كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

أوغاريت.. ٩٢ عاماً على الحقيقة

د. غسّان القيّم:
قبل اثنين و تسعين عاماً كان هناك عدة نظريات للكتابة و للأحرف الهجائية، و لكن بعد عام ١٩٢٩ تغيرت كل هذه النظريات و ظلت حقيقة واحدة أن أول كتابة بأحرف الأبجدية ظهرت في أوغاريت، فكانت أبجدية أوغاريت هي الشمس التي سارت عليها كل لغات العالم.
اكتشفت من خلال التنقيب في تل رأس شمرا في مثل هذا اليوم من العام ١٩٢٩م على يد عالم الآثار الفرنسي (كلود شيفر) لأن سوريا كانت ترزح تحت الانتداب الفرنسي.
 بعد أن اكتشفها صدفة الفلاح (محمود ملا) وهو يحرث الأرض و يعمل كي يؤمن قوت منزله. و لم تظهر إلّا من خلال العمل إيمانا منها بقيمته في ثقافتها العميقة.
لم تكن أوغاريت مكاناً، بل زمن في تاريخ الانسانية ويأتي اليوم ذكرى اكتشافها ليس لإحيائها وإنما للوقوف إكراماً على هذه الحضارة التي تشكل جزءاً أساسياً من التراث الإنساني العالمي.
مملكة أوغاريت كانت تحت حماية الإله الشاب بعل؛ إله العواصف و الرعد و الأمطار المقيم في جبل صفون.
كانت مركزاً تجارياً و ثقافياً فريد الأهمية، بسبب موقعها الاستثنائي الذي أدى إلى انفتاحها على البحر وعلى مناطق سوريا الداخلية.
أوغاريت و هي كلمة أكادية (أغارو) وتعني الحقل الخصب، و لم تكن ارضها فقط خصبة، بل هي كانت خصبة في كل شيء؛ في الثقافة والتجارة و الصناعة و العمارة، فكانت درة البحر المتوسط، ففيها كل مواصفات التي تتصف بها المدن الحقيقية:
الطرقات المؤدية إلى بواباتها المقامة في سورها المحصن و الأحياء السكنية، قصرها الكبير، معابدها و مناطقها الحرفية ومدافنها و مصارف المياه و الآبار.
ونحن السوريون أبناء أوغاريت وإيبلا، و ماري وأبناء الشمس، نجدد في كل شروق الوفاء لتاريخنا الحضاري الذي يشكل حيزاً كبيراً في التاريخ الثقافي للعالم.
مهما تحدثنا عن أوغاريت لايمكن إيفائها حقها؛ فهي الخالدة التي علمت الشعوب الكتابة و الولوج إليها من بوابتها ليس إلّا اختزالاً للزمن كي نحتسي كأس نبيذ في ضيافة نقماد الثاني.
اوغاريت كانت كافية كي ينبلج كل هذا الضوء للعالم
اثنان و تسعون عاماً من الحقائق السورية؛ التي تؤكد ان سوريا هي الشمس.