كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

"العَطوة".. وعدٌ فيهِ خيطُ الصُّلح وفكُّ النزاع

معين حمد العماطوري – السويداء - فينكس:
تُعدُّ "العَطوة" منَ العادات العربيّة، وهيَ عبارة عن وعد يقطعهُ أهل القتيل للوساطة الساعية لحلٌ الخلاف والنزاع بينَ الطرفين المُتخاصمَين على الدّم، وتُطلَب فورَ وقوع الحادث، وهناكَ عادات بقبولها أو عدمِ قبولها إلاّ بعد أيّام، حتى يُقال إنَّ الدم أصبحَ بارداً، بحيث لا يجوز الثأر خلالَ تلكَ الفترة الزمنية، ولها اعتبارات وعادات. ولكن لِ "العطوة" اعتبارات وتعاريف وشروط، لأنّها تدخل في عمليّة حلّ نزاعاتٍ دمويّة ضمنَ عاداتٍ وتقاليد في جبل العرب، لأنّها تعدّ وعداً قاطعاً يحمل في مُضمره خيطَ نور لفكّ النزعات وحلّ الخلافات الدمويّة.
حولَ "العَطوة" وتاريخها منصّة "فينكس" وبتاريخ 1/2/2022 التقت الباحث التراثي "هايل القنطار" المُشارك في وضع موسوعة السويداء، وبيّن أنّها عادة عربيّة قديمة لها مجموعة منَ الاعتبارات، وهيَ عبارة عن وعدٍ يقدّمهُ أهل المَجنيّ عليه أو القتيل لمن جاءَ يتوسّط معهم لحلّ النزاع وتهدِئة الخواطر. العطوة 2 وتُطلب "العَطوة"، وغالباً يتمّ الأخذ بها فورَ وقوع الحادثة، وبعضُ العشائر العربيّة لا تُقرُّها إلاّ بعدَ /3/ أيّام، حيثُ يُقال إنَّ الدم لم يبرُد بعد، ولا يجوزُ الثأر أو الانتقام خلالَ فترة" العطوة"، والذي يُخالف ذلكَ مُهدَّدٌ بخسارةِ حقوقه، ويُجبَر الكُفَلاء بدفع الدّيّة. وخلالَ فترتها الزمنيّة يسعى أهل القاتل لتدبيرِ أمورهم وجمع الدّيٌة إذا قَبِلَ أهلُ القتيل بها؛ أي مُشيراً إلى أنّها أهمُّ علامة من علامات الصُّلح، مُضيفاً أنَّ هنالكَ منَ العادات القديمة لدى العشائر العربيّة قصصاً طريفة، ومنها ما يُسمّى "شروة الدم"، بحيث يشتري القاتل دمَ قتيله.
وعن الاعتبارات الاجتماعيّة" للعَطوة" وطرائق المُصالحة أوضحَ الباحث الأستاذ "اسماعيل الملحم" عضو اتّحاد الكتّاب المُشارك في موسوعة "السويداء" لمنصّة "فينكس" بتاريخ 2 / 2 / 2022، أنّهُ عندما كانَ يقع حادثُ قتل يتدخّل رجال الدين والوُجَهاء وأهل الخير للتوسّط في الموضوع قبلَ أن يستفحل، ويكونُ ذلك إمّا بتكليفٍ من أهلِ القاتل أو باندفاعٍ ذاتيّ لحقنِ الدماء وعدمِ توسُّع الصّراع والتقاتُل. العطوة 3وعمليّة الثأر تمتدّ لغاية الجدّ الخامس، والمثال العمليّ الذي يُضرَب بهذا الشأن هو "قبضة السّكّين"، حيث تُمسَك السّكّين بخمسةِ أصابع، فلو رفعنا الإصبع الأول الذي يُشير إلى الفاعل تنتقل إلى الإصبع الثاني، فالثالث، فالرابع، فالخامس، فإذا رُفِعَت هذهِ الأصابع تُسقَط السّكّين من قبضة اليد بعدَ رفع الأصابع الخمسة. لهذا، فإنَّ الذينَ تطالهُم عمليّات الثأر هُم حتى الجدّ الخامس الجامع، وهُم على التوالي" الفاعل، ثمّ والده، ثمّ والده... إلخ، فكلُّ واحدٍ من هؤلاء مُعرَّض، ويُطلَب منه "الجلوة"؛ أي أن يُغادر مكانَ القتل أو (ديرة أهل المَقتول) إلى مكانٍ آخر بعيد عن موقع أهل القتيل، والذينَ لا تشملهُم "الجلوة" يُمكن أن يدفعوا ما يُسمّى بِ "شاة مرتع"، وهُم فوقَ الجدّ الخامس.
ويُمكن التبرّؤ من أحد الأفراد السيّئينَ في العشيرة أو الأسرة، وهوَ مَن يُسمّى "بالخَليع"، وقد وصفهُ الشاعر العربيّ "امرؤ القيس" بقوله: "ووادٍ ببطنِ العير قفرٍ قطعتهُ بهِ الذئبُ يعوي كالخليعِ المعيلِ" والشخص الذي تتبرّأ منهُ أسرته يعيش معزولاً عائليّاً واجتماعيّاً، وفي الغالب يرحل عن بلدة الأسرة. وعمليّة الثأر لم تكُن تتناول النساء أو الأطفال، بل تقتصر على الرجال القادرين على حملِ السّلاح. وهناكَ روايات مَشهورة تصفُ طالبَ الثأر بفروسيّته، حيثُ يُنبَّه مَن يُريد أن يُثأر منه، ثمّ تُطلَق عليه النار، لذلكَ لا يجوز الثأر من نائم.
وعن "العَطوة" يذكُر الباحث التراثي الأستاذ "جميل أبو ترابي" لمنصّة "فينكس" بتاريخ 3 / 2 / 2022،  أنّها منَ العادات والتقاليد التابعة لِعادة "عقد الراية" والتي تتلخّص في أن يطلب المُصلحون من أهل القتيل وأنصارهم مُهلةً زمنيّة يتفق عليها الطرفان، وتُعرف اصطلاحاً "بالعَطوة" ليخلدوا فيها إلى السكينة، ويمتنعوا عن القيام بمُشاجراتٍ جديدة قد تجرّ عليهم وقوعَ قتلى آخرين، وليتدبّرَ المُصلحون أمرهم ويسعوا لحلّ الخلاف الناشب بينَ الفريقين.
 وقد لا تكفي مدّة "العطوة" المضروبة لشهر أو لأسبوع لحلّ الخلاف، فيلجأ المُصلحون إلى إجلاءِ القاتل معَ أقرب الناس إليه إلى قرىً بعيدة، شريطةَ ألّا يكونَ فيها أقرباء للقتيل للحيلولة دونَ وقوع صداماتٍ جديدة، حتى تمّ اتخاذ الإجراءات اللازمة لعقد الراية ودفع الديّة.
إذاً، العطوة" من العادات العربيّة القديمة لأهلِ جبل العرب، تقومُ على أسسٍ وقواعد، تهدف إلى حلّ الخلافات وعقد الصّلح بينَ الأُسر المُتنازعة بعيداً عن الثأر والدّم.