كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

عن حراس الهيكل والثورة والحرب الأهلية

شعبان عبود

بعد ساعات فقط من دعوة منتدى حرمون الثقافي لحفل توقيع كتاب الباحث سامر بكور "التغريبة السورية.. الحرب الأهلية وتداعياتها المجالية والسكانية 2011-2020"، والإعلان كذلك عن جلسة نقاش للكتاب تديرها الزميلة نور الهدى مراد التي تعمل في تلفزيون سوريا، بعد ساعات قليلة فقط بدأ البعض من السوريين على السوشال ميديا بتوجيه انتقادات وكلمات بذيئة للكاتب ولمنتدى حرمون ولتلفزبون سوريا وللدكتور عزمي بشارة مدير مؤسسة فضاءات ميديا، السبب هو أن هؤلاء المنتقدين ودون أن يعرفوا شيئا عن الكتاب وما خلص إليه الباحث في دراسته، فقد راعهم وروعهم أن يتجرأ أحد ما على وصف "الثورة السورية" بالحرب الأهلية، وكأنه لا يحق للباحث والكاتب أن يكتب أو يبحث أو يخرج بنتائج وتوصيفات لحدث عام وكبير ويختار عنوانا ما لكتابه. يبدو أنه كان عليه أن يراجع "حراس هيكل" الثورة السورية الموزعين والمنتشرين على امتداد العواصم الأوروبية وغير الأوروبية، الذين اكتشفوا أو اشتموا رائحة الخيانة العظمى من عنوان كتاب، مجرد كتاب لم يقرأوه ولا يعرفوا أي شيئا عن مضمونه.
لا أعرف لم وكيف أن هذه المواقف المتشنجة والإقصائية إزاء الكتاب والكاتب أعادتني إلى أولئك الذين حرقوا كتب الفيلسوف والمفكر ابن رشد، ولم ذكرتني بالنظام السوري الذي كان يمنع دخول كتب وصحف معينة ويمزق صفحات من صحف كانت تدخل سوريا، لكن الغريب هو أن حتى من حرقوا كتب ابن رشد وحتى النظام وممارساته تبدو مبررة ومفهومة لسبب بسيط أن هؤلاء وأولئك كانوا يعرفون جيدا ماذا أتى في كتب ابن رشد، كذلك النظام ورقابته، يُسجل لهم أنهم كانوا يمنعون الكتاب والصحيفة لأنهم يعرفون ما هو مضمونها.
ثم من ناحية ثانية، لماذا هذه الحساسية المفرطة إزاء المصطلح طالما أنه أتى في إطار البحث العلمي، ولم يُطلقه الباحث من على منبر سياسي، وطالما أن الباحث لا يشغل موقعا في جسم سياسي ما محسوب على المعارضة؟ بمعنى أن هذا ما خرج به وارتآه مؤلف الكتاب وهو شأنه هو يمثله وحده ولا يمثل الآخرين.
هنا في الولايات المتحدة يُستخدم مصطلح الحرب الأهلية لوصف الأحداث والصراعات الدامية التي حصلت بين ولايات أميركية بين عامي 1861 و1865، على خلفية تأييد ولايات معينة لمكافحة الرقيق والعبودية ومناهضة ولايات أخرى لذلك، وإذا ما دققنا جيدا في السبب سنرى أن هناك "ثورة" تقدمية في التفكير والمواقف التي تناهض العبودية هي من كانت السبب في تلك الحرب، لكن رغم ذلك يتفق الجميع على وصف تلك الصراعات بالحرب الأهلية، يعلمونه للتلاميذ في المدارس ويستخدمه الباحثون والمؤرخون. يعني المصطلح لا يشكل إهانة وطنية، المصطلح واستخدامه تفرضه وقائع وممارسات على الأرض قام بها الفرقاء المتخاصمون وليس هو توصيفات نريدها ونحددها نحن بناء على ما رغباتنا وأهوائنا.
مما لاشك فيه أن ثورة مناهضة للنظام قد اندلعت في عام 2011، رفعت شعارات وطنية ووضعت أهدافاً تتعلق بإسقاط النظام وبناء سوريا جديدة، لكن ذلك كان عمره قصير جداً. كلنا يعرف ماذا حصل بعد ذلك حين دخلت فصائل ومجموعات ترفع شعارات إسلامية ودينية على خط الثورة، وكيف دخل مقاتلون تكفيريون من دول خليجية وغير خليجية إلى مناطق "الثورة السورية"، وحين استدعى النظام أحزابا عربية طائفية ودينية مثل حزب الله اللبناني واستعان بإيران وميليشياتها ومقاتليها العراقيين والأفغان والباكستانيين، كل هؤلاء جميعاً شاركوا في القتال منطلقين من خلفيات وطموحات دينية وطائفية. ونحن نحتاج أبحاثا كثيرة لنعرف ماذا جرى ولنحدد مصطلحاتنا الصحيحة والدقيقة والعلمية وليس ما نريد ونشتهي ونتمنى.
وعودة لحراس الهيكل الذين يرفلون بنعيم الدول الديموقراطية الغربية، فإنه لمن المستغرب حقا أن هؤلاء الذين هربوا من نظام استبدادي وقمعي وعاشوا وتعايشوا مع القيم الديموقراطية الغربية نراهم جاهزين دائما لإطلاق النار وتخوين واتهام الآخرين بسبب رأي مختلف أو كتاب، إذا أنتم كذلك لماذا تعيشون في أوروبا، ألم تتعلموا شيئا؟
أحد الأشياء أو المصطلحات التي يصر تلفزيون سوريا الذي أعمل فيه منذ سنوات على استخدامه هو مصطلح "الثورة السورية"، بالنسبة لي شخصيا لا اعتقد أن المصطلح الذي يناسب ويغطي فترة قصيرة من الزمن هو مصطلح يمكن استخدامه لما حصل بين 2011 ولغاية اليوم، هم مصرون على ذلك، وشخصياً أعتبر ذلك لا يناسب حيادية اللغة الإعلامية ولا يوصف بشكل دقيق ما حصل، لكن رغم ذلك فإن تلفزيون سوريا هو على لائحة المتهمين الذين يروجون لمصطلح الحرب الأهلية بسبب ذلك الكتاب وما ارتآه الباحث، لماذا وما العلاقة لا أحد يعرف! يعني بصراحة أنا نفسي لو استخدمت مصطلح الحرب الأهلية خلال مقابلاتي في برنامج الذاكرة السورية، لربما تسبب ذلك في إقالتي من العمل.
الغريب والمضحك في الأمر أن حراس الهيكل والنظام السوري يتفقان في الحساسية المفرطة إزاء مصطلح الحرب الأهلية!