كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

كنيسة "السيسنيّة".. قِيَمٌ روحيّة وتاريخيّة وإنسانيّة

 

فادية مجد- طرطوس- فينكس

تقعُ كنيسة "السيّدة العذراء" في بلدة "السيسنيّة" على بُعدِ /7/ كيلو مترات عن مدينةِ "صافيتا"، و "السيسنيّة" كلمة مُشتقّة من (ساس؛ أي يسيسُ الخيل)، فقد كانت القرية في الماضي مركزاً لتجميعِ الخُيول التابعة للجيش.

ولمعرفةِ المزيد عنِ الكنيسة وتاريخِها، وما تتضمّنهُ من أوابدَ أثريّة تواصلت منصّة "فينكس" بتاريخ 10/ 1/ 2022 معَ "سماح ديوب" رئيسة شعبة آثار "صافيتا"، والتي قالت: "تحملُ الكنيسة اسمَ السيّدة العذراء، ويُقامُ الاحتفالُ بها في /15/ آب من كلِّ عام، والكنيسة الموجودة حاليّاً بُنِيَت على أنقاضِ كنيسةٍ قديمة، تحتَها مغارة تعدُّ كنيسةً بحدِّ ذاتِها، وقد وُجِدَ فيها قبر "الشّماس". لافتةً إلى أنّهُ لا يُعرَفُ على وجهِ التحديد تاريخُ تشييدِها، ولكن تُرجَّح عودتُها للفترة البيزنطيّة.

وأوضحت "ديّوب" أنَّ الآثارَ التي تضمّنتها كنيسة "السيسنيّة" أكسبتها أهميّةً كبيرة دينيّاً وتاريخيّاً، وأهمّ تلكَ الآثار "قبر الشمّاس"، وهوَ "سالم بن داوود"، وقد وُجِدَ في نفقٍ تحتَ الكنيسة، وفي يدهِ نُسخة قديمة للإنجيل المُقدَّس مكتوبة بخطّ يده على ورقِ البُردي، تحتوي على نقوشٍ مرسومة بماءِ الذهب تعودُ إلى عام /١٠٠٧/ للميلاد، مُشيرةً إلى أنَّ "الإنجيل" موجود حالياً مع أحدِ الأعضاء السابقين في لجنة الكنيسة، يحتفظ بهِ في مكانٍ سرّيّ.

وتُتابع: "الأثر الثاني هوِ "جرن المَعموديّة" المصنوع منَ الحجر، قامَ بصُنعه "مرشد جرجوس" سنة /١٩٢٦/ ميلاديّة، وهناكَ أيقوناتٌ أثريّة للسيّد المسيح والسيّدة العذراء، كانت موجودة في برج "صافيتا" قديماً، مرسومة بالألوان الطبيعيّة (الخلّ والزيت وصَفار البيض)، وقد تمَّ نقلها من قِبَل الخوري "إبراهيم إبراهيم" إلى الكنيسة، موضحةً أنَّ تلكَ الأيقونات كانت هديّة من زوجة القيصر الروسيّ إلى آل "بشّور". 

السيسنيةوأخيراً "العَتَبة البازلتيّة" الموجودة عندَ مدخل الكنيسة، والتي تحمِل كتاباتٍ باللغة اليونانيّة تعود للفترة البيزنطيّة، و"الصليب الخشبيّ الكبير" الموجود فوقَ أيقونة العشاء السرّيّ.

وعنِ السّمات المعماريّة للكنيسة قالت "ديوب": "في الماضي كانت الكنيسة عبارة عن عقدٍ أسطوانيّ كبير ينتهي بالحنية، ولكنَّ حريق عام /١٩٢٥/ أدّى إلى تخريبٍ كبير، وتهدُّمِ حجارةِ نصف الكنيسة الأوّل (المَدخَل)، وبعدَ عامٍ منَ الحريق قامَ الفرنسيّونَ بإعادةِ بناءِ النّصف المُتهدّم على شكلِ عقدٍ مُتصالب، وهذا مؤرَّخٌ على بابِ الكنيسة.

وختمت "ديوب" بالإشارة إلى أنَّ الكنيسة بُنِيَت منَ الحجارة الكلسيّة البيضاء والحجارة البازلتيّة السّوداء، مبينةً أنّهُ توجدُ في أعلى جُدران الكنيسة ثلاث فتحاتٍ مُربّعة الشكل للتهوية، بالإضافة إلى فتحةٍ دائريّة باتّجاه الشرق تسمح بدخولِ أشعّةِ الشمس إلى داخلِ الكنيسة.

