مفادها أن ما يجري لا يعدو كونه مسرحية من إعداد أمريكي غربي، و إخراج قطري أمريكي طالباني مشترك؟
هل الإرهاب ظاهرة أم مشروع؟ اذا ما أخذنا طالبان نموذجاً.. الإرهاب لم يرتبط يوماً بمرحلة زمنية بعينها بل كان مرافقاً لتاريخ البشرية منذ الأزل معتمداً أشكالاً ومسميات مختلفة فهو الشر والظلم والقهر والقتل والتعذيب وغيره من الممارسات اللاإنسانية التي تطورت مع تطور البشرية عموماً كظواهر شاذة في النفس البشرية وكجزء من صيرورة الحياة بشكل عام، فلم تكن هذه الظواهر جمعية، بل كانت في معظمها فردية ارتبطت ببعض الشخصيات الدموية أو الأقوام التي ليس لها جذر حضاري يؤنسن شخصيتها أو ثقافتها فطغت عليها سمة الدموية كأقوام المغول والتتار وغيرهم.. لكن بكل الأحوال لم تكن هذه الظواهر المرتبطة أصلاً بالذات البشرية منظمة على النحو الذي برزت فيه في مراحل لاحقة.. فتنظيم الشر أو الشذوذ في النفس البشرية وتأطيره ومأسسته كان مشروعاً مخططاً أخرج كل ما هو شاذ أو شرير عن كونه حالة فردية أو ظاهرة غير منظمة لتصبح مشروعاً موجهاً هادفاً باتجاه معين.
إن انتشار الإرهاب في بلادنا وعبوره إلى القارات ليس محض صدفة و لا هو فعل إيماني غوغائي متهور، بل هو ظاهرة نتجت بعد تخطيط ممنهج و أهداف محددة، في كتابه صراع الحضارات أشار الكاتب اليهودي (جوناث كوك) إلى تفاصيل مهمة تتقاطع مع ما أعلنه مستشار الأمن القومي (الصهيوني) الجنرال عوزي دايان عام 2001 خلال أعمال مؤتمر هرتزيلا بأن هجمات الحادي عشر من أيلول كانت معجزة إلهية. و أيد كلامه رئيس جهاز الموساد الأسبق "افرايم هيلفي"، فبالنسبة لليهود أتاحت هذه الهجمات فرصة تاريخية (لإسرائيل) في تحديد أعدائها و من ثم معاقبتهم، معلناً بزوغ فجر حرب عالمية جديدة تختلف عن سابقاتها خاصة مع ظهور مفهوم جديد أعقب أحداث أيلول سبتمبر يقوم على تجميع كل عناصر الإرهاب الإسلامي كما أطلقوا عليه في سلة واحدة محددة المعالم والأهداف والهوية، واضعة الجميع أمام المساءلة والحساب إذا ما رفض محاربة هذا الإرهاب الجديد من خلال حملة تقودها الولايات المتحدة الأمريكية و تشمل أفغانستان و إيران والعراق وسوريا، قائلاً بوجوب مواجهة هذه الدول في أسرع وقت ممكن..
أما الصحفي الصهيوني و هو من كبار موظفي وزارة الخارجية الصهيونية و صاحب العلاقات العميقة مع الموساد الصهيوني (أودين بيبيون)، فقد نشر في شباط عام 1982 مقالة بعنوان-استراتيجية إسرائيل – دافع فيها عن الكيان الغاصب وسياسته التي تؤهله ليكون قوة إقليمه حسب زعمه معتمداً على منهجية ضرورية، لذلك تعتمد على تفتيت دول العالم العربي اثنياً ودينياً كمجموعات متناحرة متنافرة يمكن التلاعب بها بسهولة ويسر، و ذلك تحقيقاً لمصالح الكيان الصهيوني و إنفاذاً لمخططاته، خاصة مع نظرية تستند عليها دوائر القرار الصهيوني بأن العالم العربي الإسلامي الذي أنشأه البريطانيون والفرنسيون في أوائل القرن الماضي هو عبارة عن19 دولة تضم فئات من الأقليات يُعادي بعضها بعضاً بحيث إن الإطار الاتني الاجتماعي لكل من الدول العربية الإسلامية يمكن أن يتحطم إلى درجة الحرب الأهلية إذا ما "أحسنّا التسلل في هذه التباينات.. و باستطاعتنا أن نفتت سوريا إلى دويلات عديدة وفق تركيبها الاثني والطائفي، كذلك سيحدث في لبنان. وتقسيم العراق أهم من تقسيم سوريا، فالعراق أقوى من سوريا وتشكل قوة العراق على المدى البعيد الخطر الأكبر على إسرائيل..". 
يتبع