كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

نكتة لم تعد تضحكني

حسين شعبان:

منذ عشرين عاما روى لي أحد العجائز قصة أضحكتني كثيراً...
قال: أنه في الخمسينات كان يسمع من الراديو صوت جمال عبد الناصر وصوت الملك حسين وصوت عرفات وغيرهم، فتخيّل الرجل أن عبد الناصر رجل (ناعم ) قياساً بصوته الرقيق.. وظن أن الملك حسين (هرقل) نظراً لصوته الأجش الخشن، وتوقّع أن عرفات (مارد) نظراً للأساطير التي كانت تحاك حوله والحماسة التي كان يصرخ بها، وبعد أن ظهر التلفاز فوجئ العجوز أن أكتاف عبد الناصر لوحدها بحجم أربعة رجال وأن الملك حسين أقل من خمسين كيلو غرام، وأن عرفات يمرُّ من سُمْ الخياط...
ضحكنا يومها كثيراً... وقال لي من حسن حظكم أنكم اليوم ترون كل شيء ولن تنخدعوا مثلنا...
وبعد عقود فوجئت أنني لم أكن أرى شيئاً أو بالأحرى كنت أرى معظم الأشياء بالعكس، وأن اليساري العلماني حليف حميم لجبهة النصرة وربما يصلي التراويح، وجماعة التنوير يتحدثون عن أهمية دور الطائفة والقبيلة! وعن أكثرية وأقليات! وسوريون يفتخرون بعلاقتهم مع اسرائيل في سبيل القضية الأهم وهي محاربة الكفار! وملحدون قمة في الطائفية! وفضل شاكر يحمل السيف بدل المايكريفون.. وكل واحد من جماعة الاشتراكية لديه ثروات أكبر من جموع الجماهير، وجماعة العودة الى السلف يطلبون الحرية! ودول علمانية تطلب صلاة استسقاء! وابن طلاس يتحدث عن الفساد الذي ليس من الممكن السكوت عليه! وجماعة (لا يجوز تجويع القطة) حاصروا وجوّعوا حلب سنتين! وجماعة (حرام رمي كسرة الخبز) ذبحوا أطفالا في أحضان أمهاتهم! وأعداء الامبريالية يناضلون! لتسفير أولادهم إلى حضنها... ومن نهب العبادْ وهرّب أولاده خارج البلادْ احتفل بالنصر واتحفنا بدروس الصمود!
لكنني لم أضحك كثيراً هذه المرة...
تذكرت العجوز رحمه الله وقلت: من حسن حظه أنه لم ير ما رأيناه.