كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

مروان حبش: حول اللجنة العسكرية

في المؤتمر القطري الأول - أيلول 1963- الذي اجتمع ليومه الأول في مبنى ثانوية أمية بدمشق ثم انتقل اجتماعه في اليوم الثاني إلى مبنى قصر الضيافة، تحدث عضو المؤتمر اللواء صلاح جديد في اليوم الأول باسهاب عن اللجنة العسكرية، ولقد ورد في كتاب (مروان حبش في قضايا وآراء حوار الصحافية شذا المداد. آب 2010 ) عن اللجنة العسكرية. والمراحل التي مرت بها، مايلي:
س _ رغم مرور ما يقارب نصف قرن على تأسيس ما عرف باللجنة العسكرية التي خططت وقادت انقلاب 8 آذار مازال الحديث يدور عنها حتى الآن، ما ذا تريد أن تتكلم للقارئ عن هذه اللجنة، وما مصيرها؟
بعد قيام الوحدة بين سورية ومصر، طلب عبد المحسن أبو النور - الملحق العسكري في السفارة المصرية قبل الوحدة ومعاون قائد الجيش الأول (الجيش السوري) بعد الوحدة - من العقيد البعثي مصطفى حمدون قائمة بأسماء البعثيين من الضباط في الجيش، بهدف تسليمهم مراكز حساسة في القطعات العسكرية حسب وعده، أو كما أوحي إليهم، وانطلاقاً من ثقتهم به، أُعْطِي قائمة تضم الضباط البعثيين المعروفين بنشاطهم -أي ليس أسماء كل الضباط البعثيين - ولكن هؤلاء الضباط فوجئوا بصدور أوامر نقلهم على دفعات إلى الجيش الثاني (الجيش المصري) وتهميشهم، دفع هذا الأمر بالبعض منهم إلى البحث عن الوسائل التي تمكِّنهم من استمرار التواصل بين بعضهم والمحافظة على معنوياتهم، ووجدوا أنه لا بد من تشكيل لجنة من بينهم لتحقيق ذلك الأمر. لم يكن الهدف من تشكيل اللجنة العسكرية في الإقليم الجنوبي "مصر" القيام بتنظيم هؤلاء الضباط المنقولين، بل حماية لهم خوفاً من أن يقعوا فريسة أجهزة مخابرات دولة الوحدة، أو يحبطوا نتيجة التهميش الذي عوملوا به. تشكلت اللجنة العسكرية من الضباط البعثيين: بشير صادق، رئيساً، ومزيد هنيدي، وممدوح شاغوري , وعبد الغني عياش، ومحمد عمران.
وبعد فترة نقلوا جميعهم -باستثناء محمد عمران - إلى السلك الدبلوماسي، وبعدها بادر عمران إلى الاتصال برفاقه لتشكيل لجنة جديدة، وللأسباب نفسها التي دفعت إلى تشكيل اللجنة السابقة، وتألفت اللجنة الثانية من: محمد عمران، صلاح جديد، عبد الكريم الجندي، حافظ الأسد، منير الجيرودي، أحمد المير محمود، عثمان كنعان.
إن الذين أسسوا اللجنة العسكرية لم يرد بذهنهم إلا انتماءهم السياسي، أما الانتقاء فقد تم على أساس مراعاة السلاح الذي يخدمون فيه ومراعاة تواجدهم في القاهرة أو بقربها.
في بداية فترة الانفصال، أصدرت قيادة الجيش قائمة بتسريح حوالى 63 ضابطاً من البعثيين، ومن بينهم كل أعضاء اللجنة، مما دفع باللجنة العسكرية إلى زيادة عدد أعضائها بإضافة الضباط «الرائد حمد عبيد - الرائد موسى الزعبي -النقيب محمد رباح الطويل» إلى عضويتها، وهم من الضباط الذين لم تشملهم قوائم التسريح، والنقيب حسين ملحم (مسرح)، وقررت تطوير نشاطها بالبدء بتنظيم العسكريين البعثيين (العاملين والمسرَّحين)، بعيداً عن التيارات البعثية المدنية التي كانت تتحاور حول الأسس التي يجب إتباعها لإعادة تنظيم الحزب.
