كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

على خلفية خطاب المرشد الإيراني: حلم الصهاينة يتجاوز حدود فلسـطين ويشمل كامل المنطقة وشعوبها من طنجة إلى جاكارتا

د. طارق ليساوي

أشرت في مقال ”على خلفية الهجوم الإيراني: توحيد صفوف الأمة واجب الوقت و ضرورة حتمية للنجاة من حلم صهيوني مدمر..” إلى أن واجب الوقت يقتضي نصرة كل من قاوم و حارب الاحتلال الصهيوني، فلا مجال هنا للسياسة وللمهادنة فالخطر جامح والتهديد واضح، وهنا يحضرني ما قاله سلطان العلماء العز بن عبد السلام رحمه الله: (من دخل قرية فشى فيها الربا فخطب فيها عن الزنا فقد خان الله ورسوله)، فالربا من اكبر الكبائر والزنا ايضا من أكبر الكبائر، لكن واجب الوقت وفقه الأولويات يقتضي الحديث عن الربا المتفشية بين الناس.. فالأصل أن الواقع هو من يفرض المواضيع التي سيتحدث بها الداعية أو العالم أو كل من يتصدر للحديث أمام الملأ، والأمر ليس انتقائياً بما تهوى الأنفس وتقتضيه المصلحة الشخصية او مصلحة اولي الأمر و النعمة..

·        خطاب طائفي مفتعل:

ففي الوقت الذي تسيل فيه دماء المسلمين في غزة و فلسطين وفي لبنان دفاعا عن ارض مغتـصبة محتلة ودفاعا عن العرض و الدين، يخرج من يحدثنا عن “شيعة” و“سنة” واهل كتاب وعن من تجوز في حقه الرحمة ومن لا تجوز عليه الرحمة.. فمن منكم يملك مفاتيح الجنة أو النار؟ وهذا الخطاب الطائفي غير ذي معنى وخاصة في ظل هجمة صهيوصليبة شرسة ومتوحشة..

·        خطبة المرشـد الإيراني:

 و قد تابعت خطبة الجمعة للمرشـد الإيراني بالعاصمة ظهران اليوم 04-10-2024، تأبينا لزعيم حزب الله حسن نصر الله الذي اغتالته أيادي الغدر والإجرام الصهيوني، والواقع أن الرجل لم يقل إلا صدقا وموقفه من فلسطين والمسجد الاقصى والمـقـاومة مشرف جدا، فد أشار إلى أن ”كل ضـربة تنزل بالكـيان الغاصب هي خدمة للمنطقة ولكل الإنسانية” وأن “هدف امريكا تحول الكـيان الصهيـوني الى بوابة لتصدير الطاقة من المنطقة الى بلاد الغرب واستيراد البضائع من الغرب للمنطقة.. السلوك السفاح والوقح للكيان ناجم عن تحقيق هذا الهدف”..

·        موقف مشرف:

وبنظري، أن موقف المرشد الإيراني وموقف  إيران بشكل عام، منذ لحظة إنطلاق طوفان الأقصى موقف مشرف، بل إن  المسلمين الشيعة قد أيدوا ونصروا إخوانهم المجاهدين في أرض فلسطين، وقدموا الغالي والنفيس نصرة لهم، وبذلوا في ذلك أرواحهم وأموالهم وأسلحتهم، في وقت عجز غالبية أهل السنة عن تقديم نفس الدعم والتضحيات، بل بعض هؤلاء حالف وعاون ودعم الكيان الصهيوني في حربه على غزة والضفة ولبنان…

·        واجب شرعي:

وهذه شهادة حق ينبغي أداءها في هذا الوقت الذي اختلط فيه الحابل بالنابل والصالح بالطالح، والشهادة واجب شرعي  قال الله تعالى: (وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ) (الطلاق: 2) ومن المحرمات الشرعية: كتمان الشهادة، مع قيام الحاجة إليها. قال الله عز وجل: (وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ) (البقرة: 283)، وقال: (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) (البقرة: 140). ومن كمال الإيمان عدم كتمان الشهادة وأداؤها بتمام الصدق والحق، حتى ولو كانت الشهادة ضد النفس أو القريب، أو الصديق، أو أنها شهادة تخدم الخصم أو العدو: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ ۖ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا ۚ اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ)(المائدة-8)و قوله تعالى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ) (النساء: 135)..

