كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

قصة وفاء من الماضي (سوريا خمسينات القرن العشرين)

أسامة سلامة- فينكس

في أعقاب المؤامرة التي أودت بحياة العقيد عدنان المالكي أواخر نيسان من العام 1955، والتي كان القصد منها الإجهاز على الحزب السوري القومي الإجتماعي، بدأت السلطات آنذاك بملاحقة القوميين الآجتماعيين من الأعضاء العاديين في الحزب وحتى كبار القادة وأقربائهم وعلى الشبهة في غالب الأحيان، ففر من فر من القادة وأعتقل من أعتقل، ومن الفارين كان الأمين المحامي عيسى سلامة الذي أستقر حينها في لبنان.
شارك آنذاك في إضطهاد القوميين كل من البعثيين والشيوعيين وأزلام الرئيس المصري في سوريا وعلى رأسهم سيئ الذكر عبد الحميد السراج، الذي صار بعد الوحدة القسرية مع مصر رجل سوريا الأول فأذاق القوميين مر العذاب بعد أن أضاف إليهم الشيوعيين والبعثيين فأذاقهم العذاب الذي أذاقوه للقوميين بعد حادثة المالكي.
في عهد الوحدة هذا عين محافظ عل حلب المحامي محمد الكسار، وهو محام قدير، ومن أشد المؤيدين للوحدة مع مصر، في هذه الآونة تم تعيين مجموعة من المدرسين خريجي جامعة دمشق في إختصاصات مختلفة في ثانويات محافظة حلب ومنهم السيد عيسى سلامة من مرمريتا الذي كان يحمل إجازة في العلوم، والذي كان قد تعرض في أعقاب قضية المالكي للتوقيف أكثر من مرة هو وسواه من حاملي الاسم نفسه "عيسى سلامة" القومي الذي أصبح في بيروت.
على طاولة محافظ حلب نسخة من تعيينات المدرسين الجدد، قرأ فيها اسم: عيسى سلامة، فعاد إلى ذاكرته إسم زميله القديم في معهد الحقوق بجامعة دمشق المحامي عيسى سلامة القومي المعروف الذي كانت تربطه به مودة وصداقة حميمة مع الإختلاف العميق في التوجه السياسي، فقال في نفسه: هذا المدرس الجديد الذي يحمل الإسم نفسه ومن مرمريتا لا بد وأن يكون واحداً من أقربائه فاستدعاه لمقابلته لسببين: أولهما معرفة ماذا حل برفيقه القديم وأين استقر، والسبب الثاني: هو الإهتمام بهذا الوافد الجديد إلى حلب إكراما لزميله القديم.
تبلغ المدرس الجديد بأن المحافظ أستدعاه لمقابلته فارتاب في الأمر وقال في نفسه: لعنة هذا الإسم ستلاحقني حتى القبر، لكنه أستجمع نفسه في اليوم التالي وذهب لمقابلة المحافظ وليكن ما يكون.
في مكتب المحافظ الدقيق الملاحظة لاحظ إرتباكه الشديد، فسرعان ما طمأنه وقال له: لقد إستدعيتك من أجلك وللإهتمام بك، فأنت قريب أحد أعز أصدقائي وزملائي المحامي عيسى سلامة الذي أحبه وأحترمه كثيرا وللإستفسار منك عن وضعه وماذا حل به وأين أستقر؟
هذه الحادثة الطريفة رواها لي الأستاذ القدير عيسى سلامة الذي يبلغ الآن الـ 92 من العمر ومستقره الآن في أستراليا.