الأب "إلياس عدره" كاهن الكنيسة تحدّثَ لمنصّة "فينكس" بتاريخ 17/ 1/ 2022 بالقول: "أينما وُجِدَتِ الأنهار تُقامُ الحضارة، وكنيسة "السيّدة العذراء" أقيمت بالقُرب من نهر "الأبرش"، حيثُ الخُضرة والخِصب وتجمُّع الناس قُربه.

وعن أقسامِ الكنيسة بيّنَ أنَّها تتألّف منَ الهيكل في الداخل، وهوَ لخدمةِ رجالِ الدين الكهنة والشمامسة والمَطارِنة، وهناكَ صحنُ الكنيسة يجلسُ فيه المُعمِّدون المؤمنون.

وأشارَ الأب "عدره" إلى أنَّ الكنيسة تضمُّ كنوزاً أثريّةً مُهمّة كَ (قبر الشمّاس)، و(الأواني الكَنَسيّة)، و(المبخرة) (والثياب الكهنوتيّة)، و(أيقونتينِ للسيّد المسيح وللسيّدة العذراء)، إضافةً إلى (جرن المَعموديّة)، وأخيراً (العتبة البازلتيّة) التي تعودُ للكنيسة القديمة إبّانَ الفترة البيزنطيّة، نُقِشَت عليها كتاباتٌ باللغة اليونانيّة،  لافِتاً إلى أنَّ الكنيسة الحاليّة قد أُقيمَت على أنقاضِ كنيسةٍ قديمة، والتي تهدّمت بفعلِ الزلزال الذي حدثَ في المنطقة خلالَ القُرون الماضية.

أبونا

وعنِ الطقوس الاجتماعيّة التي تُرافق الأعياد والنشاطات التي تُقام في الكنيسة قالَ الأب "عدره": "في الأعياد الكَنَسيّة كعيد القدّيسة بربارة، يُوزَّع القمح المَسلوق، ونُشعِل نبتة (البربار) في ساحة الكنيسة، فالقمح هوَ رمزٌ للموتِ والقيامة، وحبّةُ الحنطة إن لم تُزرَع في الأرض لن تُعطِيَ شيئاً. وفي صالةِ الكنيسة نقيمُ احتفالاً وحفلَ غداء بمُناسبةِ عيد الأمّ، ندعو لحضورهِ جميعَ الأمّهات في القرية، إضافةً لإقامةِ غداءٍ للمُسنّين في كلِّ عام كمُبادرةِ تكريمٍ ولقاءِ حبٍّ وعِرفان بفضلهِم.

وفيما يخصّ النشاطات، فهُناكَ مدارسُ الآحاد للتعليم الدينيّ للأولاد في الكنيسة، كما أنَّ جمعيّةَ الأخويات للسيّدات، ولجنة الكنيسة، ومجلس الرعيّة يقومونَ بمُساعدةِ العائلاتِ المحتاجة، من خلالِ توزيعِ المُساعدات التي تُقدَّم للكنيسة، إضافةً إلى تقديمِ الدعم النفسيّ من خلالِ الجمعيّات الملائكيّة (جمعيّة أنيس سعادة) والتي يُقام في الكنيسة للأهالي وأبنائِهم من خلالِ تقديمِ أشكالِ الدعمِ النفسيّ والاجتماعيّ كافّة.

منصّة "فينكس" تواصلت بتاريخ 25/ 1/ 2022 مع "بهيج نادر" من أهالي "السيسنيّة" والذي أكّدَ على أهميّةِ الكنيسة التاريخيّة، وما تضمّهُ من آثارَ قيّمة تعدُّ فَخراً لهُم جميعاً كأبناءِ تلكَ المَنطقة، إضافةً لأهميّتها الدينيّة والروحيّة، مُشيراً إلى أنَّ للكنيسةِ أعمالاً إنسانيّة تتجلّى بتوزيعِ المُساعدات للعائلاتِ المُحتاجة. كما تجمعُ الكنيسة من خلالِ القائمينَ عليها أمَّهاتِنا كلَّ عام للتكريمِ والاحتفال في "عيدِ الأمّ"، إلى جانبِ الاحتفالِ بكبارِ السنّ في القرية وتكريمهِم. كما تجتمع القُرى المُجاورة في عيد "السيدة" الذي يصادف (14) آب معَ قريتنا لإقامةِ الصّلاةِ في الكنيسة، حتى باتت مَعلَماً دينيّاً وتاريخيّاً مُهمّاً في ريف "صافيتا" يقصدهُ الناس من أماكنَ مُختلفة.

إذاً، قيمةٌ تاريخيّة وروحيّة أكسبتها كنيسة "السيّدة العذراء" الأثريّة لقرية "السيسنيّة"، إلى جانبِ قِيَمٍ اجتماعيّة وإنسانيّة تمثّلت فيما تقدّمهُ الكَنيسة من دعمٍ لكلِّ مُحتاج.