كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

د. عبد الله حنا: من عوامل انهيار الدولة العربية الحديثة ، داخليا

أي الدولة الوطنية السورية 1918 – 1920، التي رئسها الملك فيصل.. بعد هزيمة الدولة العثمانية وحليفتها المانيا القيصرية في الحرب العالمية الاولى. واتفاق فرنسا وبريطانيا على تقاسم شركة الرجل " المريض"
***
- انعزال الحركة الوطنية في دمشق على أعتاب موقعة ميسلون عن بقية المدن والأرياف.
- حلب كمدينة اعترفت بالدولة القومية باستحياء. على أعتاب يوم ميسلون قرر مجلس أعيان حلب برئاسة كامل باشا القدسي الاستسلام وتسليم حلب تجنبا لدمارها، ولهذا كافأ الفرنسيون كامل باشا بتعينه حاكما لحلب. أما أريافها الغربية فشهدت انتفاضات هنا وهناك، سنتناولها فيما بعد.
- الفلاحون أصحاب الملكيات الصغيرة كانوا جاهلين بما يجري حولهم ومنهكين من السنوات الحالكة للحرب العالمية الاولى (السفر برلك).
- فلاحو الأراضي المملوكة من الإقطاعيين كانت تلسع سياط وكلائهم ظهور الفلاحين.
- عدم مشاركة الفلاحين في النضال أيام الانذار. إن مدة الانذار القصيرة وما أعقبها من هيجان لم تمكّن المخلصين للدولة من حشد سائر القوى للوقوف أمام الطغيان الاستعماري.
- قبل الحرب العالمية الأولى كانت البرجوازية الدمشقية على صلات حسنة وتفاهم لا بأس به مع الفلاحين ولاسيما الأغنياء منهم.. وكانت البرجوازية تعقد الآمال الكبيرة على هذا اللقاء بين المدينة البرجوازية والريف الفلاحي للنضال ضد الحكم التركي.
- أما في العهد الفيصلي فلم تهتم قمة السلطة بالفلاحين وأعرضت عنهم. ولذلك فإن الفلاحين في مناطق القلمون والزبداني ووادي العجم وحوران الذين كان من الممكن استنفارهم للحرب كانوا غير مهيئين نفسيا وبدون تعبئة مادية، إلى درجة أن جنود الجيش المسرّح ومعظمهم من الفلاحين رفضوا العودة إلى الجيش واتجهوا دون اكتراث إلى قراهم.
- جبل الدروز، الذي كان فرسانه القوة الشعبية الرئيسية المؤيدة للثورة العربية انكفأ على نفسه وانسحب فرسانه من دمشق لأسباب يطول شرحها.
- وهكذا دخلت جماهير دمشق "وحيدة" إلى ساحة النضال في تموز – ولم يكن بإمكانها خلال أيام معدودات وفي جو تسوده الفوضى والاضطراب ونشاط عملاء الاستعمار أن تصدّ الزحف الاستعماري الفرنسي.
- لا بدّ من دراسة حركة العامة (الغوغائية) التي سيطرت على شوارع دمشق في الربع الثالث من تموز سنة 1920، والهجوم على القلعة مما أدى إلى سقوط ضحايا وقاد إلى انعزال رأس الدولة العربية وحذَرِه من الانفجار "الشعبي" ثانية.
- نهج فيصل سياسة غامضة متأرجحة بين القوى المتصارعة في الداخل والخارج.
- مواقف الأعيان القلقة من تحرك "الطبقة الوسطى ومثقفيها وحذرها من أمير حجازي يدخل عُقْرَ دارها ورغبتها في حكم يحفظ لها" ملكيتها الزراعية ويكبح جماح القوى الطبقية المناهضة للاقطاعية والمتحررة من "الكابوس العثماني".
- مشايخ الطرق الصوفية وقفوا في وجه تطلع القوى التنويرية والشباب المتطلع إلى مناخ تحرري بورجوازي المَنَازع. هذا مع العلم أن المواقف السياسية للطرق الصوفية تختلف، بل تتناقض، وفقا للزمن والمكان  وفي زمن هذا البحث كانت معظم الطرق في بلاد الشام تسير مع الإديولوجية العثملية..
- العامة المنضوية وراء فقهائها "العثمليين" وقفت بأكثريتها حائرة مترددة "تدور" في حلقات الذكر.
- وهكذا حمل سقوط الدولة العربية تراثيا في مطاويه كثيرا من المعاني منها استمرار ظلّ "كابوس السلطان عبد الحميد" ومشايخه المخيّم على اكثرية العامة، التي رأت أنّ الدولة الحديثة مخالفة لشرع الله. ولهذا لم تلق صدى في آذان هذه العامة أصوات المشايخ المتنورين الداعين إلى الدولة العربية الحديثة.
- دور الجنرال الاستعماري غورو في تصديع تحالف الملك فيصل مع الوطنين في وجه الاجتياح الاستعماري.
- كمحصلة لهذه الأسباب لم يكن بإمكان الملك فيصل ولا القوى الوطنية الشابة ومن ساندها من شيوخ متنورين وسلفية نهضوية أن تجمع في أربع وعشرين ساعة قوى شعبية وازنة تخوض المعركة. واقتصر الأمر في "وقعة ميسلون" على "وقفة" يوسف العظمة البطولية واستشهاده، ليصبح جمر الوطنية المتّقِدة ومنارة للنضال الوطني المناهض للامبريالية أيام الانتداب الفرنسي. وأصبح ضريحه في ميسلون مزارا للوطنيين من سورية ولبنان يلقون الخطب لإحياء ذكرى الاستشهاد البطولي ليوسف العظمة رمز النضال الوطني
***
وأخيراً: يبقى هناك تساؤل حول نفسية يوسف العظمة عندما قرر عامدا متعمدا الاستشهاد رغم معرفته بضعف القوى العسكرية المقتصرة على كتيبة مدفعية، وأعداد من المتطوعين بسلاح هزيل وتدريب لا يرقى إلى مستوى معركة مع جيش استعماري مجهز بالطائرات والمصفحات، تسانده في الداخل الدمشقي قوى لا يؤمن جانبها.
والتساؤلات هي:
- هل ذهب العظمة بنفسية ضابط في الجيش العثماني تدرّب على أيدي ضباط ألمان حلفاء العثمانيين؟..
- هل ذهب بنفسية مسلم يقاوم "الكفار"؟..
- هل ذهب بنفسية وطني أو قومي عربي كسلفه رئيس الـأركان السابق العراقي ياسين الهاشمي؟..
- هل ذهب بنفسية قائد عسكري دفعته حميته إلى ساح الوغى؟..
- علينا للاجابة أن نقرأ مذكرات قريبه الدكتور بشير العظمة الاستاذ في كلية الطب ذي الميول الماركسية، الذي وصف الجو العائلي الذي عاش في كنفه الطفل والشاب يوسف العظمة في حي القيمرية القديم بدمشق...
- وأخيراً: وليس آخرا هل ثمة علاقة بين أصول العظمة الكردية (المعرّبة)، وهذا الموقف "الصلب" الشجاع الذي تحلى به الأكراد وَوَرِثُهُ العظمة عن أجداده؟..

***
نذكّر أننا تناولنا هنا الاسباب الداخلية لسقوط الدولة العربية الحديثة ، ولم نتطرق للاسباب الخارجية ل "ضرورة الشعر" كي لا نرهق القارئ (الفيسبوكي) .
***
الحلقة القادمة: دير الزور والدولة العربية في مذكرات ابنها ثابت العزاوي