في أعقاب أحداث 28 آذار 1962، اعتقل عدد كبير من الضباط المسرحين والعاملين ومن بينهم أكثرية أعضاء اللجنة العسكرية، وتم إطلاق سراح بعضهم، وفي شهر تموز 1962 تمّ، أيضاً، اعتقال عدد من الضباط الوحدويين (بعثيين وناصريين) بتهمة القيام بانقلاب، ومن بين المعتقلين كان المقدم المسرّح محمد عمران والرائد عئمان كنعان من أعضاء اللجنة العسكرية -لم يفرج عنهما إلا في منتصف شهر شباط من عام 1963-، وفي هذه الفترة استلم أقدم الضباط، المقدم المسرّح صلاح جديد رئاسة اللجنة، وكان له مع المقدم المسرّح عبد الكريم الجندي والرائد المسرّح أحمد المير محمود، والرائد موسى الزعبي، الدور الرئيس في كل الترتيبات التي قادت إلى انقلاب الثامن من آذار 1963.
بعد انقلاب آذار، أُضيف إلى اللجنة العسكرية كلٌّ من النقيب سليم حاطوم والنقيب مصطفى الحاج علي والنقيب توفيق بركات، ثم أضيف إليها العميد أمين الحافظ الذي أصبح رئيسًا لها والرائد أحمد سويداني.
واعتَبَرتْ هذه اللجنة نفسها قيادة حزبية للتنظيم الحزبي في القوات المسلحة، وركزت همَّها الرئيس على الاهتمام بالقوات المسلحة وعلى وضع ثقلها، أحياناً، في حسم الصراعات التي كانت تقع بين قيادات الحزب والحكم.
لقد ضعف الدور السياسي للجنة بعد اتهامها لأحد أعضائها، اللواء محمد عمران عضو القيادتين القومية والقطرية ونائب رئيس الوزراء، بالقيام باتصالات مع قوى وشخصيات سياسية دون أخذ قرار منها أو اطلاعها على أسباب نشاطاته تلك، وقررت في أواخر عام 1964 إبعاده وتعيينه سفيراً فوق العادة في إسبانيا، وتسفيره فوراً، دون الرجوع إلى القيادات الحزبية المسؤولة، وبعد فترة وجيزة من ذلك، وبسبب الاتجاهات المتعددة التي بدأت تتصارع في الحزب والتي شملت أعضاء اللجنة العسكرية، وتبلورت في الاتجاهين اللذين تمثلا في الجيش بشخص كل من الفريق أمين الحافظ واللواء صلاح جديد، يمكن القول: إن دور اللجنة قد انتهى تماماً.
قرر المؤتمر القومي الثامن الذي انعقد في أول شهر مايس 1965، حل اللجنة العسكرية، وفي شهر حزيران 1965 اجتمع مؤتمرٌ حزبي للضباط البعثيين في معسكر القابون وانتخب مكتباً عسكريًا مرتبطاً بالقيادة القطرية, ويعمل تحت إشرافها كأي مكتب من مكاتبها، وتم انتخاب كل من المقدم موسى الزعبي، المقدم مصطفى طلاس، المقدم حسين ملحم، الرائد محمد رباح الطويل، الرائد جمال جبر، الرائد طالب خلف، الرائد عبدو الديري، ويضم المكتب في عضويته، أيضاً، وبحكم مناصبهم، كلاً من قائد الجيش، ورئيس الأركان، وقائد القوى الجوية، وقائد القوى البحرية، وقائد الجبهة، ومدير إدارة المخابرات العسكرية، ومدير إدارة شؤون الضباط، وأصبح هذا المكتب بأعضائه لجنةً لشؤون الضباط في قيادة الجيش، وعضواً في مجلس الدفاع.
_______________________
وعن تنظيم اللجنة العسكرية، (من كتاب مروان حبش - البعث وثورة آذار- ص 93)
نأى هذا التنظيم بنفسه عن الصراعات القائمة بين الأجنحة البعثية المختلفة، ورغب في تجاوز أمراض الحزب القديمة، وكان يعتقد أن العلة تكمن في القيادة التاريخية ولذلك ينبغي تجاوز تسلطها الفوقي والتحرر من تصرفاتها وخلافاتها الشخصية، واتباع عمل حزبي مستقل، والتعاون مع (القاعدة البعثية،) وبناء صياغة موضوعية لعلاقات أفراده وأجهزته تمهد لظهور صف جديد من القادة الأكثر التصاقاً بالحزب وقواعده، وأكثر قدرة على التعبير عن إرادته، وتستطيع هذه الصيغة التصدي للمؤامرات الانفصالية في الحزب.
وفي الوقت نفسه بقي هذا التنظيم سرياً يحاور جميع الأجنحة، دون أن يعلن عن تنظيمه، و يسعى إلى توحيد صفوفها، ومعالجة أسباب اختلافاتها، ووجد هذا التنظيم في مقررات المؤتمر القومي الخامس تقارباً كبيراً مع وجهة نظره.