كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

قصة صورة.. والنهضوي انطون سلامة

أسامة سلامة

في هذه الحياة لكل منا قصة مؤثرة مستترة بغلالة من النسيان، وعندما تعود الصورة إلى واجهة التذكر عند تصفح الألبوم العائلي يستيقظ الحنين إلى الماضي المبتور قسرا.
أنطون سلامة هو عمي، ومن مواليد عام 1912 درس الهندسة الزراعية في بوقا باللاذقية ثم أختص في فرنسا، عند عودته عمل في الجزيرة السورية في زراعة القمح والقطن مع شركاء من الحسكة، وكانت مشاريعه ناجحة جدا، واستمر الأمر حتى عام 1955 الذي كان مفصلياً في حياته.
هو من الرواد الأوائل في الحركة القومية الإجتماعية، فقد انتمى إليها عام 1935 في طرطوس عندما كان طالبا داخليا في معهد اللاييك مع مجموعة من رفقائه أذكر منهم رياض عبد الرزاق وبدر مرقبي ومحمود حبيب وآخرين، وعمل بعدها على نشر العقيدة القومية في مرمريتا وفي وادي النصارى بدأب لا حدود له، حتى أضحت مرمريتا واحدة من القلاع القومية الكبرى لدرجة أن الزعيم سعادة أطلق عليها في خطابه الشهير فيها عام 1937 قبيل اغترابه القسري إلى الأرجنتين في ذلك العام: "مرمريتا مشتل النهضة القومية الإجتماعية"، لكن هذا الحال لم يدم طويلاً، فقد إعتقل كما آلاف القوميين في نيسان من عام 1955، وسجن على خلفية جريمة اغتيال العقيد المالكي وبعد الإفراج عنه غادر إلى لبنان هو وشقيقه الأمين المحامي عيسى سلامة واستقرا هناك، وكان والدي الذي سرح من الجيش على خلفية الواقعة نفسها قد استقر في مرمريتا، كنا حينها كعائلة نلتقي عمي في لبنان على الدوام، وعندما تقدم به العمر هو وزوجته أخذهما إبناهما الطبيبان وليد ووائل إلى الولايات المتحدة حيث يعملان هناك حتى الآن، وبسبب عمل ابنيه اللذين سرقهما الوقت انقطع التواصل مع الأهل والأعمام في سوريا، فانقطعت أخبارهم بشكل شبه كامل، وبخاصة لعدم وجود وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة التي ألغت المسافات والزمن، إلى أن توفي هناك منذ أكثر من 25 عاماً، فحزنت عليه حزناً شديداً، فقد كنت عنده الولد المدلل كما تشير هذه الصورة لأنني الأبن الأكبر بين أبناء أشقائه.
أنطون سلامة واحد من مثقفي النهضة الكبار، فقد كتب في "القيثارة" التي أصدرها شقيقه عيسى (سلامة) مع رفقائه في الحزب عبد العزيز أرناؤوط ومفيد عرنوق وكمال شرابي، كتب مقالات ثرية في التاريخ السوري وفي الآثار وفي الثقافة عموماً، ثم كتب في "البناء" جريدة الحزب، واستكمل أبحاثة في جريدة "الإرشاد" في اللاذقية التي كان يصدرها الشيخ أمين حكيم صديق الحزب، وقد أطلعني عليها الباحث هاشم عثمان الذي يملك مجلداتها كلها، وهذه الأبحاث والمقالات التي لو جمعت في كتاب لكانت أغنت المكتبة السورية بثقافة ثرية ستضيع مع الزمن كما ضاع غيرها.