·        الخضوع المذل للصهاينة:

 وهذه شهادتنا أمام الله وأمام الأمة ومن اراد ان يخلع سرواله للصـهاينة فله ما شاء، فذلك قراره وهو حر في نفسه، لكن لا يحق له ان يفرض على غيره ان ينزل سرواله، فموقف إيران و“حلفاءها في المنطقة”، موقف يحرج كثيرا من حكام وعلماء عالمنا العربي المتخاذلين والمتحالفين مع الصهاينة في السر والعلن..ولهؤلاء أقول إخطبوا مثل خطابهم واتخذوا مواقف سياسية معادية للصهاينة ومناصرة لغزة وفلسطين ولبنان، والله ثم و الله حتى ترفعكم الشعوب فوق رؤوسها..

·        دور المثقف ورجل العلم:

وتعلمنا من المنجرة والجابري ومالك بن نبي وسارتر وباقر الصدر وغيرهم من القامات الفكرية أن رجل العلم والمثقف الحقيقي يجد نفسه بين الناس، وليس في أحضان السلطة، وخاصة عندما تكون السلطة تتبنى سياسات تدمر المجتمع وتهدد السلم الإجتماعي، فدوره هو خدمة تقدم المجتمع والدولة، دوره الدفاع عن الحرية والديموقراطية والعدالة والتطور. والتنبيه للمخاطر الانية والمستقبلية، وما من خطر أكبر من الجـرائم الصهـيونية في فلسطين ولبنان والتغلغل الصهـيوني ببلادنا المغرب وباقي البلدان العربية والإسلامية.. فحلم الصـهاينة يتجاوز حدود فلسـطين ويشمل كامل المنطقة وشعوبها من طنجة إلى جاكارتا..

·        مشروع دجالي:

ما لا يعلمه الكثير من المتصهينين أن غزة قمة جبل الجليد وبؤرة التدمير والإبادة الجذربة، ورأس الحربة في مواجهة ومقاومة مشروع دجالي يتم الإعداد له منذ عقود، والمنطقة العربية والإسلامية بشكل عام في قلب هذا المشهد الإجرامي والمغرب ضمن هذا المخطط الأسود، ولعل الرفض الشعبي للتطبيع والتغلل الصهيوني بالمغرب، مؤشر على إدراك المغاربة والقوى الحية لمخاطر الهرولة بإتجاه التطبيع مع كيان سرطاني إجرامي، والإختراق الذي حصل في لبنان يدفعنا إلى التأكيد على أن تشبيك العلاقات الاقتصادية والتجارية والفلاحية والأمنية مع هذا الكيان في خطره على البلاد والعباد، فهذا الكيان المجرم لا يمكن أن يأتي منه خير أو نفع والـأيام بيننا..

·        مقاومة التطبيع واجب الوقت:

وتبعا لذلك، لا يسعنا إلا التأكيد على أن دعم المقاومة الفلسطينية وكل من يدور في فلكها ويساندها في معركتها ضد الحلف الصهيو-صليبي، ضرورة حتمية لحماية أوطاننا وحماية الإنسانية من مشروع دجالي شيطاني يتم تنفيذه حاليا بقوة الحديد والنار، وبسياسات الاستحمار والتضبيع والتشكيك والإختراق الثقافي والتشكيك في القيم الدينية والأخلاقية وتغدية الصراعات الطائفية والإثنية طول الوقت، ومن مقومات المقاومة دعم المقاومة ونصرتها، ومقاومة ومناهضة كل جهود التطبيع مع هذا الكيان الغاصب وإدانتها ومقاطعتها بكل الأشكال الممكنة، ولو بالدعاء والكلمة وذلك أضعف الإيمان، فالدعاء جند من جنود الله، والكلمة الصادقة في مثل هذه الظروف أحد من السيف لأننا أمام معركة وعي وفهم وإدراك لحقيقة القضية وأبعادها الدينية والقومية، فمعركتنا توعية أنفسنا وأبناءنا و زرع حب فلسطين والقدس في قلوبهم، وإعلامهم بأن القدس ستظل عاصمة فلسطين، وفلسطين ستظل أرض عربية إسلامية محتلة من قبل الصهاينة وسيتم تحريرها عندما تخرج الأمة العربية والإسلامية من تيهها وغيها، والأقصى سيظل أولى القبلتين وثالث الحرمين..

وهو ما عبر عنه القرآن الكريم في صورة سنة كونية عامة، فقال: (وتلك الأيام نداولها بين الناس) (آلعمران:140) وفي الختام، تحية إجلال وتقدير لغزة ومقاومتها الباسلة وشعبها الجبار، والرحمة والمغفرة لشهداء العدوان الصهيوني الغاشم على غزة والضفة ولبنان، والخزي والعار للمتصهينين العرب.. والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون..

كاتب و أستاذ جامعي.

رأي اليوم