كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

الصباح الأول.. أغلب الأشياء تغيّرت وفقدت طعمها وجمالها

د. جوليان بدور

من الصعب أن تعرف أين أنت في لحظة الاستيقاظ من يومك الأول بعد عودتك من العطلة الصيفية الطويلة والشاقة؟ وتتساءل هل ما زلت في بيتك القروي المتواضع والجميل والهادئ والمريح؟ أم إنك في غرفتك الجميلة في إحدى فنادق دمشق القديمة الساحرة؟ أم في غرفتك ذات الهواء المكيف في دبي ذات الطقس الشديد الحرارة؟ أم أنك من جديد في غرفتك المعهودة وبيتك الكامن في جزيرتك الجميلة ذات الطقس الشتوي التي تسكن فيها؟
بعد النهوض تحاول تكرار العادات نفسها التي اتبعتها خلال عطلتك. أي تبدأ نهارك بإعداد فنجان من القهوة التي اشتريتها من البلد، إلا أنك تتفاجأ بأنها لم تعد تملك الطعم نفسه واللذة نفسها. وتتساءل عن السبب، هل هو في تغيير الماء أم ركوة القهوة أم أن المناخ أو الطقس أو نفسيتك قد تغيروا؟
بعدها تذهب للتسوق لشراء بعض الحاجات. داخل السوبرماركت يفاجئك الناس بتصرفاتهم وسلوكهم. تلاحظ بأن الأغلبية الساحقة من الناس عابسة، غير بشوشة، صافنة ومنهمكة بشراء حاجاتها. البضائع والسلع والمنتجات معلبة ومرتبة داخل السوبرماركت بشكل جميل تجذبك لشرائها. الجميع منهمك ويحاول الاختيار ما بين السلع والمنتجات. لا أحد يبتسم أو ينظر الى الآخر.
وتتساءل لماذ الناس تتصرف هكذا؟ وماهي الأسباب الكامنة وراء هذا المناخ الكئيب والحياة القاسية؟ هل هو ارتفاع أسعار المواد، أم ضعف الدخل أم إيقاع الحياة الجهنمي في المجتمعات الغنية ذات الاستهلاك المفرط؟
بعد التسوق وعند العودة إلى السيارة بادرتني فكرة مقارنة الطريقة التي كنت أبدأ صباحي خلال عطلتي في قريتي الصغيرة والحياة هنا. فتذكرت شروق الشمس الثابت الذي كان ينتظرني في كل صباح، والسماء ذات اللون الأزرق الغامق والمناخ المعتدل اللطيف والهواء الصافي والنقي والهدوء العميق الذي لا يشوبه سوى غناء العصافير. تذكرت أيضاً كيف كنت خلال نزهتي الصباحية (randonnée matinale ) أتذوق الفواكه البيئية والعضوية من ديس وخوخ وإنجاص وتين ودراق وعنب، لتقارن ما بين لذة هذه الفواكه وطعمها اللذيذ مع ما تشتريه هنا من فواكه جميلة المنظر لكنها جافة وناشفة وبدون طعم تقريباً. فتترحم على أيام عطلتك وتحمد الله بانك ولدت في بلد ليس فقط من أعرق وأقدم الأوطان، وإنما أيضاً منّ أجملها وأحلاها وأبهاها.